يبين الله سبحانه وتعالى وحدة الإنسانية التي ما كان يسوغ معها خلاف إلا ممن ضل سبيل الهداية ووحدة النبوة والرسالة الإلهية التي وحدت بها شريعته تعالى، وما كان يسوغ بعد هداية الله تعالى خلاف إلا إذا كان الضلال، ثم بيَّن سبحانه من يجتبيهم ومن يصطفي ويحب من عباده وكيف يحبونه هم ويخلصون لذاته العلية بأن يسلموا وجوههم له سبحانه وتعالى ويحررون أولاده لعبادة الله تعالى.

– قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ، ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ (آل عمران: 33، 34).

يخبر الله أنه اختار هذه البيوت على سائر أهل الأرض، فاصطفى آدم عليه السلام، خلقه بيده ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته وعلمه أسماء كل شيء وأسكنه الجنة، ثم أهبطه منها لما له في ذلك من الحكمة، واصطفى نوحاً عليه السلام، وجعله أول رسول بعثه إلى أهل الأرض، واصطفى آل إبراهيم، ومنهم سيد البشر خاتم الأنبياء على الإطلاق محمد صلى الله عليه وسلم، واصطفى آل عمران.

فمن هم آل عمران؟ ولماذا ذكروا في هذه الآية:

إنَّ مريم هي ابنة عمران بنص آيات القرآن الكريم: ﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ﴾ (التحريم: 12)، وورد اسم (عمران) ثلاث مرات في القرآن الكريم:

الأولى: (آل عمران) في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ (آل عمران: 33- 34).

الثانية: امرأة عمران والد مريم في قوله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا﴾ (آل عمران: 35).

الثالثة: ابنة عمران في قوله تعالى: ﴿ وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا ﴾ (التحريم: 12).

فمن هم آل عمران الذين ورد ذكرهم في السورة الثالثة – حسب ترتيب المصحف – التي حملت اسمهم آل عمران؟

هناك شخصان من بني إسرائيل، كل منهما اسمه (عمران)، وبينهما فترة زمنية طويلة تمتد عدة قرون.

عمران الأول: هو عمران والد نبي الله موسى ونبي الله هارون عليهما السلام، والدليل على أن والد موسى اسمه عمران ما أخرجه الحاكم عن أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “موسى بن عمران صفي الله”، وما أخرجه مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : “مررت ليلة أسري بي على موسى بن عمران عليه السلام”، فنسب رسولنا صلى الله عليه وسلم موسى عليه السلام إلى أبيه عمران.

وقد أشار القرآن إلى أسرة عمران الأول: امرأته وتصرفها عندما أنجبت ابنها موسى، وابنته التي أمرتها بمراقبة تابوت أخيها موسى، وهارون شقيق موسى فهؤلاء الخمسة الصالحون هم أفراد أسرة عمران، ولا ندري هل كان لعمران أولاد غير المذكورين في القرآن أم لا؟

عمران الثاني: هو والد مريم رضي الله عنها. حيث أشار القرآن إلى حمل امرأته بمريم ونذرها لله، كما أشار إلى شقيق لمريم اسمه (هارون) وهو غير هارون النبي شقيق موسى عليه السلام، وذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عيسى ويحيى عليهما السلام هما أبناء الخالة، وهذا معناه أن زكريا عليه السلام كان متزوجاً أخت مريم.

وهذا معناه أن أسرة عمران الثاني المذكورة في القرآن والحديث مكونة من خمسة أشخاص أيضاً، عرفنا أسماء ثلاثة منهم وهم عمران الأب، وهارون الابن، ومريم الابنة، أما اسم امرأة عمران وابنته الأخرى فهذا من مبهمات القرآن.

وإذا كان عمران الأول قد عاش في مصر زمن الفراعنة في بداية تاريخ بني إسرائيل، فإن عمران الثاني قد عاش في بيت المقدس في آخر تاريخ بني إسرائيل وبينهما عدة قرون.

