إن لغتنا العربية تواجه تحديات جسيمة تتطلب تضافر جهود جميع أبناء الامة العربية والإسلامية من أجل مجابهتها، وهذه المواجهة فرض كفاية على الأمة كلها بوصفها لغة القرآن الكريم ووعائه فى ظل عالم يموج بتحديات كبيرة وعولمة متوحشة تلتهم الأخضر واليابس فى طريقها….

هذا ما أكده المشاركون فى المؤتمر العلمي الثاني لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها والذي تظمته الرابطة العالمية  لخريجي الأزهر تحت عنوان ” اختبارات قياس مهارات اللغة العربية لغير الناطقين بها تجارب وانجازات . بالقاهرة يومي الأربعاء والخميس 27:26 اكتوبر 2016م

وقد شهد لمؤتمر زخما بحثيا كبيرا حاول المشاركون من خلاله تقديم خارطة طريق للحفاظ على لغة القرآن ومحاولة نشرها بين ربوع العالم الإسلامي لغير الناطقين بها..

فقد عرض الدكتور محمود عبده فرج مدير مركز اللغة العربية بالأزهر الشريف جهود المركز وخططه في هذا الإطار مؤكدا بداية الأساس الشرعي الذي انطلق منه المركز حيث اعتبر تعلمَ اللغةِ العربيةِ من قِبَلِ المسلمينَ غيرِ العرب واجبا دينيا، إذ يرتبطون بهذه اللغةِ ارتباطًا دينيًّا وعقدِيًا، من أجلِ تلاوةِ القرآنِ الكريمِ، وفهمِ آياتِه، ومعرفةِ أسرارِه وأحكامِه، وإتقانِ شعائرِ الإسلامِ كالصلاةِ، وذكرِ الله تعالى، والدعاءِ بما وردَ عن النبي صلى الله عليه، مشيرا إلى أنه لما كان هذا لا يتمُّ إلا بتعلمِ اللغةِ العربيةِ وإتقانِها لكونِها لغةَ القرآنِ الكريمِ وتعاليمِ الدينِ. فإن تعلمَ هذه اللغةَ يصيرُ واجبًا وضرورةً، وما لا يتمُّ الواجبُ إلا به فهو واجبٌ، ولقد أفتَى الإمامُ “الشافعيُّ” في كتابهِ “الرسالةِ” بأن تعلمَ العربيةِ فرضٌ على كلِ مسلمٍ – عربيًا كان أم أعجميًا – كما أَفتَى بذلك وأكَّدَه ” الإمامُ الشَّاطِبيُّ” في كِتَابَيه “الاعتصامِ” و “الموافقاتِ”، كما رُوِىَ عن مالكٍ والشافعيِّ وأحمدَ كراهيةُ التخاطبِ بغيرِ العربيةِ إلا لحاجةٍ .

ولهذا واستجابةً لهذه التعاليمِ، ومن واقعِ المسئوليةِ الدينيةِ فقد رأت قيادات الأزهر بحسب فرج أن من الواجبِ إنشاءَ مركزٍ لتعليمِ اللغةِ العربيةِ لغيرِ الناطقين بها، ليقومَ بمهمةِ تعليمِ العربيةِ الفصحَى لأبناءِ المسلمينَ من مختلفِ دولِ العالمِ من الناطقين بغيرِ العربيةِ، فكان مركزُ الشيخِ زايدٍ لتعليمِ العربيةِ لغيرِ الناطقينَ بها بالأزهر طبقًا لمعاييرِ الجودةِ العالميةِ لتعليمِ اللغاتِ الثانيةِ..

الإطار المرجعي

وفي محاولة لبيان الجهد العلمي قال فرج: لقد ظهرتْ سلسلةُ الأزهر لتعليمِ اللغةِ العربيةِ لغيرِ الناطقينَ بها مشتملةً على سبعةِ كتبٍ دراسيةٍ وأربعةِ أدلةٍ للمعلمِ، وقد بُنِيَتْ هذه السلسلةُ في ظلِّ إطارٍ مرجعيٍّ أفادَ من التوجيهاتِ العالميةِ في تعليمِ اللغاتِ لغيرِ الناطقينَ بها، كما أفادَ من الحضارةِ الإسلامية وخصوصيَّتِها، وأخيراً أفادَ من طبيعةِ اللغةِ العربيةِ بما لها من سماتٍ وخصائصَ محددةٍ .

وبشيءٍ من التفصيلِ فقد تناولَ الإطارُ المرجعيُّ ما يلي:

أولا: الفلسفةُ العامةُ لسلسلةِ الأزهر في تعليمِ اللغةِ العربيةِ لغيرِ الناطقينَ بها .

