على مدى يومين، عُقد في الدوحة أعمال مؤتمر إثراء المستقبل الاقتصادي لمنطقة الشرق الأوسط، بمشاركة حوالي 270 شخصية بارزة من 73 دولة، تم خلالها تنظيم ندوات وورش عمل ناقشت عدداً من القضايا الاقتصادية في المنطقة والعالم، وعلى رأسها المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأهم التطورات في مجالات التعليم والتكنولوجيا والتحول نحو مصادر الطاقة النظيفة، والنمو الكلي، وفرص العمل والتوظيف، وريادة الأعمال، وتداعيات المناخ على الطاق والاهامام بالمرأة والشباب.

 

ويأتي انعقاد هذا المؤتمر، الذي ينظم بالتعاون بين اللجنة الدائمة لتنظيم المؤتمرات بوزارة الخارجية، ومركز تنمية الشرق الأوسط /CMED/ بجامعة كاليفورنيا-لوس انجلوس، في ظل ما يشهده العالم من تحديات اقتصادية ضخمة تحمل في ثناياها مخاطر كثيرة تهدد النظام والأمن العالميين.

ويحظى مؤتمر إثراء المستقبل الاقتصادي للمنطقة بمصداقية دولية، حيث عزز مكانته كمنبر اقتصادي عالمي متميز تنظمه قطر، وقد جاءت المشاركات الدولية والإقليمية التي شهدها المؤتمر بفرص مثالية للحوار البناء وتبادل الآراء والأفكار لتحقيق الأهداف المرجوة.

وقال سلطان بن راشد الخاطر وكيل وزارة التجارة والصناعة في قطر، أن الدوحة  تبوأت مكانة مرموقة كمنصة عالمية للمؤتمرات والمنتديات الدولية، لبحث مختلف القضايا والتحديات التي تهم المنطقة والعالم أجمع، والتي تجمع في طياتها النخب الفكرية والأكاديمية، للحوار وتبادل الأفكار وصولا لتقديم حلول وترضيات تقود للتنمية الشمولية واستقرار المجتمعات، ومن ثم تمكنها من مواصلة مد جسور التعاون ونقل المعرفة إلى العالم وتلبية التزاماتها الإنسانية والدولية.

القطاع الخاص والتغير المناخي

وأكد المشاركون في المؤتمر على أن التحديات الاقتصادية في دول المنطقة ستدفعها لإعادة النظر في سياساتها الاقتصادية المتبعة، خاصة مع عدم قدرة القطاع العام على القيام بكل شيء بشكل منفرد، بل لابد من إشراك القطاع الخاص لاسيما وأن هذا من شأنه أن يقدم قوى دافعة لما فيه مصلحة الشعوب ويساعد في تنويع الاقتصاد في دول المنطقة، ويقدم أيضا الحلول المبتكرة للكثير من المشاكل. كما ركز المشاركون في المؤتمر على ضرورة الاهتمام بمجالات التعليم المناسب واستخدام التكنولوجيا لتحقيق واقع اقتصادي أفضل.

وقال البروفيسور ستيفن سبيغل مدير مركز تنمية الشرق الأوسط /CMED/ جامعة كاليفورنيا-لوس انجلوس، أن من بين القضايا التي وضعت على طاولة النقاش خلال جلسات المؤتمر، التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه منطقة الشرق الأوسط، وريادة الأعمال كمحفز ومعزز للنمو في المنطقة، وتعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص، وتمكين الشباب، وتعزيز دور المرأة في التنمية، والتحديات الناجمة عن التغير المناخي، والتطور التكنولوجي، والذكاء الاصطناعي، والاهتمام بالقطاع الزراعي كمحرك لكافة القطاعات الاقتصادية، والتكامل والتعاون ما بين منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا والاتحاد الأوروبي وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وغيرها من القضايا التي تعود بالنفع على اقتصاد المنطقة.

