إذا نظرنا إلى تصور الإنسان لقضية الألوهية عبر التاريخ البشري نجد أن من الناس من آمن بإله له كل صفات الكمال المطلق – كما أخبرت الأنبياء بذلك- ومنهم من آمن بإله واحد لكنه وصفه ببعض صفات النقص -تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا- ومنهم من آمن بالله لكنه آمن معه بآلهة تؤدي عدة وظائف في الكون– في نظره – وبقي قسم من الناس لم يؤمن بإله ولا يملك أدنى فكرة عن مبدأه ومصيره ؛ من أين جاء ولا إلى أين سيذهب.

وأرى أن هذا القسم الأخير الذي ينكر وجود الإله لا يعتمد على قوانين واضحة في التفكير ولم يعط لنفسه الفرصة لتتأمل في ذاتها أو في الكون من حولها ومن ثم فقد ظلم نفسه ظلما كبيرا حين حجبها عن نور اليقين وطمأنينة الإيمان بالإله الواحد وما يعود عليه من السكينة النفسية والتوافق مع الكون من حوله .

وإذا بحثنا في دوافع هؤلاء الذين أنكروا وجود الخالق سبحانه وتعالى أو قيوميته على الكون نجد أنها تتمثل في عدة أسباب قد تجتمع لشخص فيصل إلى الإلحاد، وقد تكون واحدة منها أو أكثر سببا في إلحاده:

1 – ربما دفع البعض الرغبة في الظهور وأن يشتهر أمرهم بين الناس وهذه طبيعة لدى بعض بني آدم يحبون الشهرة حتى ولو كانت بما يسئ، حكى لي صديق قصة مفادها: أن أحدهم سافر إلى بلاد ينتشر فيها الإلحاد وعاد منها والتقى بأحد أصدقائه وقال له بفخر: لقد صرت ملحدا، فقال له صاحبه متعجبا: يا رجل !! قال: والله العظيم بقيت ملحدا !!!

2- الانسياق وراء دعوة خدّاعة لم يتوافر لمن استمع إليها أن يتأمل فيها ويبحث عن دلائل صدقها أو كذبها بل غرّه مكانة من يروجون للدعوة ومالهم من ذيوع وانتشار فانطلق خلفهم يردد ما يقولون .

3-  الفرار من الحساب لأن الإيمان بإله يعني الإيمان بأن له كل صفات الكمال ومنها العدل، والعدل يقتضي مجازاة الناس على أعمالهم التي عملوها في الدنيا إن أحسنوا كافأهم الله بالإحسان وزيادة، وإن أخطأوا عاقبهم الله على قدر أخطائهم ولا يظلم ربك أحدا، تصور هؤلاء الذين لا يؤمنون بإله أنهم إذا أنكروا وجود الله تعالى لن يأتي يوم ينالون فيه جزاء أعمالهم، فهم في الدنيا يعملون ما يشتهون ويقاومون فكرة يوم الحساب، وبدلا من أن يعلنوا ذلك ينكرون وجود الله تعالى.

4- ربما ألحد هؤلاء من باب التمرد على أعراف المجتمع التي ينظرون إليها على أنها قيود على حريتهم.

5- ربما كان من جملة الأسباب ما يعانيه الواقع الإسلامي اليوم وقصور المسلمين عن المساهمة في بناء الحضارة الإنسانية بما يتناسب مع حجم وجودهم في التاريخ والجغرافيا هذا قد يدفع البعض إلى التخلي عن الدين الذي يوصم أتباعه بكل نقص ويعاني من واقع بائس لأن شكا وقع في ذهنه ،إذا كان هذا الدين حق فلماذا يعاني أتباعه كل هذه المعاناة ؟!.

