ارتبط تاريخ الكتابة والطباعة لدى العرب بما كان لديهم من تراث شعري يدل على اهتمامهم به، وقد كتبوا في عصر البداوة قبل الاستقرار على مواد مشتقة من صميم البيئة الصحراوية التي عاشوا فيها. فكتبوا على: العسب والكرانيف وهي أكثر المواد شيوعا واستخداما في الكتابة لتوافرها ولسهولة الحصول عليها. والعسب: هو أوراق جريد النخل الذي لا يتجاوز طوله قدما ونصف القدم إذا يبست. والكارنيف: أصل السعف الغليظ الملتصق بجذع النخلة، وكان الصحابة في عهد النبوة يكتبون على الرقاع والأضلاع والحجارة وسعف النخيل، واللخاف وهي حجارة بيض رقاق.

تاريخ الكتابة والطباعة كتب العرب على عظام الجمال والأغنام -الأكتاف والضلوع-، خاصة العريض منها، وكانت العظام من المواد التي كُتب عليها القرآن، وتُثقب العظام عادة ليمكن جمعها في خيط من الجلد ليسهل الرجوع إليها مستقبلا.

كانت الجلود تُستخدم للكتابة بعد أن تُدبغ، وعليها كُتبت الرسائل التي بعث بها النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى الملوك، وكان يُسمى أديما، والأديم: هو الجلد الأحمر المدبوغ. يقول ابن الأديم: إنه كان يُدبغ بماء الحبر، وقد انتشرت الدباغة جنوبي الجزيرة العربية حينما بدأ الفرس يبنون المدابغ في اليمن، وكذلك استُعمل في سوريا وفلسطين لتدوين أسفار اليهود الدينية.

وقد كتب العرب عليها، وقيل لما هُدِّمت الكعبة وُجد حجرٌ مكتوب عليه: “السلف بن عبقر يقرئ ربه السلام”.

وقال زيد بن ثابت عندما كُلِّف بجمع القرآن: “جعلت أتتبع القرآن من العسب واللخاف.

والمهارق: لفظ فارسي أُطلق على الصحف البيضاء المصنوعة من القماش، يعرفه ابن منظور “بأنه ثوب حريري أبيض يُسقى الصمغ ويُصقل، ثم يُكتب عليه، ويقال: إنه طرق حرير تُصقل وتكتب فيها الأعاجم، وتُسمى “مهر كود”، فعربته العرب وجعلته اسما واحدا؛ حيث قالوا: “مهرت”.

ويبدو أن هذا النوع كان عزيز المنال في شبه الجزيرة العربية؛ لأنه كان يُجلب مع القوافل التجارية من البلاد الأخرى، ولذلك كانوا لا يكتبون فيها إلا كل أمر عظيم.

ويقول الجاحظ: “لا يقال للكتب: (مهارق) حتى تكون كتب دين أو كتب شهود وميثاق وأمانات”.

الأقمشة القباطي : يمكن أن يقال أن فتح مصر أتى معه بتلك الأقمشة المصرية في آفاق الحياة العربية، وهي أيسر المواد التي كانوا يستعملونها من قبل.

الألواح والخشب ولِحاء الشجر: وقد استخدم الرومان واليونان قديما لِحاء الشجر والخشب المدهون بطلاء أبيض، أو المكسو بالشمع، ودوَّنوا عليه نصوصا قصيرة، وعرفه العرب وكتبوا عليه آيات من القرآن الكريم، ولا يزال مستعملا في الحبشة.

الفخار وبقاياه والشقف والخزف: واستُخدم الخزف في مصر على نطاق واسع لتدوين إيصالات الضرائب والرسائل، وهو من المواد التي سُطِّرَت عليها الكتابات المصرية القديمة، كما أن العرب قد استخدموه في فجر الإسلام، وكذلك استخدمه اليونانيون.

الكتان : وكان يُزرع في مصر، وهو من أهم المواد التي سُطِّرت عليها الكتابات المصرية القديمة، كما كان يُستعمل في صناعة ملابس الطبقة الحاكمة من الفراعنة وأبنائهم.

البردي العربي

في تاريخ الكتابة والطباعة، وبعد أن أُتيح للعرب الاتصال بغيرهم نراههم قد عرفوا ورق البردي في مصر والورق الصيني. ونجد أن أقدم ما كتب عليه العرب منذ ظهور الإسلام الجلود والأقمشة، وأشهرها النسيج المصري القباطي، الذي كُتبت عليه المعلقات السبع قبل الإسلام.

