لم يكن غريبًا أن يقدم الفقهاء عقد السلم بصفته المنافس الكفء للقروض الربوية في التمويل النقدي، فإذا كانت مرونة القرض الربوي متجلية في كونه يسمح للمتمول بالحصول على النقد الذي يريد، فإن عقد السلم يتيح المرونة ذاتها للمتمول، فبمقتضاه يحصل المتمول “بائع السلم” على النقد عاجلا، مقابل أن يلتزم لمشتري السلم “البنك” ببضاعة موصوفة يتأخر تسليمها.

كفاءة عقد السلم نظريًّا

فمن الممكن أن يكون عقد السلم أداة تمويلية ذات كفاءة عالية من حيث استخدامها للاستجابة لحاجات التمويل المتنوعة والمختلفة للمتمولين سواء أكانوا زراعاً أم صناعاً أم تجاراً أم مهنيين من مقاولين أو مهندسين، ولا تكاد تحصر مجالات تطبيق عقد السلم في النشاطات الزراعية والتجارية الداخلية والخارجية والصناعية والحرفية وغيرها.

قد يكون غرض البائع المسلَم إليه هو استلاف رأس مال السلم لغرض استهلاكي، ليس له أدنى علاقة بمجال عمله الإنتاجي، أو قد يكون مجال نشاط المسلم إليه مختلفاً تماماً عن إنتاج بضاعة السلم التي التزم بتسليمها، فلا مانع أن يكون المسلم إليه مقاولاً يعمل في مجال العقارات، ولكنه يلتزم بتسليم قمح أو زيت أو حديد… إلخ، يشتريه من السوق عند حلول أجل السلم، ويكون دافعه لاستلاف رأس مال السلم هو أن يبني به عمارة حسب طلب أحد عملائه، فللمقاول الربط بين أجل البضاعة التي التزم بتسليمها وبين الوقت الذي يقبض فيه أتعابه من عمليه مقابل بناء العمارة، على أن يستخدم هذا المال المقبوض لشراء سلعة السلم وتسليمها إلي المشتري في التاريخ المحدد.([1])

التجربة العملية في البنوك الإسلامية لعقد السلم

1- جاءت نسبة استخدام عقود السلم في البنوك الإسلامية متدنية إلى حد بعيد، فبحسب دراسة قامت بها هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، فقد تبيّن أن التمويل بصيغة السّلم يمثل حوالي 5% من إجمالي التمويل الممنوح من قبل المصارف التي شاركت في الدراسة(.([2]

2- كما أظهرت دراسة تحليلية– صدرت في مارس 2008م- أن التمويل بالسلم لا يمثل شيئاً يُذكر في البنوك الإسلامية السعودية.([3])

3- كما أجرى بعض الباحثين دراسة للأرقام والإحصاءات التي أوردها البنك المركزي السوداني لأنواع الصِّيَغ والعقود الشرعية التمويلية، وحجم التمويل بكل منها، ومن خلال التتبع والمقارنة تبين الآتي:

التمويل بالسلم في عام 2005م لم يكن يمثِّل بين عقود التمويل الأخرى إلا نسبة ضئيلة تعادل 2.1%.

أما في عام 2006م فلم يكن السلم يمثل سوى 1.2% بالنسبة إلى بقية عقود وصيغ التمويل الأخرى.

هذا وإنه من خلال تأمل نسبة التمويل بالسلم مقارنة ببقية العقود والصيغ الشرعية التمويلية في عام 2006م، ومقارنتها بالنسبة نفسها في العام الذي قبله-2005م-؛ نجد أن حصة التمويل بالسلم بين بقية العقود قد تدنت بنسبة قاربت الـ 100%([4])

4- ولم يختلف الأمر في السنوات الأخيرة، حيث أثبتت دراسة حديثة أن نسبة حجم التمويل بالسَّلم كانت (0.02%) من حجم التمويلات الإسلامية لسنة 2010([5]) كما هو مبين في الجدول التالي:

أسباب تراجع التمويل المصرفي بالسًلم؟

يمكن رد هذه الأسباب إلى:

1- مخاطر رأس المال: حيث إن أسعار السِّلع عرضة بسبب تأجيل تسليمها إلى التغير والتذبذب وعدم الثبات، وهذا التغير ربما يكون بالزيادة في الأسعار مما يشي بأنه في مصلحة البنك، لكن الواقع أثبت أنه حتى في هذه الحالة لا يكون في مصلحة البنك؛ لأنه يغري المدينين بالسلع بالمماطلة إحساسا منهم بأنهم غُبنوا([6])، وربما يكون بالنقص في الأسعار مما يؤدي إلى خسارة البنك، أو ضياع ربحه حسب قدر النقص.

