﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ*فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ﴾ (آل عمران:96-97).

بمجرَّد أن يفرغ المسلمون من عبادة الصيام، ويكبِّروا الله على ما هداهم، تبدأ أشهر الحج ذي المناسك، التي منها التلبية والتكبير. وإن تدبر الآيتين السابقتين من سورة آل عمران يكشف عن بحر معانٍ زاخر لشعيرة الحج، فإنَّ جعل هذا الركن حقًّا لله على الناس، وإلحاق المستطيع إليه سبيلاً، المفرِّط في أدائه، بأهل الكفر يوحي بأنَّ في شعيرة الحج أسرارًا لم تُمس بعد وإن قال المفسرون وقالوا.

إنَّ الحج إلى البيت الحرام في مكة المحرَّمة يمثِّل -عند التأمُّل- تجسيدًا حيًّا لسائر «النبوَّات»، فالقرآن المجيد قد قصَّ علينا قصص الأنبياء والمرسلين: ﴿إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً * وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لَّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللّهُ مُوسَى تَكْلِيماً * رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً * لَّـكِنِ اللّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلآئِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللّهِ شَهِيداً﴾ (النساء:163-166).

وهذه القصص التي صدَّق عليها القرآن وهيمن، وأبرز أهم مواطن العبرة والعظة والتعليم والتزكية فيها، تحتاج إلى أن تمثَّل وتجسَّد في واقع يعيشه الإنسان ويحياه، فكان «الحج» هو التمثيل والتجسيد الحيَّ لتجارب النبوات كافَّة، فكل ما يفعله الحاج أو يقوله يحمل إشارات ودلالات متنوعة المستويات لتجارب نبويَّة نزل القرآن بها على قلب رسول الله وخاتم النبيِّين، وأولىٰ تلك التجارب النبويَّة المباركة تجربة أبينا آدم، حيث أنَّ جوهر تجربته يكمن في كيفيَّة ضبط النفس، وعدم السماح للنـزوع الماديِّ الكامن في فطرتها أن يستدرجها إلى المخالفة، بحيث يمكن أن يهوِّن عليه الوقوع في معصية الله عندما يُلوَّح له بالخلود والملك الذي لا يبلىٰ والمجد الذاتيِّ.

وحين يتلقى آدم من ربه كلمات التوبة فيتوب إلى الله ويقبل الله توبته يُبيِّن له أنَّ الخلود الحقيقيَّ يتحقق بالكمال النفسيِّ والسموِّ الروحيِّ والإيمان بالتوحيد المطلق، وهذا ما يحقق للإنسان قيمته الكونية.

ثم تأتي تجربة سيدنا نوح الذي كُلِّف بأن يُخرج قومه من الشرك والكفر الطوطميِّ، وما يترتَّب على ذلك من سقوط في مختلف الخطايا والرذائل، فيلبث فيهم «ألف سنة إلا خمسين عامًا» صابرًا مثابرًا، يعمل في دعوتهم ليلاً ونهارًا، جهارًا وإسرارًا، فلم يزدهم دعاؤه إلا فرارًا، فكان لابد أن يأخذهم الطوفان؛ لأنَّهم ملؤوا الأرض رذائل وأقذارًا وخبائث، لم يعد ينفع معها إلا الغسيل الشامل الذي يُطهِّر الأرض منهم ومما صنعوا، بحيث تصبح مهيئة للعمران من جديد.

ثم نبلغ تجربة أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم، التي كانت مركزةً على مواجهة الشرك القائم على الإيمان بتأثير الكواكب الآفلة وظواهر الطبيعة، ليردَّ الناس إلى الإيمان بالله خالق الطبيعة ومسخِّرها، وخالق الإنسان ومكرِّمه ومستخلفه، وفاطر السماوات والأرض، المهيمن على «البنائيَّة الكونيَّة» كلِّها، فلا غرابة أن يخصَّ إبراهيم بلقب «الخليل-خليل الرحمن» ويبوأ الله له مكان البيت باعتباره «مركز البنائيَّة الكونيَّة» المقام على الأرض، حيث أمر إبراهيم ولده إسماعيل برفع القواعد من البيت، والطواف حوله سبعًا، وتطهيره دائمًا وأبدًا للطائفين والعاكفين والركع السجود، وأمره بأن يؤذِّن في الناس بالحج ليطوَّفوا بالبيت العتيق وليشهدوا منافع لهم؛ فإذا ضَعُف أو تضاءل أمام أيِّ كوكب، أو أيِّ جزء من «البنائيَّة الكونيَّة الطبيعيَّة» فإنَّ طوافه بالبيت المحرم وأداءه مناسكه سوف يعيد له كرامته ويشعره بسيادته على الطبيعة، وبأنَّه وارث لرسالات النبيِّين كافَّة، مؤتمن على تراث «أمَّة الأنبياء الواحدة».

