تعد نبتة الجاتروفا من أهم النباتات  الصحراوية، وهي تنبت بشكل سريع في المناطق الاستوائية الجافة نظرا للخصائص و المزايا المتعددة التي تتوفر فيها، حيث يمكن إنتاج النفط ووقود الديزل الحيوي من هذه النبتة التي لا تتطلب قدرا كبيرا من العناية. فهل يمثل هذا أملا جديدا للحصول على الوقود من مصادر متجددة أم حلقة فاشلة جديدة في سلسلة المحاصيل المستغلة لتوليد الطاقة؟

 

تتمثل ثمرة الجاتروفا في حبات تشبه المشمش، تنبت في شجيرات صغيرة تشبه كثيرا نبتة الفول. إلا أنها تنتشر بسرعة في المناطق الصحراوية القاحلة و بإرتفاع متوسط و بجذور عميقة في التربة الصحراوية.

و”الجاتروفا” Jatropha curcas شجيرة أو شجرة صغيرة تتبع العائلة Euphorbiaceae يصل ارتفاعها 7 – 10 أمتار، القلف ورقي والأفرع غليظة، الأوراق بيضية خماسية التفصيص غير مسننه طولها 8.5 سم وعريضة ولا يوجد عليها أهداب، عنق الورقة طوله حوالي 11 سم، أما الأزهار فهي صفراء مخضرة والأسدية ملتحمة وعددها ثمانية، والثمار كبسولة طولها 2.5سم تقريبا وتحتوي على ثلاثة بذور لونها أسود “تشبه بذور الخروع لحد كبير”، التزهير في أبريل ويتم الأثمار في مايو.

ويدور الجدل في الغالب حول المحاصيل التي تستخدم لإنتاج الإيثانول كالذرة أو قصب السكر، وأيضا حول تلك المستخدمة لإنتاج وقود الديزل كبذور اللفت وزيت النخيل. لكن الجاتروفا curcas تعتبر نباتا مختلفا تماما، حيث لا تصلح للاستخدام كغذاء لأن ثمارها سامة، إلا أن هذه الثمار تحتوي في الوقت نفسه على نسبة عالية من الزيت، وهي بالإضافة إلى ذلك لا تتطلب عناية خاصة، إذ تنمو الجاتروفا حتى في التربة الفقيرة التي قد لا تكون مناسبة لزراعة المحاصيل الغذائية. وتبدو بذور هذه النباتات الزيتية مناسبة للزراعة في المناطق المقفرة في البلدان النامية، حيث يمكن لصغار المزارعين تحقيق دخل إضافي عن طريق زراعتها وبيعها. وهناك بلدان عديدة كالهند والإكوادورعلى سبيل المثال التي قامت بزراعة نباتات الجاتروفا كمحصول للطاقة. ولكن ما هي الآفاق المتاحة عمليا لاستخدام زيت نباتات الجاتروفا؟

موطن الجاتروفا

يقول  فؤاد الصباغ، وهو باحث اقتصادي دولي أن موطن نبتة الجاتروفا ومكانها الأم هي دولة المكسيك و بعض دول أمريكا اللاتينية نظرا لتوفر المناخ الاستوائي الجاف بها. ومن هنا انتشرت الشجيرات إلى العديد من المناطق الجافة وشبه الجافة والاستوائية في العالم.

ويصف الصباغ الجاتروفا بأنها “شجرة مباركة” لأنها تشكل تغطية زراعية للمناطق الصحراوية و يمكن الإستفادة من مزاياها الخاصة و الهامة. كما تعد هذه النبتة ثروة في مجال التنمية الزراعية و لإنتاج الطاقات البديلة الصديقة للبيئة. و يشكل المناخ الإفريقي أفضل مناخ استوائي جاف لإنتاج هذه النبتة و ذلك عبر إستغلال الأراضي الصحراوية الشاسعة التي تعتبر في مجملها مهملة.