أمثلة:

(أ) في التجربة السودانية للتمويل بالسلم، وصل الأمر إلى أن بعض المحاصيل زادات أسعارها وقت التسليم مقارنة بوقت التعاقد بما نسبته (138%).([7])

(ب) سعر النفط كان -قبل مدة لا تعتبر طويلة في عمر الصناعة والتجارة- في عام 1970م أقل من دولارين أمريكيين للبرميل الواحد -1.80 دولار للبرميل-، حتى وصل في شهر يوليو2008م إلى 147.27 دولاراً للبرميل. بينما كان متوسط سعر برميل النفط خلال الفترة من عام 1988م إلى عام 2007م لم يتجاوز 28.8 دولاراً للبرميل في هذه الفترة كلها.

بل إن ما يجلِّي هذا التذبذب الكبير بشكل أوضح أن سعر برميل النفط الذي بلغ في الشهر السابع –يوم 3 يوليو- من عام 2008م مائة وسبعة وأربعين دولاراً -147.27- للبرميل، قد هبط في قرابة الخمسة أشهر فحسب –في يوم 19 ديسمبر 2008م- إلى أقل من 35 دولاراً للبرميل الواحد، أي أن برميل النفط فقد قرابة 112 دولاراً من قيمته في هذه الفترة الوجيزة.([8])

ثم شهد النصف الثاني من عام2014انهيارا جديدا في أسعار النفط أفقدها نحو 45% من قيمتها منذ 20 يونيو/حزيران 2014 حتى منتصف ديسمبر/كانون الثاني من سنة2014م.

وهبط سعر خام برنت الأوروبي القياسي إلى 62 دولارا للبرميل من 115 دولارا. وواصل السعر في الهبوط ليستقر دون الخمسين دولارا  حتى أواخر يناير 2015م.([9])

مشكلة التسويق

2 – كان المعوق الأكبر في طريق عقد السلم ليشق طريقه في المسار التمويلي النقدي في المصارف الإسلامية، هو أن البنك سيحصل مقابل رأس مال السلم على سلع وبضائع، فكيف يقوم بتسويقها؟ وكيف يحقق هذا التسويق ربحا له؟[10]

 


([1]) انظر: السلم بديل شرعي،التجاني عبد القادرأحمد

 ([2]) انظر: مخاطر صيغ التمويل الإسلامية، مصطفى محمود عبد السلام، مجلة البيان.

([3]) ينظر: دراسة تحليلية لواقع السوق المصرفي السعودي، د/ محمد البلتاجي،.

([4]) انظر عقود التمويل المستجدة في المصارف الإسلامية، د.حامد ميرة.

[5]) انظر بحوث ندوة دلة البركة الرابعة والثلاثين للاقتصاد الإسلامي، المقامة في يوليو 2013م

([6]) تجربة السلم في السودان،د. عثمان بابكر، البنك الإسلامي للتنمية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب،1418هـ

([7]) تجربة السلم في السودان، د. عثمان بابكر

([8]) ينظر: النشرة الشهرية الصادرة عن الدائرة الاقتصادية والأبحاث في شركة جدوى للاستثمار، نشرة شهر سبتمبر 2008م، وينظر صحيفة الاقتصادية السعودية على الروابط الآتية:

= http://www.aleqt.com/news.php?do=show&id=150264

http://www.aleqt.com/2008/12/20/article_175324.html

وموقع الجزيرة نت على الروابط الآتية:

نقلا عن كتاب: عقود التمويل المستجدة، حامد ميرة، ص 508

[9])) طالع أسعار النفط من هنا:

 http://sa.investing.com/commodities/crude-oil

[10] – انظر كتاب : مشكلة التمويل النقدي في البنوك الإسلامية…دراسة فقهية ومصرفية. حامد علي حسن.