نتداولها كل يوم وكل وقت، نشترى ونبيع، نحسب بها مقدار الربح أو الخسارة، نخاف عليها ونوفرها.. ونحتاج إليها فنُنْفق منها.. تلك هي النقود في عصرنا الحالي وليس لها معنى أو مدلول آخر فهي المادة فحسب، ولكنها لم تكن هكذا من قبل وإنما ظهرت ونشأت وتطورت مثلها مثل سائر الفنون في العهود الإسلامية.

فلقد اتسعت الفتوحات العربية الإسلامية خلال القرنين الأول والثاني للهجرة بشكل كبير لم يسبق له مثيل في التاريخ، وما إن أشرف القرن الثاني الهجري على الانتهاء حتى سيطر المسلمون على معظم أرجاء العالم القديم، وامتدت منطقة نفوذهم من الهند حتى الأندلس، ومن آسيا الوسطى حتى أواسط إفريقيا، وقد نتج عن اتساع رُقْعة الفتوحات هذه نشاط تجارى كان من متطلباته توافر نَقْد مضمون موثوق به، وقد استمر المسلمون منذ سنة 622م. حتى عهد عمر بن الخطاب يتداولون النقود التي كانت سائدة في العهد القديم.

وقد جاء على وجه هذا الدرهم صورة لكسرى وإلى يمينها دعاء بازدهار الملك، وإلى جانب النقود الساسانية تداوَل المسلمون الدينار البيزنطي لنفوذه الواسع في العالم القديم.

النقود العربية السَّاسَانية

ضربت هذه النقود في عهد الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكانت تحمل إلى جانب صور الملوك الساسانيين عبارات إسلامية “كبسم الله، وبسم الله ربي، أمير المؤمنين.

ويمثل الوجه صورة أحد الملوك وقد نقش على المحيط بالخط الكوفي البدائي: “بسم الله لا إله إلا الله وحده محمد رسول الله”، أما الخلف فتظهر فيه صورة محراب ضَمَّنَه رمح على جانبيه لفظ “الله”، و”نصر” وإلى يمين المحراب عبارة “خليفة الله” وإلى يساره “أمير المؤمنين”.

 

 

النقود في العهد الأموي

ظلَّت النقود على نفس أوصافها في أوائل العهد الأموي حتى أيام عبدالملك بن مروان، وقد قام هذا الخليفة الأموي بتعريب النقود فأصدر عام 79 للهجرة دينارًا عربيًّا متحررًا من الصور الساسانية والبيزنطية يحمل كتابات عربية بالخط الكوفي على الوجه والخلف.

 

وفي وسط الوجه كتبت عبارة: “لا إله إلا الله وحده لا شريك له”، وحولها ما نصُّه “محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله”، أما الخلف فقد نقش في وسطه الآية: “الله أحد* الله الصمد* لم يلد ولم يولد” تحيد بها عبارة: (بسم الله ضرب هذا الدينار سنة تسع وسبعين)، وقد نقشت جميع الكتابات بالخط الكوفي غير المنقوط.

النُّقود في العصر العبَّاسي

لم يُحْدِث العباسيون في بدء عهدهم تغييرًا هامًّا فهي نسق الصًّكِّ الأموي؛ فقد اختلف الدينار العباسي عن باقي الدنانير بالعبارة التي جاءت في الدائرة الوسطى في الوجه الخلفي للدينار والتي نقش فيها “محمد رسول الله – علي”.

النقود في العصر الطولوني

حكمت الأسرة الطولونية بلاد مصر ما يقرب من أربعين عاماً وفى شكل رقم (3) دينار ذهبي ضربه هارون بن خمارويه.

وقد جاء في وسط الوجه من الدينار “لا إله إلا الله وحده لا شريك له”، وقد بدا طوقان من الكتابة، أما الطوق الأول فينص على العبارة: “بسم الله ضرب هذا الدينار بمصر سنة خمس وثمانين ومائتين”، وينص الطوق الثاني على الآية: “لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله”، وقد وردت جميع الكتابات بالخط الكوفي غير المنقوط أيضا.

النقود في العهد الفاطمي

لقد تميزت النقود التي ضربت في العهد الفاطمي بشكل عام بصعوبة قراءة نقوشها ووفرة أطواقها.

فأما الكتابات على الوجه  فهي الطوق الأول: “لا إله إلا الله محمد رسول الله”. وفى الطوق الثاني: “محمد خير المرسلين عليٌّ أفضل الوصيين”. والطوق الثالث: “محمد رسول الله أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله”، وهكذا عدد من الأطواق في الخلف أيضا مما جعل تلك النقوش صعبة القراءة من كثرة الأطواق بها.

النقود في عهد السلاجقة

المعروف أن السلاجقة أسرة تركية اتسع نفوذها حتى عمّ جميع البلاد الإسلامية في آسيا الصغرى طيلة قرنين. وكان الملاحظ على الكتابة التي نقشت على الدينار السلجوقي أنها كانت أول كتابة نقشت بخط الثلث بعكس سائر النقود التي نقشت بالخط الكوفي دون غيره.

النقود في عهد العثمانيين

كتبت هذه النقود سواء منها الذهبية أو الفضية أو المعدنية في مختلف عهود الحكم العثماني بالخط الثلث المقروء بسهولة تامة، وقد كان هذا هو التطور الطبيعي بعد أن نقشت الكتابات في عهد السلاجقة لأول مرة بالخط الثلث أيضا، وقد كانت الليرات العثمانية الذهبية قيد التعامل لفترة طويلة من الزمان بالمقارنة بكل النقود في العهود الأخرى، وقد تميزت أيضا بأنها دائما تحمل على الوجه (الطغراء) التي هي عبارة عن كتابة خاصة تضم شعار السلطان العثماني بشكل زخرفي معين. كما تحمل في الخلف عبارة “عز نصره ضرب فهي القسطنطينية”. ويكتب أيضا تاريخ الضرب.

وعلى هذا النسق استمر التطور في سك العملات وتبعها تطور أخرى بعد ظهور وانتشار الطباعة فساعد ذلك على ظهور العملات الورقية الحديثة والتي نتداولها في عصرنا، ويبقى أن نؤكد كما قلنا في موضوعات كثيرة سابقة أن الفنون الإسلامية كانت دائما فنون تطبيقية توظف في كل شئ في حياة الإنسان، وقد كان ضرب العملات خير مثال على هذا حيث شاهدنا سويا في العرض السابق كيف كانت النقوش والكتابات في الشكل المميز والمختلف بين عهد وآخر وعملة وأخرى.