وشدد المشاركون على أهمية تعزيز نمو القطاع الخاص باعتباره مسؤولا عن استحداث أكثر من 90 بالمئة من الوظائف، حيث يتعين على دول المنطقة أن تتخذ الخطوات المطلوبة لتعزيز نموها من خلال تعزيز الحوكمة وتقوية مؤسساتها، وذلك من خلال اعتماد الإصلاحات الكلية ومكافحة الفساد، بجانب التنويه بأهمية ريادة الأعمال كطريقة للنهوض من الركود الاقتصادي واستحداث المزيد من الوظائف وتحسين مبادئ الحوكمة بما يعزز اقتصادات المنطقة.

ضرورة توفير بنية تحتية تكنولوجية

ولفت المشاركون في المؤتمر إلى أن قضية التغير المناخي ستلقي بظلالها هي الأخرى على المنطقة، فهي لها تأثيرها المباشر على خفض الطلب على النفط والغاز ومن هنا ظهرت الحاجة للتعويل على مصادر الطاقة المتجددة والتنويع الاقتصادي، إذ تفرض قضية التغير المناخي تحديات كبيرة تستدعي اتخاذ خطوات مبكرة واستباقية للحد من الكثير من المخاطر، منوهين بضرورة التعاون ما بين الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في هذا الإطار من أجل حل معظم القضايا المتعلقة بتغير المناخ، فالمبادرات المشتركة يمكنها أن تعزز من التفاعل والتعاون والتنسيق الوثيق ما بين دول المنطقة.

 

 

كما تطرق المشاركون أيضا لأهمية تنشيط وتعزيز الاهتمام بالقطاع الزراعي، صاحب التأثير المباشر على كافة القطاعات الأخرى بأي دولة في المنطقة، وذلك نظرا لأهمية قضايا الأمن الغذائي التي تفرض تحديات ملحة تستدعي إيجاد الحلول الناجعة للتصدي لها.

وفيما يتعلق بالتطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي، أفاد المشاركون في المؤتمر بأن التقدم التكنولوجي أخذ حيزا كبيرا من الحياة في العقد الماضي وأحدث تغييرا في قطاع الحوكمة وأثر على الأمن الاقتصادي، داعين الدول في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا لتطوير الهيكليات التنظيمية والمؤسسية وتعزيز المعرفة والاستفادة من التطورات التكنولوجية من خلال توفير بنية تحتية تعنى بالتطور التكنولوجي والذكاء الاصطناعي وسن التشريعات الضرورية لهذا الأمر حتى يمكنها التصدي للتحديات التي يفرضها هذا القطاع.

التحدي الديمغرافي يهدد المنطقة

كما أشار المشاركون أيضا إلى أن أحد التحديات التي تفرض نفسها على المنطقة هو التحدي الديمغرافي، خاصة أن حوالي 63 بالمئة من سكان المنطقة العربية دون سن الـ36 من العمر، جلهم من الشباب، مؤكدين على أهمية التركيز على الشباب لتأثيرهم المباشر في هذه المنطقة من ناحية الاستقرار السياسي والاقتصادي على المدى الطويل، مؤكدين ضرورة توفير فرص العمل للشباب وخاصة النساء، وذلك عبر العديد من الوسائل أهمها تعزيز الشراكة بين القطاعين العام والخاص الأمر الذي يسهم بصورة مباشرة في الحد من البطالة.

وتناول المتحدثون في المؤتمر تحت عنوان ” فرص الشرق الأوسط والتقدم للأمام” عددا من القضايا أبرزها النظم الشمولية والتغيرات في المنطقة، وتمكين الشباب وتعزيز قضايا المرأة والتغيرات المناخية ودور التكنولوجيا وتأثيرها على المنطقة وردم الهوة بين الاغنياء والفقراء.

