وداعا رمضان..أليس غريبا أن تودّع ضيفا ً قبل وصوله؟ إلا أن هذا الضيف الغالي “رمضان” رحل عنا منذ زمن أحسبه يعود إلى فترة الطفرة الأولى ،وحل محله رمضان آخر بملامح نعرف أقلّها وننكر معظمها .

وداعا رمضان..فرمضان القديم لم يكن ” أولمبياد” طعام يتضاعف فيه استهلاك المواد الغذائية عدة أضعاف ولم يكن موسم تلفزيون يجمد أمامه ـ كالخُشب المسندة ـ النساء والرجال والكبار والصغار . ولم يكن يأتي وفي صحبته مسلسلات لها أول وليس لها آخر ، وليس في واحد منها شيء عن تزكية النفس أو تنقية الروح . لم يكن مسابقة في الفتوى بين المفتين ، ولا في الجمال بين المذيعات ، ولا في الذكاء بين المحللين السياسين . لم يكن مدرسة للعادات السيئة يتعلم فيها الصغار الطعام المتصل ، والعبث المتصل ، والسهر المتصل .

في رمضان القديم كان الطلاب يذهبون إلى مدارسهم كالمعتاد . وكان الموظفون يمارسون عملهم كالمعتاد

أما في رمضان الجديد فقد أصبحت دراسة الأطفال عقوبة جسدية ومعنوية قاسية لا مبرر لها ، أما دوام الموظفين فقد تحول إلى ” وصلة ” نوم وخمول واستجماماً من سهر الليلة السابقة واستعداداً ” لملاحم ” الليلة القادمة.

أي هدف من أهداف الصيام الربانية يتحقق في رمضان الجديد ؟ أي “تقوى” يمكن أن يحس بها شخص يلهث متلظماً من حسناء في مسلسل إلى حسناء في مسلسل ؟ أي شعور بمعاناة الفقير يحس بها صائم يأكل في ليلة واحدة ما يكفي قريةً أفريقية بأكملها ؟ أي صحة يمكن أن تجيء من التهام واثب لأطعمة تقود إلى مختلف أنواع المرض ؟

أي روحانية يمكن أن يحس بها الصائم في شهر يجسد المادية الطاغية بدءاً بالإعلانات وانتهاء بجوائز المسابقات ؟

الحق أقول لكم ، أنا ، ولا أدري عنكم ، أحن إلى رمضان القديم .. كثيرا ً .. كثيرا ً .. ؟


* غازي القصيبي رحمه الله