نحن نستظل هذه الأيام بظلال من نوع مختلف ، حيث يتنسم المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها نسائم الطاعة والقرب من الله ـ تعالى ـ وحيث يقومون بتجديد العهد بالله وإعلان الولاء المطلق لدينه وشريعته ، ولا أدري في الحقيقة ما أقول ؛ إذ أشعر في بعض الأحيان أن صيام رمضان هو استدراك على قصورنا في الأشهر الأحد عشر الماضية ، وأشعر في أحيان أخرى أنه محطة للتزود بالطاقة الروحية من أجل القيام بمهماتنا في الشهور القادمة ، وأشعر تارة أن وظيفة صيام رمضان تكمن في تقديم نموذج لما ينبغي أن تكون عليه أحوالنا و أوضاعنا في سائر أيام السنة، ومهما يكن الأمر فإن رمضان قد فتح وعينا فعلاً على حياة من نوع مختلف، حيث نشعر وكأن كثيراً من المسلمين كانوا نياماً قبل مجيء رمضان، فأيقظهم رمضان ليتحفهم بكمّ هائل من مباهج الروح…

إن في شخصية الإنسان فراغاً لا يمكن ملؤه من غير التذلل بين يدي الله – تعالى- والثناء عليه والشعور بمظلة الأمن والأمان التي ينشرها ذكر الله – عزوجل – حين يخرج من الأعماق.

إن العولمة فتحت وعي الناس على الملذات: ملذات الأطعمة والأشربة وملذات التملك والرفاهية والنفوذ وحرية التصرف، وقد ظن كثير من الناس الذين تحقق لهم قدر من ذلك – ظنوا أنهم قد حصلوا على شيء، عظيم وكافٍ لتحصل كل المسرات، لكن حين ينغمسون في الملذات والشهوات المباحة وغير المباحة يكتشفون أنهم كشارب ماء البحر، كلما ازداد شرباً ازداد ظمأ، كما أنهم يشعرون بدرجة من العتمة الروحية حين تكون موارد ملذاتهم محرَّمة.

شهر رمضان يرسل للأمة رسالة معاكسة لرسالة العولمة إذ ينبهنا إلى أن السعادة الحقيقية ليس لها سوى طريق واحد، وهذا الطريق ليس شيئاً سوى الاستغراق في ألوان الطاعات، والتماس الشعور بمعية الله – تعالى – والتلذذ بمناجاته.

رمضان يقول لنا: المهم دائماً ليس ما ستتركونه وراءكم ولو بعد حين، وإنما المهم ما ستأخذونه معكم، ولن تجدوا شيئاً تأخذونه معكم سوى الصلاة والصيام والصدقة والذكر… فهنيئاً لمن أبصر الطريق قبل فوات الأوان، ومضى فيه أشواطاً قبل أن ينفد الوقود، ويتوقف كل شيء.