ثانيا: الاتجاهُ العامُّ لاختيارِ محتَوَى هذه السلسلةِ، واللغةَ التي تُقَدَّمُ بها، والمفرداتِ المستخدمةَ، والتراكيب .

ثانيا: مصفوفةُ المدى والتتابعِ للسلسلةِ؛ من المستوى المبتدىءِ إلى المستوى المتميزِ.

ويُحَدَّدُ في هذه المصفوفةِ مخرجاتُ التعلُّمِ في الاستماعِ، والتحدثِ، والقراءةِ، والكتابةِ والتراكيبِ اللغويةِ والأساليبِ البلاغيةِ، والأنشطةِ الإثرائيةِ المقترحةِ، والتدريباتِ والأنشطةِ المصاحبةِ لها.. عِلاوةً على ذلك فإننا قدمنَا في هذا الإطارِ دراسةً عميقةً عن خصوصيةِ اللغةِ العربيةِ وتميُّزِهَا عن كثيرٍ من لغاتِ العالمِ، خاصةً ما يتعلقُ بالجانبِ الصوتِي، والجانب الصَّرْفِي والدلالِي

تجربة معهد الخرطوم

وعن الأصول العلمية لتجربة معهد الخرطوم كان البحث المقدم من الدكتور: عبد الرحيم علي مدير سابق لمعهد الخرطوم الدولي، والذي أكد في بحثه على أنه ليس من المهم قياس الكفاءة اللغوية للناطقين بغير العربية فقط وإنما الأهم هو الهدف من هذه الاختبارات.

كما عرض نموذجًا لتحديد الأسئلة والخاصة بالاختيار في المعهد، وأوضح أن تلك الأسئلة لا تقف عند تخصص معين من تخصص اللغة، بل تشمل كافة المجالات والتخصصات كالنحو والصرف، مشيرًا إلى مشكلة اللغة المألوفة في الاعلام وهي ما أسماها “عدم فهم المقروء”، حيث تتحكم هذه اللغة الخاصة بالإعلام في لغة الناس وألسنتهم.

وتابع، إن الطلاب لا يأتون لدراسة اللغة العربية بالمعهد، إلا لدراسة تراث اللغة العربية، بينما هناك طلاب آخرون يذهبون لتعلم اللغة العربية للعمل أو للالتحاق بإحدى الشركات، وتساءل ” لماذا نريد أن نقيس مستوى الطالب، ولماذا نضع الاختبار؟

وشدد في خلال بحثه على أهمية تحديد الغرض التي تُدرس من خلاله اللغة العربية، كما فرق بين اللغة العربية التي نريد أن درسها للطلاب وبين اللغة العربية التي يريد الطالب ان يدرسها.

“توفل” عربي

وتحت عنوان: “نحو إطار مرجعي عربي لبناء اختبارات الكفاءة اللغوية (تجارب ونماذج)”، قدم الدكتور: محمد عبد الرؤوف الشيخ أستاذ مناهج تعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها بجامعة الازهر بحثه الذي يهدف إلى وضع الخطوط العريضة لوضع إطار مرجعي عربي شامل “وثيقة”، لبناء كفاءة اختبار عربي عالمي موحد مثل اختبار “التويفل” على غرار الإطار المرجعي الأوربي، ولجنة الاختيارات الدولية والمجلس الأمريكي لتعليم اللغات الأجنبية.

وتهدف الورقة البحثية إلى إلقاء الدور على التجارب الحالية في اختبارات الكفاءة اللغوية للغة العربية للناطقين بغيرها، وكيفية الاستفادة منها للتغلب على المشكلات التي تواجه إعداد اختبار الكفاءة اللغوية في اللغة العربية للناطقين بغيرها، للوصول بها إلى مستوى اختيارات الكفاءة العالمية.

وطرح الباحث تساؤلا هامًا وهو ما الفرق بين اختبارات الكفاءة اللغوية والاختبارات التحصيلية اللغوية؟ حيث يحدث كثيرا خلط بين الاختبارات التحصيلية واختبارات الكفاءة بالرغم من وجود فروق جوهرية بينهما.

وتحت عنوان مقومات اختيار العرفان المعياري لقياس مهارات الناطقين بغير العربية جاء بحث الأستاذ الدكتور محمد الحناش أستاذ الهندسة اللغوية العربية واللسانيات العامة جامعه سيدي محمد بن عبد الله بالمغرب.

وناقش في ورقته تقدير مؤسسة العرفان للاستشارات التربوية والتطوير المهني للإقبال الكبير على تعلم اللغة العربية في أغلب دول المعمورة، ولذلك قامت مؤسسة العرفان بتطوير اختبار الكتروني أُعد خصيصًا لقياس مهارات متعلمي العربية من غير ابناءها، بل هم في المراحل المتقدمة من تعلم العربية، أي في المستوي C1 -2 ، حسب معايير الأطر الأوربي المشترك، وهو المستوي الذي يعادل مستوى الثانوية العامة من التعليم العام.