وقال هاني فندقلي من مؤسسة “بوتوماك كابيتال” أن هناك 3 عوامل أساسية رسمت المستقبل في المنطقة:

االعامل الأول: نمو السكان والتغيرات الديمغرافية وسيطرة الفئة الشابة التي تتطلع لفرص عمل وحياة أفضل، مشيراً إلى ان نمو السكان في المنطقة العربية لنحو ٤٠٠ مليون نسمة وبمعدل نمو ٣% سنويا ، متوقعاً أن يتضاعف هذا الرقم خلال سنوات مما يؤدي إلى خلق تحديات تواجه الحكومات.

العامل الثاني: ويتمثل في تحدي التكنولوجيا ورأس المال لافتاً إلى التغيرات التى احدثتها التكنولوجيا في حياة الشعوب .. مضيفاً “عمر الهاتف نحو ١٢ عاماً ولكنه غير حياتنا واصبح بإمكاننا الحصول على جميع المعلومات في وقت قياسي”، مؤكدا ان هناك فجوة بين التكنولوجيا والتخطيط.

العامل الثالث: ويتعلق بالتغيرات المناخية، متوقعاً ان ترتفع الحرارة لمستويات تترواح بين 60% إلى 70% خلال السنوات المقبلة وهو ما يؤدي إلى زيادة الفيضانات ودرجات الحرارة والكوارث الطبيعية.

الإحباط والفساد والتعليم الرديئ

وأشار إلى أن الاحتجاجات في بعض بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، جاءت نتيجة للإحباط وعدم توافر فرص العمل والفساد وغيرها، لافتاً إلى دول المنطقة لم تستفيد من الثورة الرقمية وليست لديها سياسات تنموية واضحة اضافة إلى تعليم ردئ وفساد مستشري، مشدداً على ضرورة تغير الخطط والسياسات والبرامج التنموية.

وشدد على ضرورة تغيير نظام التعليم ليصبح اكثر جودة ومواكبة، إضافة إلى ضرورة دراسة عملية التغيير المناخي ووضع حلول لها.

شمول النساء في المنظومة الاقتصادية

وقالت جويس باندا الرئيس السابق لجمهورية ملاوي، أن الأمن والسلام هما مرتكز التنمية في دول العالم، فالكثير من البلدان تعاني من انعدام هذين المرتكزين.وأضافت أن دول العالم مطالبة اكثر من اي وقت مضى بدعم حرية التجمع والصحافة وتحقيق العدل بالاضافة الى معالجة تحديات التغير المناخي، مشيرة الى ان علاج هذه التحديات كفيل بتحقيق النمو الاقتصادي .وأشارت باندا الى ان النساء تشكل اليوم نسبة كبيرة في المجتمعات سواء في افريقيا او دول العالم، مؤكدة ان معظم المشاكل التي نواجهها اليوم ناتجة عن عدم تمكين الشباب ومنهم النساء، لذا لابد من شمول النساء في المنظومة الاقتصادية لدول العالم.

واكدت ان 26 % من الناتج المحلي الاجمالي في العام 2025 سيكون من النساء، داعية الى اهمية تفعيل دور الجماهير لكي تساهم في النمو الاقتصادي.وأشارت جويس باندا الى قضية الفساد التي باتت اليوم مسألة عالمية وليست افريقية، موضحة ان مكافحة الفساد تعد أحد الشروط الاساسية لتحقيق النمو الاقتصادي.

من جهته قال وزير الاقتصاد بجمهورية مالطا، ادوارد سيكونا، أن معظم الاحتجاجات التى تشهدها العديد من الدول في العالم جاءت بشكل عفوي وليست لها قيادة وكانت نتيجة لعوامل اجتماعية واقتصادية كالبطالة وانعدام فرص التعلم وقد أدي ذلك إلى ارتقاع الهجرة وتدفق المهاجرين إلى دول أوروبا. واوضح، الفساد في بعض الدول يعتبر احد العوامل التى تكبح نمو الاقتصاد لديها، مشدداً على أهمية مكافحة هذه الظاهرة. كما أكد على أهمية تطوير قطاع التكنولوحيا لما له من دور هام في دفع عجلة النمو الاقتصادي بمختلف دول العالم.