الفكرة السليمة، والأسلوب المناسب، والوسيلة الجديدة.. هذه عوامل ثلاث اجمع خبراء الإعلام على انها تمثل أركان المعادلة الصحيحة لصناعة إعلام هادف قادر على اجتذاب الناس وتغيير الوعي.
وفي إطار الحديث عن الإعلام الإسلامي وسبل النهوض به قالوا إن غياب أركان تلك المعادلة بنسب مختلفة هو ما أسهم في تأخر الإعلام الإسلامي عن النهوض بدوره المأمول.
واكد الخبراء على أن هذه العناصر الثلاث ينبغي التعامل معها بكونها كلا لا مجموعة اجزاء، فالفكرة لا تنفصل عن الاسلوب، والوسيلة لا بد لها أن تتماشى مع الفكرة، فالغاية لا تبرر الوسيلة.
ويضربون مثلا بما أسموه “هوجة” الإعلانات الخادشة للحياء التي ظهرت على قنوات من المفترض انها إسلامية، مؤكدين أن التشريعات والقوانين ومواثيق الشرف الإعلامية هي احد الحلول لهذه الازمة.
الإعلام والإعلان
في البداية تطالب الإعلامية الدكتورة مها مدحت، رئيس البرامج الدينية بالتلفزيون المصري بوضع قوانين وتشريعات تنظم الإعلام الإسلامي بحيث توضح ما له وما عليه بدلا من ترك الأمور خاضعة للاجتهادات الشخصية..
وقالت: لابد من دراسة هيكلته وتقنين وضع مؤسساته والتفرقة بين الوسائل الجادة من حيث المضمون والمهنية والمرخص لها قانونا وبين الوسائل التي يقوم بها الهواة التي قد تسيء الي الإعلام الإسلامي بحسن نية أو سوء تصرف تجاه بعض القضايا الحيوية.
وفي هذا الإطار أشارت مدحت إلي أهمية إنشاء اتحادات أو نقابات للعاملين في مجال الإعلام الإسلامي، سواء علي مستوى الأقطار أو علي المستوي الإقليمي والدولي لضمان حقوق العاملين والدفاع عن قضاياهم والتواصل والتعامل مع متخذي القرار في بلادهم أو مناطقهم الإقليمية.
وحثت رئيسة البرامج الدينية في التلفزيون المصري على أهمية إعادة النظر في علاقة الإعلان بالإعلام الإسلامي وخاصة أننا وجدنا الكثير من المخالفات المهنية بل وخدش للحياء من الإعلانات في وسائل إعلام يفترض أنها ملتزمة فيما تبثه بالتعاليم الإسلامية وخاصة الفضائيات التي تذيع إعلانات عن المنشطات الجنسية وعلاج الدجالين باسم القرآن الكريم أو العلاج الروحاني ويتم الإعلان عن ذلك خلال إذاعة الفضائيات للقرآن الكريم ، أو الأحاديث النبوية.
وفي إطار بيان العلاقة غير الشرعية كما وصفتها قالت: من المؤسف أن بعضها مملوك لشركات إعلانية أو هي المشرفة علي إدارتها ولهذا لابد من السعي لإصدار قانون ينظم علاقة الإعلانات بالإعلام عامة والإعلام الإسلامي خاصة للمحافظة علي حقوق المشاهدين والمستهلكين وإعداد برامج توعوية موجهة تهدف إلي خلق الوعي لدي المشاهدين.
حماية المشاهدين
من جهته أكد الدكتور حسن علي رئيس قسم الإعلام بجامعة المنيا، ورئيس جمعية حماية المشاهدين، ضرورة إعطاء أولوية لتعديل كافة التشريعات التي تعني بحماية المشاهدين وتحديثها بما يتوافق مع متطلبات المرحلة القادمة، وكذلك سن القوانين التي تضبط التوازن بين الحرية والمسئولية بمعني الحرية السابقة للإصدار والمسئولية اللاحقة له في مختلف وسائل الإعلام المرئي والمسموع والمقروء.
وطالب بضرورة تفعيل المواثيق الإعلامية بوجه عام بما فيه الإعلام الإسلامي ، ووضع ما يكفي من الجزاءات والعقوبات المهنية الرادعة لمواجهة المستهترين ، وكذلك التأكيد علي دور النقابات والاتحادات الإعلامية في رعاية مصالح أعضائها وكذلك مصالح المجتمع مما قد يتسبب فيه أعضاء النقابة وبهذا يكون دورها متوازنا.
واقترح رئيس جمعية حماية المشاهدين إنشاء جمعيات أهلية وروابط اجتماعية تعمل علي مراقبة الأداء الإعلامي وحماية المواطن وضمان عدم تعرضه لما يسئ له أو يهدد سلامه الاجتماعي أو ينتهك خصوصياته مع العمل علي منع احتكار رجال الأعمال للإعلام الخاص، ووضع قواعد تنظم ملكية وسائل الإعلام وفصل ملكية وسائل الإعلام عن الإدارة، وأيضا فصل الإدارة عن التحرير وفصل العمل الإعلامي عن الإعلاني وتنظيم تملك الأحزاب والحركات الدينية و السياسية لوسائل الإعلام وخاصة المسموعة والمرئية و إصدار قوانين تنظم تداول المعلومات وحق الإعلامي في الحصول علي المعلومات التي يحتاج إليها في الوقت المناسب ومن مصادرها الأصلية دون اللجوء إلي الوسائل غير المشروعة.
