كشف الدكتور كريج كونسيداين أستاذ علم الإجتماع بجامعة رايس عن اكتشاف المسلمين للقارة الأمريكية قبل كريستفور كولومبوس بقرون، وذلك في سلسلة من التغريدات على حسابه  في تويترتناول فيها الأفكار الرئيسة لكتابه الجديد “المسلمون في أمريكا: اختبار الحقائق”.

وطرح الدكتور كريج في بداية الكتاب المذكور سؤالا هو: هل اكتشف المسلمون القارة الأمريكية قبل كريستوفر كولومبوس؟ وأجاب  بنعم، مستدلا على إجابته بالوثائق والسجلات والآثار التاريخية.

وبين الدكتور كريج التاريخ الطويل للعلاقات المتبادلة والمعقدة بين “الغرب” و “العالم الاسلامي” منذ القرن التاسع الميلادي، والتي أشار لها الباحث عبدالله حكيم كويك في كتابه “جذور أعمق”.

غلاف كتاب

وأضاف الدكتور كريج : “لاحظ الباحث حكيم أن مسلمي أوروبا وأفريقيا قطعوا مسافات كبيرة عبر المحيط الأطلسي وتفاعلوا ثقافيا وتجاريا مع الهنود الحمر –السكان الأصليون-، ووثق الباحث سايروس جوردون عملات عربية من القرن الثامن الميلادي”. وقد بسط ذلك في كتابه “قبل كولومبوس”.

وذكر الدكتور كريج أن المؤلف جوردون طرح في كتابه مسألة انتقال النقود العربية باتجاه القارة الأمريكية – من إسبانيا أو شمال افريقيا – بواسطة سفينة مغاربية قطعت المحيط الأطلسي عام 800 ميلادي، وتتوافق هذه المعلومة مع 3 وثائق لرحلات من مسلمي الأندلس.

أول هذه الرحلات وصفها المؤرخ العربي المسعودي الذي كتب عن بحار قرطبي عاد من رحلة عبر المحيط الاطلسي فى عهد الخليفة محمد الأموي (888-912 م).

وأشار المؤرخ المسعودي في كتاب نشر سنة 956 م إلى أن المستكشفين المسلمين “اخترقوا” المحيط الاطلسي ونجح بعض البحارة في العودة للديار، ومن هؤلاء المستكشف ابن الأسود.

وقال المسعودي: “كل إسباني يعرف قصته.”،  وللاطلاع أكثر على هذا الأمر يمكن النظر في كتاب: “المسلمون فى التاريخ الامريكي” للمؤلف ديركس.

أما ثاني أقدم رحلة بحرية موثقة للمسلمين إلى القارة الأمريكية فقد أوردها ابن القوطية – مؤلف ومؤرخ أندلسي من قرطبة – روى فيها قصة  ابن فاروق الذى أبحر غربا إلى  جزيرتي  “اسبانيولا” و”كوبا”.

وقال الإدريسي فى كتابه : “أبحر ثمان بحارة مغاربة من البرتغال إلى منطقة البحر الكاريبي وتحدثوا باللغة العربية مع أهل تلك الجزر”. وناقش أمير حسن هذه الفكرة في كتابه ” المسلمون وصنع أميركا”.

واستشهد الدكتور كريج بما أورده الإدريسي  في كتابه الثاني “رحلات الممالك” عن “مجموعة أخرى من البحارة المسلمين وصلت إلى المحيط الأطلنطي من لشبونة البرتغال، وأبحرت لمدة 11 يوما إلى أن تأثر هيكل سفينتهم من جراء عواصف المحيط المضطربة واضطروا للتوقف في جزيرة مأهولة بالسكان”.

وقال الدكتور كريج أنه واصل تتبع هذه المؤشرات في الفصل الأول من كتابه الجديد “المسلمون في أميركا: دراسة الوقائع”، وطرح سؤالا في بداية الفصل: “هل اكتشف المسلمون القارة الأمريكية قبل كريستوفر كولومبوس؟

دعونا ننتقل الان الى عام 1492 م و رحلة كولومبوس.

كانت رحلة كولومبوس الأولى مكونة من 3 سفن هي “نينا” و “بينتا” و “سانتا ماريا”، و تذكر الروايات أن الشريك في ملكية “نينا” و “بينتا” كان ملاحا مسلما ينحدر من سلالة بني مرين الذين حكموا المغرب بين 1244 – 1465م يدعى مارتن بينزون (يظهر في يمين الصورة وشقيقه فيسنتي يسار) .

هناك بحار مسلم آخر يدعى بيدرو ألونسو يقال أنه أبحر مع  كولومبوس في أول رحلة له، و بحسب ادوارد ا. كيرتس استعان كولومبوس أيضا بـ لويس دى توريس، وهو يهودي يجيد العربية، اصطحبه معه كي يتحدث مع الأشخاص الذين قابلهم فى الأمريكتين.

وفي الرحلة الثانية أخبر السكان الأصليون كولومبوس أن الأفارقة سبقوه لجزيرتهم، تاركين رماحا صنعت أطرافها من المعدن الأصفر ويطلق السكان الأصليون على هذا المعدن ( guanine ) وهي كلمة محورة من (Ghanin)  تخص شعب Mandinka الأفريقي وتعني (سبائك الذهب).