6- النشأة في بيئة لا تتصل بالإيمان من قريب أو بعيد – وإن كان أفرادها مسلمون – يحيا الفرد فيها حياة طويلة دون أن يسمع كلمة تذكره بالله أو حمدا لله على نعمة أو خوفا من ذنب أو استشعارا لرقابة الله عليه أو إدراكا لمعونة الله تعالى له أو إحساسا بأن الله صرف عنه المكروه أو استعانة بالله تعالى في صغير الأمور قبل كبيرها أو سؤالا لله تعالى التوفيق فيما يعزم على القيام به من أمور حياته أو دعاء لله تعالى بالهداية لأحسن الأقوال والأعمال والأخلاق.

7- وجود بعض الأصوات التي يدعي أصحابها الانتساب إلى العلم الشرعي والدعوة إلى الله تعالى، ودائما ما يخرج هؤلاء على الناس بأحكام يصفونها بأنها أحكام الله تعالى وما هي في الحقيقة إلا أقوال ضعيفة لا تستند إلى دليل شرعي ثابت، أو أفهام مغلوطة لنصوص صحيحة ثابتة – ولا تغني صحة النص عن صحة الفهم والاستنتاج – ومن ثم عندما يتأمل البعض في مثل هذا الخطاب ويجتمع لديه عدة مقاطع –صوتية أو مصورة- -أو خطب أو كتب لمن يحملون هذا الفكر القاصر تجد تناقضا، وصورا، وأفهاما أبعد ما تكون عن الدين، ولذلك تُقابل هذه الأفكار بالرفض وقد يوصف البعض من يرفض هذه الأفكار المتناقضة – مع نفسها ومع دين الله تعالى – بأنه ملحد وربما عند مناقشته تجده يرفض الفكر المتناقض وقد سمعت في أحد التقارير الإذاعية أن ستيفن هوكينج عالم الفيزياء المشهور كان يتخذ مواقف متطرفة من الدين – وهو تعبير لطيف عن الإلحاد – وقيل في سبب ذلك أنه وجد التفسيرات العلمية لنشأة الكون والحياة أقرب إلى العقل والحق من التفسيرات الدينية ولعلي أعذره فقد يكون ما وقع تحت يده من حديث للدين عن الكون والحياة نصوص مكذوبة على الله أوأفهام جانبها الصواب والتصقت بالدين حتى صارت عند أهلها – ومن يحبهم إلى درجة التقديس – جزء لا يتجزء من الدين  .

8- اللبس الذي يحدث عند البعض عندما يطرح هذا السؤال- القديم المتجدد – هل الإنسان مسير أم مخير؟ البعض يتصور أنه يسير إلى قدر محتوم وأن الإله قد قدّر عليه الذنب ثم يعاقبه عليه فيفر من التسيير والتخيير بالكلية إلى الإلحاد

9- مايرونه من أقدار الله التي يعجزون عن تفسيرها كيف يتألم المظلوم ألما تقشعر منه الأبدان ولا يستطيع أن ينتصف من الظالم بل قد يموت دون أن ينتقم ممن ظلمه أو يرى من انتقم منه ؟كيف ينعم الظالم بالقوة والمال والجاه ويمارس ظلمه على الضعفاء أعواما عديدة يهلك الحرث والنسل ويفسد في الأرض أين العدل الإلهي من هؤلاء وهؤلاء؟؟

هذه بعض الأسباب التي تقود إلى الإلحاد في بعضها أو مجملها، وأختمها بالحديث عن المؤسسات التي ترعى الإلحاد وتضخ الأفكار المغلوطة وتعيد صياغتها حتى تجد لها قبولا والتي  تمتلك آلة إعلامية ضخمة ومتنوعة فليكن ذلك كذلك، لكن أين نور الحق الذي يبدد الظلمات؟؟ أين ورثة الأنبياء الذين يستطيعون إزاحة الغبار عن الفطرة لترى وتسمع النداء الأول {أَلَسْتُ بِرَبِّكُم} [الأعراف: 172].

إن وجود الأضداد في الكون أمر طبيعي لا يتعجب منه إلا من تمنوا حياة وردية لا نصب فيها ولا وصب ولا كدر ولا كبد عندما نرى دأب من يروج للإلحاد لنتذكر قول من كان مع طالوت {لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة: 249]، وقول الله تعالى{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُون} [التوبة: 32]