وأوضح أنه ليس الهدف من هذا الاختبار تعليم الأجنبي لفة الضاد بقدر ما هو تقويم كفاءته ومهارته في معرفه اللغة أما تعليم اللغة فذلك مكانه معاهد لمراكز تعليم اللغات في العالم.

الاختبارات ودورها

وفي الإطار نفسه جاء بحث الدكتورة فتحية شفيري، الأستاذة بقسم اللغة العربية وآدابها بجامعة محمد بوقورة بومرداد بالجزائر تحت عنوان أهمية الاختبارات ودورها في تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها..

وقد ارتكز هذا البحث على ثلاثة محاور:

المحور الأول: دور الاختبارات في تعلم اللغة العربية لغير الناطقين بها وأهميتها، حيث يشهد العالم اليوم اهتماما كبيرا بتعلم اللغة العربية خاصة غير الناطقين بها، فلم يقفوا عند حدود الاستماع فقط بل تجاوزت رغبتهم في تعلمها إلى امتلاك ناصيتها كلامًا وقراءة وكتابة، فحاجتهم كما يري المهتمون بالشأن اللغوي بهؤلاء تختلف اختلافًا واضحًا عن الناطقين بها، إنها تعلم عناصر اللغة أصواتا ومفردات وتراكيب.

المحور الثاني: الاختبار السماعي للناطقين بغير اللغة العربية واهميتها: حيث يعتبر السمع أكثر الحواس تواترا في القران الكريم، فهو الطريق الذي يوصل الى اليقين بوجود الله وأهميته وعظمة خلقه ” وَاللَّهُ أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۙ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (78).

المحور الثالث: الاختبار الكتابي للناطقين بغير العربية واهميته، كي يكتسب هذا المتعلم الخاص اللغة العربية اكتسابا سليما يجب أن يتعود الكلام بها لينطق لسانه بها ويوثر في غيره فيغريهم بتعلمها والتعمق فيها.

توصيات

وفي نهاية المؤتمر أصدر المشاركون مجموعة من التوصيات تمثلت أهمها فيما يلي:

1) إنشاء المجلس العالمي لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، والتأكيد على دوره باعتباره هيئة اعتماد واعتراف دولي ببرامج ومناهج واختبارات الكفاءة في اللغة العربية للناطقين بغيرها .

2) العمل على وضع إطار عام مرجعي عربي موحد لتعليم اللغة العربية بوصفها لغة أجنبية أو لغة ثانية من أجل توجيه بناء المناهج الدراسية وإعداد اختبارات الكفاءة اللغوية العربية لغير الناطقين بها…

3) العمل على توثيق الروابط بين مراكز تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها وكليات التربية من أجل التكامل والتعاون في تشكيل فرق لإعداد اختبارات الكفاءة اللغوية لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها.

5) العمل على الاستفادة من التقنيات الحديثة في إعداد الاختبارات المحوسبة وتطبيقها لقياس تعلم اللغة العربية لغير الناطقين بها والتدريب على تطبيقها عن بعد.

6) التأكيد على تضمين الثقافة العربية الإسلامية في مناهج تعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها وفي اختبارات قياس تعلم المهارات اللغوية لهذه الفئة .

7) فتح المجال أمام المشاركة المجتمعية لتمويل مشروع إعداد اختبار الكفاءة اللغوية الموحد لغير الناطقين بالعربية؛ لسد العجز في مصادر التمويل الرسمية التي قد تعيق إنجاح مشروع بناء الاختبارات.

8) توفير المخصصات المالية اللازمة لدعم البحوث والدراسات التي تعنى بتقويم تعلم اللغة العربية وبناء اختباراتها في مجال تعليم اللغة العربية وتعلمها لغير الناطقين بها.

9) العمل على إطلاق محطة تلفزيونية متخصصة تقدم برامج لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بها، وتطرح برامج متخصصة لتعليم اللغة العربية لأغراضها الخاصة، كما تقدم خدمة التدريب على اختبارات الكفاءة اللغوية.

10) تشكيل لجنة متابعة من الحاضرين من أماكن مختلفة في العالم؛ لمتابعة توصيات المؤتمر وتفعيلها على أرض الواقع.

11) اطلاق موقع للمؤتمر تقدم من خلاله قائمة المشاركين فيه لتبادل الخبرات والتجارب والمحاولات المتعلقة بإعداد اختبار الكفاءة في اللغة العربية الموحد.