وتحدثت تقارير في التسعينيات بحماس كبير عن الجاتروفا، كما يقول جورج فرانسيس العضو المنتدب لمجموعة LiveEnergies التي تدير مشروعات لإنتاج الوقود الحيوي. وكان فرانسيس الهندي الأصل في ذلك الوقت يعد الدراسات العليا في جامعة هوهنهايم بجنوب ألمانيا، وشارك هناك مع باحثين آخرين في استكشاف ما إذا كان زيت بذور نباتات الجاتروفا البرية مناسباً لإنتاج وقود الديزل الحيوي عالي الجودة.

تجارب عربية

تجربة السودان في هذا المجال الزراعي لنبتة الجاتروفا، جديرة بالمتابعة، بحيث تحول هذا البلد الإفريقي لأكبر منتج للبترول الحيوي تحت شعار “زراعة البترول بالسودان”. حيث تم زرع قرابة مليار شجرة جاتروفا و ذلك بإستغلال قرابة مليون فدان من الأراضي الزراعية التي خصصت لإنتاج هذه النبتة المباركة و التي يمكن مقارنتها ببراميل النفط التي تنتجها بعض الدول النفطية الخليجية.

بالتحديد تنتج هذه النبتة زيت طبيعي بكميات ضخمة و بعد معالجتها يتم الإستخراج منها البيوديزل و المعروف بالبترول البيوطبيعي، بحيث ينتج 100 لتر من ثمرة الجاتروفا 100 لتر بيوديزال. وهذه الكمية تعد ممتازة جدا من حيث الإنتاج.

كما يعد هذا النوع من البترول الحيوي الطبيعي صديق للبيئة لأنه لا يحتوي علي ثاني أكسيد الكربون المتسبب في التلوث البيئي و الإحتباس الحراري. أيضا يساهم هذا الديزل الحيوي في المحافظة علي محركات السيارات و الآلات التي تشتغل بهذا النوع من الطاقة الحيوية.

إن دولة السودان من خلال زراعة هذه الكميات الكبري من نبتة الجاتروفا راهنت علي تحقيق إكتفائها الذاتي و التوجه نحو الأسواق الأوروبية لتصدير هذا النوع من الديزل الطبيعي الذي يحظي بإهتمام كبير لدي دول الإتحاد الأوروبي نظرا لمحافظته علي سلامة و نظافة البيئة بحيث يقلل من نسبة إنبعاثات الغازات السامة الملوثة للطبيعة مع أداء مهامه بطريقة فعالة و ذات جودة عالية.

لكن خبراء بيئيون أطلقوا تحذيرات من استزراع الجاتروفا في السودان لمواجهة التصحر وإنتاج الوقود الحيوي بعد أن وقعت الحكومة السودانية مع شركة ماليزية اتفاقية تتضمن استزراع مليون فدان بأشجار الجاتروفا، وطالب هؤلاء الخبراء بالقيام بدراسات معملية وحقلية معمقة قبل الاستزراع على نطاق واسع، مؤكدين أن “سُمِّية” هذا النوع من النبات يشكل خطورة على الثروة الحيوانية.

ووصف طلعت دفع الله، أستاذ مشارك بكلية الموارد الطبيعية والدراسات البيئية في جامعة بحري بالسودان، الدراسات المتوفرة حاليا بأنها محدودة جدا ولا يمكن التعويل عليها، ويقول لشبكة SciDev.Net: “إن مشكلة الجاتروفا أنه نبات عالي السُّمِّيَّة وقاتل للحيوانات إن اقتات عليه، وتكمن خطورته في السودان، لكونه بلدا يتميز بحرية المراعي وطلاقتها”.

وقد سبق التجربة السودانية في إنتاج وقود حيوي من نبات الجاتروفا، تجارب بعض دول المنطقة مثل مصر التي لديها تجربة رائدة في مجال زراعة نبتة الجاتروفا خاصة في مدينة الأقصر، حيث تتميز هذه الزراعة بإهتمام كبير في تلك المنطقة و التي تعد مصدر رزق و دخل مالي محترم لعديد المزارعين. إذ من أهم منتجات تلك النبتة هو بالأساس إستخراج الزيوت الطبيعة بكميات هائلة و التي يتم معالجتها في مصانع ضخمة لتكرير البيوديزل الطبيعي و إنتاج منها العديد من البراميل البترولية الطبيعية المستخرجة بعد المعالجة الطبيعية.

