من مقاصد الحج العظيمة أن يتربى الناس على ترك الترفّه والتوسع في المباحات؛ ولذا يتخفف الحاج من ثيابه، إلا ثياب النسك؛ إزار ورداء مجردان، ليس فيهما زينة ولا تكلُّفٌ.
وفي مقاصد الحج تذكير بالفقر المطلق للعبد، وخروجه من الدنيا كما دخلها أول مرة، بما يدعو إلى الاستعداد للقاء الله.
ومن هذا الباب- والله أعلم- جاء النهي عن التطيب، والأمر بترك الأظفار والشعر، وتجنب الوصال الجسدي مع المرأة بالجماع، وترك دواعيه وأسبابه من عقد النكاح فما بعده..
ومع هذا جَعَلَ اللهُ في الحج سَعة لا توجد في غيره من العبادات، ومن هذا ما رواه البخاري ومسلم، من حديث عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن رسول الله ﷺ وقف فى حجة الوداع بمنًى للناس يسألونه، فجاءه رجل، فقال: لم أَشْعُر، فحلقتُ قبل أن أذبح؟ فقال: «اذبح ولا حرج». فجاء آخر فقال: لم أشعر، فنحرت قبل أن أرمي؟ قال: «ارمِ ولا حرج». فما سُئِلَ النبي ﷺ عن شيء قُدِّم ولا أُخِّر إلا قال: «افعل ولا حرج».
وهكذا يحسن أن يكون شعار المفتي فيما لا نص فيه، أو في جنس ما أفتى به النبي ﷺ : «افعل ولا حرج».
والسنة المحمدية تجمع التيسيرات التي تفرقت في كتب الفقه، فإن من العلماء من يأخذ بهذه الرخصة ولا يأخذ بالأخرى، ومنهم من يأخذ بغيرها ويدع هذه، بينما السنة وَسِعَتْ ذلك كله.
فمن قَدَّم أو أَخَّر في أعمال يوم النحر فلا حرج عليه.
وهذا لا يوجد في غير الحج، فلو قَدَّم السجود على الركوع، أو القعود على القيام في الصلاة لما صحت صلاته إجماعًا.
وهكذا ما يتعلق بالنية، وهي من أعظم شروط العبادة، فالحاج ينويه فريضة فينقلب إلى نافلة، كمن قال: سأحج هذا العام نفلًا للتدريب، وأجعل فرضي عامًا آخر، فيقع حجه فرضًا، ولا عبرة بنيته.
ومثله لو حج حجًّا لم يرق له وفرَّط وضيَّع، وقال: أجعله نافلة، وأجعل حجي هذا العام فريضة. فسيكون ما نواه نفلًا هو الفريضة، وما نواه فرضًا هو النافلة، خلافًا لقصده.
وقد ينوي الحج عن غيره فيقع عنه هو، كمَن نواه عن فلان وهو لم يؤدِّ الفريضة، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبيَّ ﷺ سمع رجلًا يقول: لبيك عن شُبْرمة. قال: «مَن شُبْرمة؟». قال: أخ لي، أو قريب لي. قال: «حججتَ عن نفسك؟». قال: لا. قال: «حُجَّ عن نفسك، ثم حُجَّ عن شُبْرمة».
وفي مسألة الحج عن الغير قبل النفس خلاف مشهور.
وقد يُحْرِم بنُسُك مبهم غير معين، كما أحرم عليٌّ رضي الله عنه ، فيما رواه البخاري ومسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم عليٌّ رضي الله عنه على النبي ﷺ من اليمن، فقال: «بم أهللت؟». قال: بما أهل به النبي ﷺ فقال: «لولا أن معي الهدي لأحللت».