يعد جاك دريدا من أكثر الفلاسفة إثارة للجدل، وإضافة إلى العديد من المؤلفات والنظريات الفلسفية، يعد دريدا رائد التفكيكية. كان كاتبا غزير الإنتاج، فقد ألف أربعين كتابا. وتشمل كتاباته كتاب “في علم الكتابة”، و”الكتابة والاختلاف”، و”الكلام والظواهر”، و”هوامش الفلسفة”. تناولت أفكاره العديد من العلوم المحورية كالأنطولوجيا وعلم المعرفة والعلوم الاجتماعية وعلم الجمال والأخلاق والفن والهندسة المعمارية والموسيقى. ولد جاك دريدا عام 1930، في مدينة بيار الجزائرية. وحصل على شهادة الماجستير في الفلسفة، إثرها حصل على منحة للدراسة لمدة عام في هارفارد.

 بدأ دريدا حياته المهنية مدرسا للغتين الإنكليزية والفرنسية لأطفال الجنود بين عامي 1957و1959، بدل الخدمة الإلزامية. بعدها عين أستاذا للفلسفة في جامعة السوربون. منح العديد من شهادات الدكتوراه الفخرية من جامعات عالمية، كما منح جائزة تيودور أدورنو عام 2001م. توفي في أكتوبر عام 2004م.

وقد بدأ دريدا نظريته بنقد الفكر البنيوي الذي كان سائدا انذاك بإنكاره قدرتنا على الوصول بالطرق التقليدية على حل مشكلة الإحالة، أي قدرة اللفظ على إحالتنا إلى شئ ما خارجه، فهو ينكر أن اللغة منزل الوجود ويعني بذلك القدرة على سد الفجوة ما بين الثقافة التي صنعها الإنسان والطبيعة التي صنعها الله تعالى. وما جهود فلاسفة الغرب جميعا الذين حاولوا إرساء مذاهب على بعض الحقائق البدهية الموجودة خارج اللغة إلا محاولات بائسة. وقد وصف دريدا مواصلة هذا الطريق بأنها عبث لا طائل من ورائه.

فالتفكيكية هي آلة نقدية ووسيلة منهجية تنكر قدرة اللغة على أن تحيلنا إلى شيء أو إلى ظاهرة إحالة موثوقا بها .

وأهم مميزات المنهج التفكيكي هي تمكين الباحث من الاندماج والتعمق في النص. كما يساعد في النظر على البحث عن إجابات لأسئلة القارئ واظهار المضامين والمعاني والمقاصد الغائبة.

وتعد مقولة الاختلاف إحدى المرتكزات الأساسية للمنهجية التفكيكية، واستنادا لكشف الدلالة المعجمية، التي تتألف من فعل أو مصدر يدل على عدم تشابه والمغايرة والاختلاف في الشكل وتعني التشتت والغياب، فدريدا يرى أن الخطاب الأدبي يكون تيارا غير متناه من الدلالات وتوالد المعاني، لا تعرف الاستقرار والثبات فإنها تبقى مؤجلة ضمن نظام “الاختلاف”.

إن القراءة التفكيكية ليست هي التي تقول ما أراد القول قوله، بل تقل ما لم يقله القول، فالقراءة بهذا المعنى تتيح تجدد القول، أي قراءة ما لم يقرا ، وهذا معنى قول التفكيكيين ان النص ينطوي على فراغات، لأن النص في حقيقته كون من المتاهات وهكذا يبني النص على الغياب والنسيان … هو غياب الجسد والدال والحجب هناك يلجا إليه المؤلف عمدا، لسبب من الاسباب ولكنه ايضا حجب يتم دون قصد المؤلف، بسبب مضامين ايديولوجية تتسرب إلى النص، ويقتصر تأثيرها على تغليف الحقيقة بقشرة خارجية.

وبهذا فالتفكيكية تاخذ على عاتقها قراءة مزدوجة، فهي تصف الطرق التي تضع بواسطتها المقولات التي تقوم عليها افكار النص المحلل، تضعها موضع تساؤل، وتستخدم نظام الأفكار التي يسعى النص في نطاقها بالاختلافات وبقية المركبات لتضع اتساق ذلك النظام موضع التساؤل.

الى هذا الحد نصل الى أن التفكيكية منهاج نقدي وأدبي ومذهب فلسفي معاصر، ينحو إلى القول باستحالة الوصول إلى فهم متكامل، أو على الأقل متماسك للنص أيا كان، فعملية القراءة والتفسير هي عملية اصطناعية محضة يؤديها ويقوم بها القارئ الذي يقوم بالتفسير، وبناء على ذلك يستحيل وجود رسالة واحدة.

ورغم هذه الخصائص التي تتصف بها النظرية فإن دريدا يصر على عدم ارتباط مشروعه بالعدمية بل يرى أن قراءته التفكيكية قراءة مزدوجة تسعى إلى دراسة النص دراسة تقليدية لإثبات معانيه الصريحة ثم تسعى إلى تقويض ما تصل إليه من معان في قراءة معاكسة تعتمد على ما ينطوي عليه النص من معان تتناقض مع ما يصرح به، أي أنها تهدف إلى إيجاد شرخ بين ما يصرح به النص وما يخفيه. وبهذا تقلب القراءة التفكيكية كل ما كان سائدا في الفلسفة الماورائية.