عاصمة الهند دلهي مدينة عريقة في التاريخ وهي ليست مدينة فحسب بل هي ملتقى الحضارات والثقافات. لقد حكمها مختلف الملوك والسلاطين عبر العصور، وعاش فيها عدد كبير من  العلماء الربانيين، وساد جوّها صدى مختلف الديانات. وإلى جانب ذلك،  لا تزال تبذل فيها جهود العلماء، ومساعي الباحثين الجهابذة في سبيل نشر العلم ولا سيما اللغة العربية وآدابها.وممّا لا شكّ فيه أنّ خدمات هذه المدينة في مجال اللغة العربية وآدابها تاريخ مشرق.

 

صرّح بكلّ ذلك، عديد من أساتذة هذه اللغة الميمونة في الجامعات الهندية في مستهلّ ندوة وطنية نظّمها قسم اللغة العربية بجامعة دلهي لمدة يومين حول الموضوع ” علماء اللغة العربية في دلهي وإسهاماتهم العلمية” في الفترة ما بين 29-30 يناير/كانون الثاني2019م.

وقبل افتتاح هذه الندوة، اهتمّ القسم نفسه بعقد المحاضرة الثانية عشرة من سلسلة محاضرات البروفيسور خورشيد أحمد فارق التذكارية بمساعدة المجلس الوطني لترويج اللغة الأردية التابع لوزارة تنمية الموارد البشرية للحكومة الهندية، وأكاديمية  دلهي الأردية في قاعة المحاضرة لكلية الآداب بجامعة دلهي، وقام بتعريف هذه السلسلة البروفيسور محمد نعمان خان (رئيس قسم اللغة العربية بجامعة دلهي) وقال في خطبته التمهيدية: ” البروفيسور خورشيد أحمد فارق في غنى عن التعريف وهو معروف في الأوساط العلمية لأنه كان أول رئيس لقسم اللغة العربية بهذه الجامعة بعد استقلال البلاد إلى جانب كونه أستاذا ناجحاً ومشتغلاً للغاية بنشاطات علمية وتحقيقية”.

وألقى البروفيسور شريف حسين قاسمي، رئيس قسم اللغة الفارسية بجامعة دلهي سابقاً، مقالة خاصّة بالسلسة المذكورة حول عنوان “عالمان مجهولان من علماء دلهي”، استعرض فيها خدمات الشيخ محمد يعقوب بنباني اللاهوري، والشيخ عطاء الله في مجال اللغة العربية وآدابها، وقصّ قصصا رائعة عن جهود علماء هذه المدينة وجرأتهم الإيمانية في إدلاء كلمة الحق أمام الملوك والسلاطين.

كما ألقى البروفيسور سيد ظهير حسين الجعفري رئيس قسم التاريخ بهذه الجامعة سابقاً، في كلمته الرئاسية، ضوءاً على تاريخ مدينة دلهي ولفت انتباه الحضور إلى تضحيات علماء دلهي ولا سيما أسرة الشاه ولي الله الدهلوي في مقاومة الاستعمار الإنكليزي.

نسّق هذه الجلسة الأستاذ الدكتور محمد أكرم، كما تقدّم الأستاذ الدكتور نعيم الحسن الأثري، بكلماته الترحيبية وعبّر فيها عن تقديره لأساتذة اللغة العربية ومثقفيها الذين لبوا نداءه وتجشموا عناء السفر وحضروا الندوة بعدد كبير من أنحاء الهند. وأخيراً قام الأستاذ الدكتور سيد حسنين أختر بإلقاء كلمة شكر على جميع الحضور.

وعقب جلسة المحاضرة التذكارية، انعقدت الجلسة الافتتاحية للندوة الوطنية حول علماء اللغة العربية في دلهي وإسهاماتهم العلمية برئاسة البروفيسور حبيب الله خان رئيس قسم اللغة العربية بالجامعة الملية الإسلامية حيث قدّم البروفيسور صلاح الدين العمري رئيس قسم اللغة العربية بجامعة على جراه الإسلامية سابقاً، خطبة خاصّة بهذه المناسبة ألقى فيها ضوءا على جهود الهنود في مجال اللغة العربية وآدابها في مدينة دلهي، وقدّم استعرضا شاملاً لخدماتهم. وأدار هذه الجلسة الأستاذ الدكتور مجيب أختر منسق هذه الندوة، كما أدلى الأستاذ الدكتور نعيم الحسن الأثري كلمة شكر وتقدير.

اشتملت الندوة على ستّ جلسات بما فيها جلسة افتتاحية وثلاث جلسات أكاديمية، وجلسة للباحثين الشباب، وجلسة ختامية؛ ترأسها البروفيسور حبيب الله خان رئيس قسم اللغة العربية وآدابها بالجامعة الملّية الإسلامية، والبروفيسور محمد أيوب تاج الدين الندوي رئيس القسم نفسه سابقاً، والبروفيسور عبد الماجد القاضي، والدكتور نسيم أختر الندوي من القسم نفسه، والبروفيسور محمد سميع أختر، رئيس قسم اللغة العربية بجامعة على جراه الإسلامية، والبروفيسور عبد الحق رئيس قسم اللغة الأردية بجامعة دلهي سابقا.

كما نسّق هذه الجلسات الدكتور مجيب أختر من قسم اللغة العربية بجامعة دلهي، والدكتور فوزان أحمد، والدكتورة هيفاء شاكري من الجامعة الملّية الإسلامية، والدكتورة تسنيم كوثر من جامعة علي جراه الإسلامية، والبروفيسور ولي أختر، رئيس قسم اللغة العربية بجامعة دلهي سابقاً.

في هذه الندوة قدّمت حوالي خمس وثلاثين مقالة علمية وأدبية قيمة باللغة العربية والأردية والإنكليزية، تتعلّق بالموضوع، يتبلور من مضمونها أنّ دور الدهلويين في تخصيب الفكر العلمي مهمّ جدّاً لا يمكن الإعراض عنه. ومدينة دلهي بجانب تمتعها بمنزلة رئيسية في السياسة والحكم وتوجيه البلاد، قد حظيت في مختلف أدوارها التاريخية بوجود علماء راسخين في العلم، وماهرين في اللغة العربية وآدابها، ولهم خدمات مرموقة لها لا يكاد ينساها تاريخ الأدب العربي في الهند.

ألقت المقالات ضوءاً على خدمات كثير من علماء دلهي في مجال هذه اللغة الميمونة بمن فيهم الشاه رفيع الدين الدهلوي، والشيخ رشيد الدين خان الدهلوي، والطبيب الشهير أجمل خان الدهلوي، والبروفيسور خورشيد أحمد فارق، والشيخ أخلاق حسين القاسمي، والبروفيسور عبد الحق شجاعت علي، والبروفيسور سيد ضياء الحسن الندوي، والبروفيسور شيف راي تشودهري، والبروفيسور عبد الحليم الندوي، والبروفيسور نثار أحمد الفاروقي، والبروفيسور محمد اجتباء الندوي، والبروفيسور محمد سليمان أشرف، والبروفيسورة فرحانة صديقي.

وصلت الندوة إلى نهاية المطاف بعد ما نوّه البروفيسور محمد نعمان خان مدير هذه الندوة بجهود الأساتذة والطلبة في إنجاحها، كما توجّه الدكتور أصغر محمود الندوي بالشكر الجزيل لجميع الضيوف والمساهمين.