كذلك تمثل هذه النبتة كنزا في مجال إستخراج الأدوية الطبيعية حيث تتحول جذورها إلي زيوت تستخرج منها أدوية طبيعية مضادة للدغة الثعبان السامة و أيضا دواء الروماتيزم و بعض الأدوية البيوطبيعة الأخرى. بالإضافة إلي ذلك يمكن تحويل تلك النبتة إلي أجود أنواع الصابون علي الصعيد العالمي. فالتجريبة المصرية في زراعة البترول الطبيعي و إستخراج من تلك النبتة العديد من المشتقات للمنتجات يعد بمثابة إنجاز يكرس للتوجه نحو تعزيز مكانة الإقتصاد الأخضر في الإقتصاد الوطني المصري و الذي يعتبر عمود التنمية الإقتصادية العصرية.

وفي مصر يعد “الجاتروفا” من المحاصيل غير الغذائية، يُزرع في الأراضي شبه القاحلة، ويروى بمياه الصرف الصحي، ويبلغ محصول الشجيرة الواحدة ستة أطنان من البذور، تعطي حوالي أربعة طن من الزيت بعد العصر، وتعيش في الأرض لمدة 50 عاما.

ويقول الباحث فؤاد الصباغ إن الاهتمام بزراعة نبات الجاتروفا يعد مشروعًا قوميًا، وذلك لتداخل عدة وزارات للعمل بهذا المشروع كوزارات التنمية المحلية، والبيئة، والري، والزراعة، والاستثمار، والبترول والثروة المعدنية، والبحث العلمي والتكنولوجيا، مما يعود على الدولة المصرية بالنفع من توفير العملة الصعبة في حالة تصديره، وحل أزمة العمالة، واستصلاح الأراضي الصحراوية.

الإستثمار في البيوديزل و تصديره نحو أوروبا

عموما، وحسب التجربة في السودان و مصر و بعض الدول الإفريقية الأخرى و الدراسات العلمية الإستراتيجية تعد التكاليف الإنتاجية منخفضة بكثير عن إنتاج البترول عبر التنقيب و التكرير و غيرها. إذ يمكن تحديد المناطق الزراعية المستهدفة خاصة منها الأراضي الصحراوية الجافة و كذلك دراسة العواصف الرملية و غيرها. ثم الإستثمار في زراعة البترول في القارة الإفريقية و إنتاج البيوديزال الحيوي بحيث يمكن النسج علي المنوال السوداني بزراعة ما يقارب مليار شجرة من الجاتروفا.

ويمكن للمستثمرين الأجانب أو العرب الإستثمار في هذا المجال الزراعي عبر إنشاء مناطق صناعية ضخمة لإنتاج البيوديزال الطبيعي المستخرج من نبتة الجاتروفا ثم معالجته في المخابر البيولوجية و تصديره نحو الأسواق الأوروبية. أيضا يمكن إستغلال هذه النبتة في إنتاج أجود أنواع الصابون و الأدوية البيوطبيعية و التوجه بهذه المنتجات الطبيعية نحو الأسواق العالمية و خاصة منها الأسواق الأوروبية للتصدير.

كما تساهم هذه النبتة في خلق العديد من مواطن الشغل في المناطق النائية كما تشكل دخل مادي هام للمزارعين و عوائد مالية للميزانية من خلال التصدير بالعملة الأجنبية الصعبة. بالتالي تساهم هذه الزراعة التنموية إيجابيا في رفع نسبة النمو الإقتصادي و تحفيز نسق التنمية الإقتصادية بالبلدان الإفريقية.