ثم نأتي إلى تجربة أخرى لا تقل خطورة وأهميَّة عن تجربة إبراهيم، ألا وهي «تجربة موسى»، وقوامها الكلام الإلهيُّ المباشر القائم على حوار مقدَّس بين الله الخالق وسيدنا موسى المخلوق، حوار بين الله وإنسان تلقى الكلام الإلهيَّ عبر حواس وقوى وعي صنعها الله فيه على عينه، لكي يدرك الإنسان من هذه التجربة مدى أهميَّته، ومدى الإمكانات التي يمكن أن يتمتع بها حين يتصل بالله ويُفارق ضعفه وهواه، ويتطهر ويتزكى.

وفي التجربة الموسويَّة تبرز وقائع ليلة الطور، ثم تلقِّي موسى للعهد والشريعة، والآيات التسع، البسيطة في مظاهرها العميقة في آثارها، حيث انهزمت بتلك الآيات أعتى دكتاتوريَّة متألِّهة أمام من التُقط من البحر طفلاً، ليتربَّى في قصر الطاغية إلى أن يشتد عوده ويبلغ السعي، وتجربة موسى تجربة غنيَّة جدًّا، سواء في هزيمة الدكتاتوريَّة ونظم الاستعباد وتحرير المستضعفين، أو في قهر الطبيعة من بحار وجبال وصخور، وهزيمة السحر والشعوذة والخرافة باعتبارها من أدوات الطاغوت والطغاة.

فحين تتذكر موسى تتذكر كيف يتحرَّر المستضعفون المستعبدون من الطغاة؟ وكيف يمكن أن تَهزم وسائلهم؟ وكيف يستطيع المستضعفون أن يمتلكوا من وسائل القوة والتمكُّن ما يقهرون به الطبيعة والدكتاتور المتألِّه، وهو إنسان انسلخ عن بشريَّته بخياله المريض فألَّه نفسه، وقال: «ما علمت لكم من إله غيري»، أو إن كان لكم أرباب من دوني: «أنا ربكم الأعلى».

ثم تأتي تجربة سيدنا عيسى ابن مريم، الذي فعل أفعالاً خارقة كثيرة بأمر الله وإذنه، بالرغم من أنَّه لم يولد بين أبوين -أب وأم- بل كانت ولادته ذاتها خارقة تحمل معنى قهر الطبيعة الإنسانيَّة، بأن تكون الولادة الطبيعيَّة بين ذكر وأنثى، فإذا به يولد من أنثى وإرادة إلهيَّة تمثلت بالكلمة: «كُنْ» فكان.

ثم شاء الله جل شأنه أن يجمع خلاصات تجارب الأنبياء والرسل -كلِّهم- في خاتم رسله وأنبيائه، صاحب الرسالة العالميَّة، المولود والمبعوث في الأرض المحرَّمة عند بيت الله المحرَّم، ومن أولى من خاتم النبيِّين بأن يكون الوارث لتراث المرسلين كافَّة، الأمين على تجارب النبيِّين قاطبة؟! وهو النبيُّ الذي ختمت به النبوات، وأنزل عليه الكتاب الحاكم وشريعة التخفيف والرحمة، وحمل الخطاب العالميَّ.

والحج هو الركن الذي يمثِّل على الأرض «وحدة أمَّة الأنبياء» و«وحدة العقيدة» التي أرسلوا ليدعوا الناس إليها ويعلموهم أركانها، ويعلموا البشريَّة وحدة الغاية والوجهة.