وأكد الدكتور كريج أن كولومبوس كتب في عام 1498 م “حكاية الرحلة الثالثة” قبل وجود شعب الـ  Mandinka في الأمريكتين، ولاحظ  طاقمه ارتداء السكان الأصليين ملابس ملونة تسمى ( Al-Mayzars بالعربية المئزر أو الإزار) واستخدمت لوصف ملابس مسلمي غرب إفريقيا .

وأضاف الدكتور كريج  “واصل مسلمو الأندلس رحلاتهم البحرية عبر المحيط الأطلسي بعد كريستوفر كولومبوس ففي عام  1527 م أبحر مسلم أسود من الرقيق اسمه (Estevanico De Azamor  ) من ساحل ( Barrameda Sanluca )  في إسبانيا  وبرفقة سيده (Andrés Dorantes De Carranza) .

ساعد إستيفانيكو – أفريقي من رقيق المسلمين – القائد الإسباني بانفيلو دي نارفاييث في حملة القرن الـ16 لمناطق أصبحت تعرف فيما بعد بالمناطق الجنوبية والغربية من الولايات المتحدة.

وفي عام  1528م وصل إستيفانيكو مع سيده Dorantes وبرفقة 300 رجل  إلى بحيرة تامبا بولاية فلوريدا بينما عبرت حملة القائد الإسباني بانفيلو دي نارفاييث  تكساس والجنوب الغربي. ويقال أن إستيفانيكو اكتسب شهرة كـ”معالج روحاني” بين السكان الأصليين وتوفي فى نيومكسيكو 1539 م.

حتى قبل رحلات المسلمين الأندلسيين الى الأمريكتين خلال القرنين الخامس عشر والسادس عشر يقال إن الحضور الإسلامي سبق ذلك العصر عن طريق مسلمي غرب أفريقيا وبالتحديد شعب المانديكا التابعين لإمبراطورية مالي .

ونبه الدكتور كريج إلى ما أورده الجغرافي شهاب الدين العُمري -عاش بين القرن الثالث عشر والرابع عشر– أن أفرادا من شعب المانديكا  Mandinka عبروا المحيط الأطلسي في أوائل 1300 م .ودون  العُمري هذه المعلومات في كتاب  “المسلك الأبصر في ممالك منسا موسى ” والذي تحدث فيه عن حاكم شعب المانديكا ” منسا موسى.

وذكر العُمري محادثة دارت بين ابن عامر الحجاب حاكم القاهرة ومنسا موسى حاكم امبراطورية مالي عام 1324. وذلك حين التقى موسى بابن حجاب وهو في طريقه إلى مكة لأداء فريضة الحج، وأخبره أن شقيقه وسلفه (أبو بكاري) أمر بتسيير رحلتين عبر المحيط الأطلسي.

ورحل بكاري مع قافلة بحرية مكونة من 200 سفينة مجهزة بالرجال ومثلها من الأدوات والذهب والمياه والإمدادات. و يقال إن القافلة توقفت عند نهر جار، ولم يعد بكاري إلى مالي فخلفه شقيقه منسا موسى وأصبح سيد الامبراطورية .

وتفيد النقوش المكتشفة في الأمريكتين بأن البحارة المسلمين القادمين من غرب إفريقيا ( شعب المانديكا ) وصلت حملاتهم إلى مناطق  البرازيل و بيرو والولايات المتحدة في  القرن الرابع عشر. ووفقا لـ وينترز فقد “اتصل أفراد من المانديكا مع البرازيل وكان ذلك سبب اكتشاف الأمريكتين”.

ووجود شعب المانديكا في الأمريكتين تثبته صوره الرمزية المتروكة في منطقة  باهيا وميناس جيرايس بالبرازيل وعلى ساحل يلو في البيرو خلال القرن الرابع عشر. وعند مغادرة Mandinka للبرازيل سافروا إلى المكسيك عبر أمريكا الوسطى.

ووفقا لونترز أيضا فقد “اتجهت رحلة المانديكا الى الولايات المتحدة، كما تدل على ذلك مجموعة من النقوش على طول نهر الميسيسبي في اريزونا. المجموعة الأخيرة من الصور الرمزية والكتابات المعثور عليها في كهف “فور كورنرز” تعود لشعوب غرب أفريقيا”.

وقد تم فك شفرة هذه النقوش والكتابات بوصفها فرعا من لغة Malinke-Bambara  التي يتحدث بها حكام إمبراطورية مالي السابقين، وللحصول على مزيد من المعلومات حول دليل اكتشاف المسلمين للأمريكيتين قبل كولومبوس يمكن الاطلاع على بارى فيل الذي تطرق الى وجود مخطوطات قديمة بالخط الكوفي فى الأمريكتين قادمة شمال إفريقيا.

أما الباحث غسان بصيري فيخلص إلى أن المسلمين بدأوا الوصول إلى “العالم الجديد” قبل فترة طويلة من ظهور تجارة الرقيق عبر المحيط الأطلسي خلال القرن السادس عشر. وهذا ما تؤيده السجلات التاريخية لكثير من المؤرخين والجغرافيين، وهو ما أثبتته الأدلة الأثرية في الأمريكتين أيضا.

وختم الدكتور كريج سلسلة تغريداته قائلا: بعد تتبع هذه الوثائق والسجلات والآثار أعود إلى السؤال الأول: “هل اكتشف المسلمون القارة الأمريكية قبل كريستوفر كولومبوس؟ الإجابة نعم. المسلمون سبقوا الجميع إلى الأمريكيتين ومنذ قرون. والتفاصيل تجدونها في الكتاب الجديد!