الصداقة والشباب قرينان لا يفترقان، إلا أن الصداقة لا تقف على مرحلة من المراحل، لأنها تعتبر أحد أعذب المناهل التي تساعد الإنسان على الاستمتاع بالحياة، كما أنها علاقةٌ معروفةٌ منذ أقدم العصور، وذلك لأنها تعتبر من أهم العلاقات الإنسانية التي تأخذ صدىً كبيراً في مجالات الحياة المختلفة.

فالصحبة من المؤثرات الأساسية والمهمة في تكوين الشخصية ورسم معالم الطريق.. فإن كانت صحبة أخيار أفاضت على الأصحاب كل خير، وإن كانت صحبة أشرار- والعياذ بالله تعالى- فمن المحتوم أنها ستترك بصمات الشر في حياة هؤلاء جميعا.

وهكذا الشباب فهم أساس النهضة والتقدم، وعصب الأمة وروحها، وقلب الوطن النابض وساعده القوي، وجيشه المجاهد وسيفه المهند، فإذا أردت أن تعرف تقدم الوطن أو تأخره، فانظر إلى شبابه وانظر فى أخلاقهم وعلمهم وملابسهم وكلامهم.

إن كل انسان جبل على حسن اختيار الرفيق سواء رفيق يكمل معه العمر (وهو شريك حياته) أو صديق يعينه على نوائب الدهر، أو صديق جمع الصداقة والإخوة في الله، أو صديق كل ما يريده منك المنفعة فإذا زالت أو انقضت انفض عنك، ولهذا كان قول الله تعالى جامعا ومحذرا -[الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ] الزخرف : 67.

ولذا كان بين الشباب والصداقة كيمياء خاصة لأن مرحلة الشباب هي مرحلة الانطلاق والتحرر من سيطرة الأبوين والمجتمع ويصبح الصديق هو القدوة والنموذج العملي الذي يحتذي به صديقه، ولهذا كان تحذير رسول الله صلى الله عليه وسلم: [المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل] ( رواه أحمد وأبو داود والترمذي).

رغم نسبة الشباب التي تنعم بها الأمة الإسلامية إلا أن الواقع يجعلها أمة تكسوها الشيخوخة لانهماك شبابها خلف الأهواء والشهوات أو للحروب التي تضرب كل أركانها، أو الصراع من أجل طمس الهوية الإسلامية، فالذين يذرفون الدموع على حظهم العاثر لا تضحك لهم الدنيا، والذي يضحكون على متاعب غيرهم، لا ترحمهم الأيام ولا تبكي على اللبن المسكوب .. بل ابذل جهدا إضافيا حتى تعوض اللبن الذي ضاع منك.

ولذا كانت الصحبة الصالحة من سبل نهضة الأمم، ففيها يتنافسون الجميع للرقي بالذات والمجتمع والأمة والنهوض بها، فالصحبة -أيها الأحباب -كالبيئة، إما أن تكون ملوثة أو تكون نظيفة.. فمن عاش في بيئة ملوثة ناله نصيب وافر من الأمراض والأوبئة المهلكة، أما من حرص على العيش في بيئة نظيفة فسيبقى في منأى عن كل ذلك، والغريب أن يختار الإنسان ما يهلكه ويشقي.

والصاحب أشبه ما يكون بمرآة النفس، تكشف محاسنها ومساوئها، قبحها وجمالها، وبقدر ما تكون نظيفة صافية بقدر ما تعكس صورة صاحبها نقية من غير غش أو “رتوش” مصداقا لقوله(المؤمن مرآة المؤمن والمؤمن أخو المؤمن، يكف عليه ضيعته، ويحوطه من ورائه) رواه البخاري.

يقول طرفة بن العبد:

إذَا كُنْتَ في قَوْمٍ فَصَاحِبْ خِيَارَهُم

وَلاَ تَصْحبِ الأردى فتردى مَعَ الرَّدِي

عَنِ الْمَرْءِ لاَ تَسْأَلْ وَسَلْ عَنْ قَرِينِه

فَكُلُّ قَرِينٍ بالْمُقَارَنِ يَقْتَدِي

ولنا فيما قاله الفاروق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – العبرة حينما قال: “ما أعطي العبد بعد الإسلام نعمة خيراً من أخ صالح، فإذا وجد أحدكم وداً من أخيه فليتمسك به”.

ولهذا يجب أن يكون للشباب وأصحابهم وقفه – خاصة الذين تأخذهم الحمية لنصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم لو كانوا في زمانه – فسؤالي لهم: لو كنت موجود في عصر رسول الله هل كنت من الشباب الذين ناصروه أم حاربوه؟.. فلو أخذتك الحمية وقلت كنت سأكون بجواره؟ فما الذي يمنعك أن تقف بجوار رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته وتسلك مسلكه ومسلك الشباب الذين كانوا حوله.

فيا شباب الإسلام من ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، ومن حفظ الله حفظه: فهؤلاء الفتية، تركوا الحياة الفارهة في زمانهم، وهربوا بدينهم لله، فآواهم ربهم إلى مكان يتوقع أن الهلاك فيه أقرب للنجاة! بل ونشر عليهم فيه رحمته، وأعمى الله عنهم الطلب، فأنجاهم الله -سبحانه وتعالى-، وخلّد ذكرهم، وجعل قصتهم مثلًا يحتذى، وسبيلاً ينتهج.

فأيها الشباب: لستم أضعف ممن قبلكم ممن حقق الله على أيديهم هذا المنهاج، فلا تهنوا ولا تضعفوا، وضعوا نصب أعينكم قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ﴾ [آل عمران: 173].

و لتكن صحبتك للأخيار فالصحبة الصالحة صمام أمان المتصاحبين، يعين بعضهم بعضا على شؤون الدنيا والدين.