أصحُّ ما ورد في سبب نزول هذه الآية من أول سورة التحريم كما رواه مسلم، أنه صلّى الله عليه وسلم كان يشرب عسلاً عند بعض نسائه ـ زينب بنت جحش ـ وكان يمكث عندها طويلاً، فدبّت الغَيرة في قلب بعض زوجاته، وهنّ بشر ، كُنّ يتمنَّيْنَ أن يمكث عندهن كما يمكث هناك؛ لأن من عادته ـ صلّى الله عليه وسلم ـ أنه كان يطوف عليهن جميعًا كل يوم، يسأل عنهن ويقضى حاجاتهن، ثم يبيت عند صاحبة النوبة، فقال بعض الزوجات: إذا وصل النبي إلينا نقول له: إن في فمك رائحة كريهة ـ وهو يكره الرائحة الكريهة فقلن له ذلك، وذكر أنه من الطعام الذي أكله، فقال: ” أكلت عسلاً ” فقلن: لعل نحله قد جَنَت العُرْفطَ، يعني امتصَّ زهر شجر العرفط وهو ذو رائحة كريهة.

ومن هنا حلف الرسول ألا يأكله مرة أخرى، وبالفعل عندما زار من عندها عسل رفض أن يأكل منه، وقد أطلع الله نبيَّه على ما فعلته أزواجُه ـ زوجاته ـ وبيَّن له المخرج من يمينه، وهو كفارة بعتق رقبة أو إطعام عشر مساكين أو كسوتهم على ما جاء في سورة المائدة.

وقد نزلت هذه الآية عتابًا رقيقًا من الله لنبيِّه في أنه كان في الذّروة من حسن معاشرة أزواجه ، لدرجة أنه امتنع عما مأحله الله له لإدخال السرور على قلوبهن وبيّن له أن سمو الخلق لا يصل إلى الدرجة التي يتعب فيها نفسه ويَحرمها من الحلال الذي يُحبُّه، فالامتناع عن أكلِ شيءٍ إرضاءً لمَن يحبُّه ليس تحريمًا شرعيًّا لشيء أحلَّه الله وليس معصية، بل هو تصرُّف شخصي في معاملة أزواجه، كما امتنع عن أكل الثُّوم والبصل وهما مباحان، لأن وضعه من لقاء الملائكة وغيره ليس كوضع سائر الناس، وقد امتنع من قبله سيدنا يعقوب عن لحوم الإبل وألبانها لأمر يخصه، ولم يعاتبه الله على ذلك كما قال سبحانه:( كُلّ الطّعامِ كَانَ حِلاًّ لبَنِي إسْرائيلَ إلاّ ما حَرَّمَ إسْرائيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوراةُ )(سورة آل عمران : 93) .

والسبب المذكور لنزول الآية أصحُّ من رواية الدارقطني أنّه امتنع عن مارية إرضاءً لحفصة عندما اختلى بها في بيتها ” راجع تفسير القرطبي لهذه الآية “.