وإذا كان الإسراء من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصىٰ ثم العودة إلى المسجد الحرام مرة أخرى قد رمز إلى عمليَّة تسليم قيادة الدين إلى رسول الله محمد، كما أن قصص الأنبياء والدروس المستقاة منها -كلِّها- قد قام القرآن بالتصديق عليها، فإنَّ مناسك الحج تُجسِّد ذلك -كلَّه- والأرض المحرَّمة هي النموذج المجسَّم الذي  ينبغي للبشريَّة أن تسعى لجعل الأرض -كلِّها- مثله، تجد البشريَّة فيها السكن والرخاء والأمن والأمان والعمار وحفظ الدماء والنفوس والحقوق.

بين مناسك الحج وتجارب النبوات

أمَّا كيف نربط بين مناسك الحج -بتفاصيلها- وبين الدروس المستفادة من تجارب النبوات.

إنَّ المناسك تبدأ بالإحرام، وأبرز ما في الإحرام تخلِّي الإنسان عن جميع ملابسه المعهودة، واستبدالها بما يستر العورة، على أن يكون غير مخيط. أشار الإمام أبو حامد الغزالي إلى أنَّ من شأن ذلك أن يذكِّر الإنسان بالموت ورحلة الإنسان إلى الدار الآخرة بثياب هي الأقرب إلى الأكفان، ومنطلق الإمام الغزاليِّ هو منطلق «التزكية»، والنظر إلى مناسكه على أنَّها من وسائل التزكية، وهو معنى كبير الأهميَّة، ومقصد من المقاصد القرآنيَّة العليا الحاكمة لا نخالفه فيه، ولكن المعنى لا يقتصر على ذلك وحده، ولعلّ لنا أن نضيف لما ذكره أبو حامد أن «نسك الإحرام» يذكِّرنا بقصَّة «خروج أبوينا من الجنّة»: ﴿فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لَّا يَبْلَى*فَأَكَلَا مِنْهَا فَبَدَتْ لَهُمَا سَوْآتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِن وَرَقِ الْجَنَّةِ وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى﴾ (طه:120-121)، ففي «نسك الإحرام» تذكير بالعداء الدائم بين الإنسان والشيطان، وتحذير من أيّة غفلة أو تجاهل لهذا العدوِّ، وتذكير بأبشع النتائج التي تؤدي الاستجابة إلى وسوسته إليها، وهذا جانب لابد للحاج من الوعي به وفهمه في شموليَّته وعمومه.

وهناك جانب ثالث يستدعيه «نسك الإحرام» وهو ظاهرة الصراع بين الرسول النبيِّ موسى المحرِّر لشعبه وأمَّته وبين فرعون رمز الطغيان والغرور، واستعباد المستضعفين وإذلالهم. ففي بدء الوحي إليه أُمر موسى أن يخلع نعليه لأنَّه دخل الوادي المقدس طوىٰ، الذي سيتلقَّىٰ فيه بدايات الوحي إليه، وأول لحظة من لحظات تكليم الله له، والدخول إلى الحرم أعظم وأهم من الدخول إلى الوادي المقدَّس، فالقداسة والتقديس ترتبطان باللَّحظة التي تقع فيها لحظة «المعيَّة الإلهيَّة، وتهيئة النبيِّ الرسول لاستقبال الوحي والتكليف بحمله»، فيحتفظ المكان بذكرى لحظة القداسة، كما أنَّ اللَّحظة الزمانيَّة التي كانت ظرفًا لذلك تنقضي وتبقى ذكراها.

أمَّا «التحريم» وجعل مكة حرمًا فهو أمر خالد لا ينقضي؛ ولذلك ارتبط الحج ومناسكه بـ«الأرض المحرَّمة» لا بالأرض المقدَّسة، كما اختصت الأرض المحرَّمة بخصائص لا تشمل الأرض المقدَّسة، فلا يتخلَّىٰ خلاها، ولا يُنفَّر صيدها، ولا يسمح بإدخال الخوف إليها مهما كانت الأسباب؛ ولذلك فإنَّ على مريد الإحرام بالحج أو بالعمرة أن يُسيطر على قوى وعيه كلِّها، وأن يستدعي سائر النبيِّين الذين نودوا ولبوا النداء لكي يكون مهيئًا بكل قلبه ونفسه وعقله وجوارحه لتذكر تلك المواقف والإصغاء إلى نداء رب العزَّة لآدم بالتوبة، وكيف تلقَّى كلمات الله، وناداه بها: ﴿فَتَلَقَّى آدَمُ مِن رَّبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ (البقرة:37)، وكيف نادىٰ نوح: ﴿وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ﴾ (الصافات:75)، وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وداود وغيرهم.