مساحيق تجميل!
أما الإعلامي علاء بسيوني الذي قام بتقديم العديد من البرامج الدينية في وسائل الإعلام الحكومية والخاصة فقد حذر من تحول الإعلام الإسلامي وخاصة الفضائي إلي مساحيق لتجميل وجه الجهة التي يمثلها أو يصدر عنها، تيارا أو حركة أو حزبا أو جماعة..!
وقال بسيوني: على الإعلام الإسلامي أن يقوم دوما بالنقد الذاتي البناء، وفي نفس الوقت عدم نسيان رسالته تجاه المجتمع وفتح حوارات جادة، بمعنى أن يبتعد الإعلام الإسلامي عن ” التطبيل ” لمالكيه كما يفعل غيره من الإعلام الآخر.. حكومي كان أو حزبي!
وأشار بسيوني إلى أهمية تحلي الإعلام الإسلامي بالموضوعية والعدالة والصدق حتى مع الخصوم وليكن شعاره قول الله سبحانه وتعالي :” يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ” لأنه للأسف بعض وسائل الإعلام الإسلامي تدخل في خصومة شديدة مع المختلفين معهم من أبناء الدين نفسه، سواء بسبب خلافات فقهية أو مذهبية ويصل الأمر أحيانا إلي تكفير وتفسيق المخالف لهم.. مع أن الإسلام أمرنا بالنصيحة للمخالفين لنا وخاصة إذا كانوا ينتمون إلي ديننا بدليل قول رسول الله ﷺ: “الدين النصيحة، قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
وقال: من الضروري أن يكون القائمون علي الإعلام الإسلامي أصحاب رسالة وليسوا باحثين عن سلطة أو شهرة أو منصب وجاه أو مصالح شخصية سواء بالنسبة للقائمين بتقديم الرسالة الإعلامية او من يملكون الوسيلة الإعلامية..
وعلى المستوى الفني قال بسيوني: عليهم أن يدركوا أن الآلة الإعلامية أصبحت أحد أدوات صنع التاريخ المعاصر وتأثيرها علي مجريات الأحداث لاسيما بعد انتشار القنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي واستحواذ التيارات التغريبية علي كثير من هذه الوسائل؛ لهذا لابد أن يدرك الإعلاميون الإسلاميون والدعاة أهمية الإعلام ودوره في تشكيل الرأي العام وكيفية التعامل معه وكيف يكون حضورهم قويا وفاعلا علي هذه الساحة.
مهام صعبة
على المستوى الاكاديمي طالب الدكتور محمود عبد العاطي _الأستاذ بكلية الإعلام جامعة الأزهر _ القائمين علي الإعلام الإسلامي بالتعامل بذكاء وحرفية مع تحرش وسائل الإعلام الواقعة تحت سيطرة العلمانيين به وترويجها للصورة السلبية عن الإسلام والإسلاميين لتحقيق العديد من الأهداف الخبيثة أهمها :اصطناع القلق والخوف من ظهور الإسلاميين وخلط الحق بالباطل لإظهارهم علي أنهم أعداء الحرية، أو العشوائيين والرجعيين والهمجيين والترويج لكل ما من شأنه اختلاق صورة الإسلامي القاسي الديكتاتور المعادي للحرية.
وأشار عبد العاطي إلي أهمية قيام الإعلام الإسلامي برسم إستراتيجية لنفسه ويسعي لتحقيقها في ضوء المتاح من إمكانياته وحسن قراءة الواقع المجتمعي والسياسي ، وفي نفس الوقت القيام بالنقد الذاتي وتصحيح الأخطاء وعدم تكرارها؛ لأن كل عمل بشري يعتريه قصور وأخطاء لابد من التعلم منها؛ لأن المؤمن لا يلدغ من جحر مرتين.
وأوضح أن المرحلة الحالية التي يمر بها الإعلام الإسلامي في غاية الصعوبة والحساسية وخاصة بعدما تعرض له الإسلاميون في الدول التي شهدت ثورات ولهذا لابد من التعامل بحكمة وعقلانية لتصحيح الصورة المغلوطة عنهم التي حاول الإعلام غير الإسلامي ترسيخها في أذهان الجماهير عن كل ما له صلة بالإسلام وهذا التصحيح ليس بالأمر الهين ولن يتم بين يوم وليلة بل يتطلب جهودا كبيرة من القائمين علي الإعلام الإسلامي في إطار من التعاون والتكامل بينهم.
وأنهي الدكتور محمود عبد العاطي كلامه مؤكدا أن الصعود الملحوظ للتيار الإسلامي بعد الثورات العربية أثار كثيرا من القلق الذي وصل إلي درجة الهلع لدي فئات من شعوبنا العربية، ولهذا لابد من البحث عن وسائل عقلانية لكيفية التعامل الإعلامي مع هؤلاء، وكذلك كيفية التواصل مع شركاء المجتمع سواء في الدول التي اخفق فيها الإسلاميون أو من حققوا فيها قدرا من النجاح والاستفادة من دروس التاريخ وتجارب الماضي.