وقد أصبحت الكتابة منذ عهد عمر بن الخطاب ركنا أساسيا من أعمال الدولة التي اتسعت رقعتها الجغرافية وازدادات أعباؤها؛ فالعهود والمواثيق والمراسلات والدواوين والإدارات والجند والموظفون، كل هذا كان في حاجة لنظم وسجلات، ومن الطبيعي أن تعجز المواد السابقة عن الوفاء بحاجات الدولة، من هنا كان الفتح العربي لمصر بداية عصر جديد في تاريخ الكتابة العربية؛ إذ استطاعوا أن يتعرفوا على مادتين جديدتين للكتابة، وهما القباطي والبردي.

وقد فرضت تلك المادة الجديدة نفسها على العرب، وانتقلت بالكتابة إلى مرحلة جديدة وهي أوراق البردي المصري، ويروي السيوطي “أنه أحسن ما كُتب عليه. وكان الحصول عليه يسيرا، وهو ما ساعد على انتشار الكتابة العربية، وأصبحت أكثر مكاتبات الأمويين على أوراق البردي والقباطي، وظل البردي المصري المادة الرئيسية للكتابة طوال عصر بني أمية وخلال الفترة الأولى من العصر العباسي؛ حيث كان تُعمل منه لفائف؛ طول الواحدة ثلاثون ذراعا فأكثر، وعرضها شبر واحد، وقد احتفظت مصر بمكانتها المعروفة في إعداد ورق البردي وتصديره للعالم الخارجي حتى بعد الفتح الإسلامي.

وقد عُثر على أوراق البردي في مصر في مكان قريب من هرم “سقارة” وفي الفيوم، وهذه الأوراق لها قيمة كبرى في دراسة التاريخ الإسلامي؛ فعن طريقها عُرف أسماء ملوك شيدوا آثارا خالدة، وأمكن معرفة سِيَر كثيرٍ من ملوك مصر، وخاصة في عهد تبعية مصر للأمويين والعباسيين، وأمكن معرفة نظام الدواوين وأحوال مصر الإدارية والاقتصادية والحالة الاجتماعية وأثمان الأصناف الصناعية والأراضي والعقارات.

الرق : وقد استُعمل الجلد للكتابة في بلاد عديدة؛ فقد استعمله القدماء المصريون والآشوريون والفرس، واستخدموا جلود الماشية، ولم يكن هذا الاستعمال مجهولا لدى الإغريق. والرق في اللغة: هو كل ما يُرقق من الجلد ليكتب عليه، ويُصنع من جلود صغار العجول والحملان والجداء والغزلان.

وكانت الجلود تغسل جيدا، ثم تكشف لإزالة الوبر أو الشعر، ثم توضع في ماء الجير حتى تزال المواد الدهنية ثم تجفف، وبعدئذ تدلك بحجر “الحقاف” حتى تصير ناعمة الملمس وتُحكُّ بالطباشير فتصبح بيضاء.

ومما ساعد على انتشار الرق إمكانية الكتابة على الوجهين والكشط، ولم يكن هذا متوافرا من قبل في ورق البردي، وقد شاع هذا الإجراء خاصة في العصور الوسطى عندما ارتفع سعر الجلود، ولم ترتبط صناعة الرق بدولة معينة، وكان الرق في البداية قاصرًا على الرسائل والوثائق والمذكرات الموجزة، وعلى مَرِّ الزمن استُخدم في صناعة الكتب، ثم بدأ البردي في الزوال تدريجيا منذ القرن الرابع الميلادي إلا في حالات نادرة.

الكتب الأولى المصنوعة من الرق : كان من اليسير طي جلود الرق بنفس طريقة البردي، ولكنها كانت على شكل لفافات، وكانت تحاكي كتب البردي بالضبط.

وكان طول اللفافة خاضعا لطول الحيوان المستعمل، وإن كان من المستطاع توصيل أو حياكة عدة أجزاء معا، ولقد ارتبط الرق منذ وجوده بالمسيحية منذ اتخذتها الإمبراطورية الرومانية دينا رسميا.

الكتب المصنوعة من الرق على شكل كراس :على الرغم من اعتياد الأقدمين استعمال الكتب المطوية فإن هذا الكتاب كان له مساوئ خاصة من ناحية التداول اليومي.