من هم آل عمران الذين اصطفاهم الله على العالمين؟

ذهب بعض العلماء إلى أن (آل عمران) هم ذرية موسى وهارون ابني عمران الأول عليهما السلام، اللذين ظهر منهما معظم أنبياء بني إسرائيل.

وذهب آخرون إلى أن (آل عمران) هم مريم وابنها عليه السلام وأمها وأخوها رضي الله عنهم.

وآل عمران اصطفاهم الله وهم من آل إبراهيم، ولكنهم خصوا بالذكر من باب ذكر الخاص بعد العام تشريفاً وتكريماً.

كان عمران صاحب صلاة بني إسرائيل في زمنه، وكان رجلاً صالحاً، وكانت له زوجة صالحة طيبة طاهرة خيرة تقية وفية مطيعة لزوجها ومطيعة لربها، وكان من نتاج هذا الزواج المبارك، إكرام المولى عز وجل لهم بمريم عليها السلام.

وجاء في تفسير “على العالمين”: أي عالم زمانهم، أي: اصطفى كل واحد منهم على عالمي زمانه، وقد فضلهم بما آتاهم من النبوة والكتاب في معظمهم وفي مريم: بحملها وولادتها من غير مماسة بشر، مع طهارتها وانقطاعها لعبادة ربها وإمدادها في مصلاها برزق الله في غير أوانه، واختيارها أن تكون أماً لعيسى الذي شاء الله أن يكون بغير أب.

وفي تفسير “ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم”؛ أي ذرية يشبه بعضها بعضاً في الخير والفضيلة والنية الصالحة والعمل الصالح والإخلاص والتوحيد التي كانت سبباً في اصطفائهم، وهذه الذرية هي التي ذكرها الله في سياق الكلام عن إبراهيم بقوله: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ * وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ (سورة الأنعام: 84 : 87).

وفي تفسير “والله سميع عليم”: أي سميع لأقوال العباد، عليم بضمائرهم وأفعالهم، يصطفي من خلقه من يعلم استقامته قولاً وفعلاً، وسميع لكل قول مجيب لصالح الدعاء وخالص الرجاء، عليم بأحوال العباد مطلع على مكنون الفؤاد. وفي الآيتين توجيه وإرشاد إلى وجوب اتباع الأنبياء والاقتداء بهم والسير على طريقهم ففيه الصلاح والفلاح.

ومما تقدم نرى أن في القرآن الكريم توجد سورة آل عمران وهي اسم عائلة المسيح عليه السلام، ولفظة (آل) كلمة تخاطب بها العائلات الكريمة الطيبة، وهذه السورة هي ثاني أطول سورة في القرآن الكريم، وهناك سورة باسم سورة (مريم) وهو اسم السيدة مريم العذراء والدة المسيح عليهما السلام، على حين لا يوجد في القرآن الكريم اسم لعائلة نبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم إذ لا توجد سورة تحمل اسم (بني هاشم) أو (بني عبد المطلب) ولا توجد سورة تحمل اسم (آمنة بنت وهب) والدة الرسول صلى الله عليه وسلم.


مراجــع البحث:

1. علي محمّد محمّد الصّلابيّ، المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام الحقيقة الكاملة، 2019م، ص (53 : 56).
2. أحمد الشرقاوي، المرأة في القصص القرآني، دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط1، 2001م، ص 2/597 – 599.
3. الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، بيروت: دار الكتب العلمية، ط2، 1422ه، 2002م ، 2/ 576.
4. صلاح الخالدي، القصص القرآني: عرض وقائع وتحليل أحداث، دار القلم، دمشق، ط1، 1419ه – 1998م ، 4/ 164 – 168.
5. عبد الله شحاته، تفسير القرآن الكريم، دار غريب للطباعة والنشر، القاهرة، 2000م، 2/1557.
6. محمد أبو زهرة، زهرة التفاسير، دار الفكر العربي، القاهرة، 2008م، 3/1192- 4/597.
7. مسلم، صحيح مسلم، بعناية محمد فؤاد عبد الباقي، بيروت: دار الفكر، 1403ه، 1983م، رقم (165).