الجاتروفا السامة المفيدة

هناك أنواع مختلفة من نبات الجاتروفا، وفي وقت وجيز تكللت تجارب بعض الدول بالنجاح، إلا أن الأمور كانت أكثر تعقيدا في الهند. ويوضح فرانسيس بأن “الأمر لم يكن سهلا، لأن الجاتروفا نبات يحتاج بعد زراعته إلى نحو ثلاث سنوات حتى يصل إلى قدرة إنتاجية عالية. ويسرد فرانسيس تجربته قائلا: “في عام 2008 ذهبت إلى الهند للمساعدة في عمليات تنظيم زراعة الجاتروفا، وكنت ساذجا لاعتقادي بأن المزارعين ليس لديهم شيئا ليخسرونه.. إلا أن المزارعين كانوا مترددين في هذا الشأن..خاصة عندما يتعلق الأمر بأصناف نباتية جديدة عليهم”

وجاءت المبالغة في التعويل على نبتة الجاتروفا في الهند بمثابة إشارة تحذير وصلت لأنحاء أخرى بعيدة من العالم. فالإكوادور على سبيل المثال سلكت نهجا مختلفا، حيث لم تلجأ إلى تشجيع زراعة نباتات الجاتروفا لاستخراج الزيت منها وإنتاج وقود الديزل الحيوي، بدلا عن ذلك لجأت وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة في الإكوادور منذ عام 2009 إلى تشجيع المزارعين في محافظة مانابي الساحلية حيث تنمو الجاتروفا من عقود على ترسيم الأراضي الزراعية واستخدام تلك النباتات السامة لإبقاء الحيوانات بعيدا عنها. وكما تقول غابرييلا كامبوتسانو التي تعمل في الوزارة وتملك كذلك خبرة كبيرة بالمشروع بحكم عملها كمهندسة، فإنه “كان من الصعب تشجيع المزارعين على جني ثمار الجاتروفا من الأسوار الطبيعية المحيطة بحقولهم. وكان علينا أن نشرح لهم كيفية العناية بتلك النباتات لزيادة إنتاجية البذور”.

ويطلق على مشروع زراعة الجاتروفا في الإكوادور اسم “مشروع الطاقة المتجددة لغالاباغوس” الذي يعرف اختصارا بـ ERGAL. وحتى عام 2020 من المخطط أن تتحول جزر الإكوادور جميعها إلى استخدام الطاقة المتجدد حصرا. وبالفعل نجحت جزيرة فلورينا Floreana، وهي من أصغر جزر غالاباغوس، في الاستغناء بشكل نهائي عن الكهرباء المولدة من الوقود الأحفوري. وهناك تم إدخال تعديلات على مولدات الديزل، وأصبحت تعمل الآن بزيت الجاتروفا النباتي النقي.

أيضا الهند لم تتخلى عن زراعة الجاتروفا على الرغم من الإخفاقات الأولية، إذ يعكف الباحثون على تحسين المحصول.وكما يقول آروب غوش من معهد أبحاث الكيماويات بولاية غوجارات، فقد تم الآن تعميم زراعة أفضل النباتات، وسوف يستمر زراعة هذه الأصناف على الأرض البور. ويضيف غوش: “لدينا الآن في جميع حقولنا التجريبية الجديدة، محصول ثابت من البذور عالية الجودة.” وحاليا يتم تشغيل الحافلات السياحية في حديقة غير Girالوطنية في ولاية غوجارات بوقود الديزل الحيوي المستخرج من الجاتروفا.

الوقود الحيوي إلى أين؟

على مدى ستة أشهر استخدمت شركة الطيران الألمانية لوفتهانزا الوقود الحيوي في رحلاتها بين مدينتي فرانكفورت وهامبورغ، لكن هذه المرحلة التجريبية انتهت مطلع عام 2012. وفي جميع أنحاء أوروبا أحاطت ظلال سلبية باستخدام الوقود الحيوي، ومن المرجح أن يتراجع استخدام مزيج وقود الديزل الحيوي من عشرة في المئة إلى خمسة في المئة.

ولا يزال النقاش محتدما حول استغلال الأراضي الزراعية لإنتاج الوقود الحيوي على حساب المحاصيل الغذائية. فهل يعني هذا أن التوقف التام عن إنتاج الوقود الحيوي أصبح وشيكا؟