وبعد استعمال الرق خطر للناس أن يجعلوا للرق الشكل الذي كان للألواح، وقد تحقق هذا في عهد الإمبراطورية الرومانية، وقد حدث تطور في شكل الكراس، وظلت دفاتر الرق هي صورة الكتاب المألوفة حتى القرن الخامس عشر الذي شهد عملية تحول للورق.

حدث في القرون الأولى للميلاد تغيير في دعامة الكتابة؛ سواء في الشرق أم الغرب، فقد ظل استخدام الرق قاصرا حتى ذلك الوقت على الأعمال القليلة الأهمية؛ فكان الرومان ينسخون عليه الكتب المدرسية والقانونية.

ثم تغير مظهر الكتاب تدريجيا في منتصف القرن الثاني حتى القرن السادس بادئا بورقة البردي المسطحة.

وتميز تاريخ الكتابة والطباعة 1بأن تم اكتشاف الورق في الشرق؛ حيث اكتشف “تساي لون” في سنة 105 طريقة استخدام مواد رخيصة مثل قشور النباتات ونفايات القطن وشباك الصيد البالية، وهو يُعَد الخطوة الفاصلة، وقد اخترع الورق في مقاطعة “هانون”، وانتشر بسرعة في جميع أنحاء الصين، وانتقل إلى كوريا في القرن السادس واليابان في القرن السابع، واتجه إلى آسيا الصغرى وفارس متبعا طريق القوافل.

ولما قامت معركة بين زياد بن صالح حاكم سمرقند ضد أخشيد فرغانة، وانتصر المسلمون وأَسَرُوا عشرين ألفا جاءوا بهم إلى سمرقند، وكان من بينهم صناع الورق الصيني.

وبدأ يُصنع منذ هذا التاريخ ورق سمرقند بنفس طريقة ورق الصين، وأصبح مادة مهمة للتصدير، وعُرف بورق سمرقند أو خراسان، وقد طور العرب صناعة الورق، وخَطَوْا به خطوات واسعة في طريقة الإتقان والجودة؛ فقد حدث للورق الذي نُقل من الصين تغيير مهم على أيدي المسلمين.

وكانت مصانع الورق في القرن الرابع الهجري منتشرة في دمشق وتبريز، وانتشرت في القرن السادس في فاس بمراكش، وأبانيا كان ورقها يصدر للبلاد الأخرى لتميز نوعه، وفي القرن السابع أقيم مصنع للورق في تبريز بفارس، وكان الورق السوري المصنوع في حماة أحسن من الورق المصري، وكان يُكتب عليه القرآن، ويُستعمل في الرسائل بديوان الإنشاء.

وذكر ابن النديم في الفهرست سبعة أنواع مختلفة من الورق: الطاهري، الخرساني، السليماني، الطلحي، النوحي، الفرعوني، والجعفري.

ويقول اليعقوبي: إنه في أيامه كان هناك سوق للوراقين، وبانتشار الورق ظهرت مهنة جديدة هي الوراقة، وازدهرت هذه الصناعة في بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية.

وقبل أن ينتصف القرن الأول بدأت حركة التأليف العربية تخرج إلى حيز الوجود؛ فكان معاوية يُحضر دفاتر سير الملوك وأخبارهم، فيقرأ ذلك عليه غلمان له، ولا نكاد نصل للقرن الثاني الهجري حتى نجد الكتب وقد كثرت وشاعت بين الناس.

ولقد شهدت بغداد في القرن الثالث سوقا كبيرا للوراقين كان بها أكثر من مائة حانوت للوراقة، ولم تكن هذه الحوانيت مجرد دور للنسخ وصناعة الكتب، ولكنها كانت مجالس للعلماء والشعراء والطبقات المثقفة. وليست كثرة التأليف فقط هي ما يلفت النظر، ولكن شغف الناس بالقراءة الذي بدأ مع بداية حركة التأليف والترجمة، وذلك انطلاقاً مما حثَّ عليه الإسلام من طلب العلم مثل قوله جل جلاله: “وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا”، “قُلْ هَلْ يَسْتِوي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلمُونَ.

بسيوني الوكيل


هوامش ومصادر:

تاريخ الكتاب الإسلامي – عبد الستار عبد الحق الحلوجي.