يمثل تغير المناخ تهديداً حقيقياً للتنمية العالمية وللجهود الرامية إلى القضاء على الفقر. وبدون اتخاذ إجراءات عاجلة ، يمكن لآثار تغير المناخ أن تدفع 100 مليون شخص إضافي إلى الفقر بحلول عام 2030. وتعاني البلدان والمجتمعات المحلية في شتى أنحاء العالم بالفعل من زيادة وطأة التغيرات المناخية، والتي تشمل موجات الجفاف والفيضانات وتسارع وتيرة الكوارث الطبيعية وشدتها، واستمرار ارتفاع مستويات سطح البحر، والفئات الأشد فقراً وضعفاً هي الأكثر تضرراً في كل مرة. ومع كل عام يمر، تتصاعد مخاطر تغير المناخ دون هوادة.
ووفقاً لأحدث تقرير للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ، فإن التبعات المناخية للاحترار العالمي بمقدار درجتين مئويتين أكبر كثيراً من حد 1.5 درجة مئوية وعلى الرغم من ذلك فنحن أبعد ما يكون من بلوغ أي منهما. فمن شأن الحد من الاحترار العالمي عند 1.5 درجة مئوية أن يقلل عدد الأشخاص المعرضين للمخاطر المتعلقة بتغير المناخ والسقوط في براثن الفقر بعدة مئات من الملايين بحلول عام 2050 بالمقارنة مع حد درجتين مئويتين.
إذا لم تتخذ إجراءات عاجلة، فمن الممكن أن تسقط آثار تغير المناخ 100 مليون شخص آخرين في براثن الفقر بحلول عام 2030.
143 مليون مهاجر عام 2050
بحلول عام 2050، ربما وصل عدد المهاجرين بسبب المناخ إلى 143 مليون شخص على مستوى ثلاث مناطق نامية، وسيجبر أفراد، وأسر، بل ومجتمعات محلية بأسرها على النزوح بحثاً عن أماكن أكثر قابلية للعيش فيها وأبعد عن التأثر بمخاطر المناخ.
تأثير الكوارث الطبيعية المتطرفة يعادل خسارة 520 مليار دولار في الاستهلاك السنوي، ويؤدي إلى إفقار نحو 26 مليون شخص كل عام عالمياً.
أصبح لتغير المناخ فعلياً آثار ملموسة يمكن قياسها على صحة الإنسان، ومن المتوقع أن تتزايد هذه الآثار. ويعد تلوث الهواء مسؤولاً عن أكثر من 7 ملايين حالة وفاة قبل العمر المتوقع سنوياً. وقد تصل التكاليف الصحية المباشرة إلى 4 مليارات دولار سنوياً بحلول عام 2030.
لن يجعل تغير المناخ إطعام سكان الأرض المتوقع أن يبلغ عددهم 10 مليارات شخص بحلول عام 2050 أمراً أصعب وحسب، بل صارت آثاره محسوسة بالفعل، متمثلة في انخفاض غلة المحاصيل، وكثرة الظواهر الجوية المتطرفة التي تؤثر على المحاصيل والثروة الحيوانية.
ويجب حساب التمويل اللازم للانتقال المنظم إلى اقتصاد عالمي منخفض الانبعاثات الكربونية، وقادر على المواجهة، بتريليونات وليس فقط بمليارات الدولارات.
مطلوب 90 تريليون دولار حتى عام 2030
يلزم ضخ استثمارات كبيرة في البنية التحتية على مدى السنوات الخمس عشرة المقبلة – حوالي 90 تريليون دولار حتى عام 2030 – ولكن لا يلزم بالضرورة أن تتكلف أكثر من هذا بكثير كي تضمن توافق هذه البنية التحتية الجديدة مع الأهداف المناخية.
يقدم العمل المناخي فرصة كبيرة لضمان تحقيق أهداف التنمية المستدامة ودفع النمو الاقتصادي. فها هو يحقق بالفعل نتائج ملموسة تتمثل في خلق فرص عمل جديدة، ووفورات اقتصادية، وزيادة في القدرة التنافسية والفرص السوقية، وتحسن رفاهة شعوب العالم، بل ويزيد من الإمكانات المستقبلية للاستثمار والابتكار والنمو.
تُقدر مؤسسة التمويل الدولية أن تمثل المساهمات الوطنية لمكافحة تغير المناخ في 21 اقتصادا من الأسواق الناشئة وحدها 23 تريليون دولار في فرص الاستثمار.
– إجمالاً، من الممكن أن يؤدي التحول إلى الاقتصادات منخفضة الانبعاثات الكربونية والقادرة على المواجهة إلى تحقيق منافع اقتصادية عالمية بقيمة 26 تريليون دولار حتى عام 2030.
وبموجب اتفاقية باريس، التزم العالم بالسعي للحد من الارتفاع في درجات الحرارة العالمية إلى أقل بكثير من درجتين مئويتين فوق مستويات حقبة ما قبل الثورة الصناعية بحلول نهاية القرن. ويتطلب تحقيق أهداف الاتفاقية اتخاذ إجراءات حاسمة وجريئة.
فمن الممكن أن تساعد سياسات، مثل تسعير الكربون، على خلق محفزات للتغيير التحوّلي.
تمثل سياسة تسعير الكربون خياراً بسيطاً وعادلاً وفعالاً للتصدي لتغير المناخ. كما يمكنها أيضاً توفير فوائد إضافية، كالحد من تلوث الهواء والازدحام مع تجنب زيادة تكاليف التدابير العلاجية المرتبطة بمسارات نمو العالية الكربون. أما بالنسبة للشركات، فإن تسعير الكربون يمكنها من إدارة المخاطر وتخطيط استثماراتها منخفضة الكربون ويدفعها للابتكار.
حتى الأول من فبراير/شباط 2019، كان هناك 46 بلداً و 28 إقليماً فرعياً إما في طور تنفيذ مبادرات لتسعير الكربون أو قد حددت جدولاً زمنياً لتنفيذها. ويمكنك التعرف على أحدث المعلومات بزيارة لوحة تسعير الكربون؛ وهي منصة تفاعلية على الإنترنت تستند إلى البيانات والتحليلات الواردة في سلسلة تقارير حالة تسعير الكربون واتجاهاته التي تصدر سنوياً.
وعلى الرغم من ذلك، فإنه يجب أن تتسع تغطية تسعير الكربون من أجل تحويل الاستثمار على نطاق واسع، ويجب أن تكون الأسعار أكثر صرامة. وقد شهدت أكثر المبادرات زيادات في أسعار الكربون في عام 2018 مقارنة بمستوى الأسعار في عام 2017. ولكن، على الرغم من هذا، لا تزال أكثر المبادرات دون سعر 40 إلى 80 دولاراً لكل طن مكافئ من ثاني أكسيد الكربون، اللازم بلوغه في عام 2020 للتوافق مع درجة الحرارة المستهدفة في اتفاق باريس، على النحو الذي حددته اللجنة الرفيعة المستوى المعنية بأسعار الكربون برئاسة جوزيف ستيغليتز ونيكولاس ستيرن.