فهؤلاء -جميعًا- كانوا يصيخون السمع وتخبت جوارحهم -كلُّها- حتى لتكاد أجسادهم بجميع جوارحها تصبح سمعًا، فإذا جاء النداء الإلهيُّ صدرت التلبية بذلك الشكل المعبِّر عن الإسلام التام، والاستسلام الكامل، والطاعة المطلقة، والإقبال الذي لا نظير له.

والنداء الإلهيُّ لنا هو القرآن المجيد، فكيف ينبغي لنا أن تُعدَّ أنفسنا للإنصات إليه، والاستماع له، وتلبية كل نداء من نداءاته، وتجاوز كل ما يمكن أن يؤدي لهجره لفظًا أو معنى، قولاً أو فعلاً، حتى لا نجد في أنفسنا حرجًا في أي أمر أو نداء يوجَّه إلينا، ونسلِّم تسليمًا تامًّا.

وقبل الإهلال بالتلبية نتذكر سيدنا محمدًا خاتم النبيِّين وتلقيه «الأمر بالقراءتين» لأول مرَّة، ثم ما تلا ذلك من نداء الله له: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ*قُمْ فَأَنذِرْ*وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ*وَثِيَابَكَ فَطَهِّر﴾ (المدثر:1-4)، ثم تتابعت النداءات الإلهيَّة له: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ﴾ (المزمل:1)، ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ﴾، فما تردَّد مرة ولا لحظة في المسارعة إلى تلبية نداء ربه عبر «اثنتين وعشرين سنة وخمسة أشهر واثنين وعشرين يومًا»، فإذا أهلَّ بالتلبية، وقال: «لبَّيك اللَّهم لبَّيك…» استحضر في ذهنه كل تلك الأمَّة «أمَّة الأنبياء الواحدة»، واتَّخذ مكانه في أتباعها، وملأ قلبه اعتزازًا بالانتماء إليها، وواصل التلبية، وهو يسمع أصوات النبيِّين والمرسلين كافَّة وهم يصدعون بالتلبية، وما أجمله من شعور، وما أرقَّه من إحساس أن يشعر الإنسان بالانتهاء إلى أمَّة الأنبياء ومشاركتهم التلبية، وضمِّ صوته إلى تلك الأصوات الصادقة الطاهرة.

فإذا دخل حدود الحرم فليُعط المحرم لنفسه فرصة التنفُّس بملأ رئتيه شهيقًا وزفيرًا، كأنَّه يريد أن يستشفى ليطهِّر الصدر وما حوى، والقلب وما وعى من سائر ما علق بكل عضو من أعضائه، وإعادة تنظيم دورة دم جديد في عروقه وشرايينه، فيها عبق النبوة وأريج الوحي والرسالة، وحداثة العهد بالله، وليقل إن شاء الله:

هذه دارُهُم وأنتَ محبٌّما بقاءُ الدموع في الآماق

وليغتسل بدموعه إنْ استطاع، فدموع اللِّقاء بعد الاغتراب تغسل القلوب، وتطهِّر النفوس، وتطفئ لهيب الشوق، وتبدِّله بقطر ندى اللُّقيا، وسعادة الوصال والاتصال بعد الهجر والانقطاع؛ وبذلك يتهيَّأ المحرم لتكحيل عيني بصيرته، ثم بصره، برؤية بطن مكة والحرم.

فإذا صار على مقربة من البيت ذاته انطق لسانه وجوارحه بتلك الكلمات النبويَّة، ليُهيء القلب والعقل والوجدان وسائر الجوارح لاستقبال النفحات الإلهيَّة، التي هي نور للمحبِّين المخبتين، ونار للعصاة والمعاندين، إنَّه قد صار على مقربة من بلاط بيت رب العرش العظيم، فليدخل مع قوافل النبيِّين والمرسلين بتواضع وهدوء واستكانة وخشوع، وكل شيء فيه ينطق بشكر الذي أدناه، وقرَّبه، وأعده للمناجاة، ثم لِيشر إلى الحجر الأسود، أو لِيستلمه إنْ استطاع ليبدأ «سباعيَّة الطواف».