أفعال الرسول ﷺ مصطلح مركب من لفظين تركيب إضافة : فعل ، والرسول . وإذا ورد هذا اللفظ المركب عند الفقهاء مطلقا بلا قرينة يقصد به : ما نقل إلينا من أفعال الرسول محمد ﷺ خاصة
اعتنى علماء الأصول بأفعال الرسول عليه الصلاة والسلام مثل عنايتهم بأقواله ، فتكلموا في دلالتها على الأحكام ، وما يتعلق بها في التأسي بأفعاله ، وتخصيص العام ، وتقييد المطلق ، وبيان المجمل ، والنسخ ، وغير ذلك .
وأفعال الرسول عليه الصلاة والسلام ثلاثة أنواع :
أولا : جبلي ، كالأكل ، والشرب ، والنوم ، واللبس ، وما شاكل ذلك .
ثانيا : قرب ، كالصلاة ، والصوم ، والصدقة .
ثالثا : معاملات ، كالبيع ، والزواج . فالأفعال الجبلية لا يقتضي فعله لها أكثر من إباحتها اتفاقا .
أما غيرها ، فإن ثبتت خصوصيته بها بدليل ، كانت خاصة به ، وليست أمته مثله فيها ، كمواصلة الصوم ، والزواج بأكثر من أربع . وإن لم تكن أفعاله مختصة به ، فإن تبين أنها بيان لمجمل ، أو تقييد لمطلق ، أو تخصيص لعام ، كان حكمها حكمه ، وما سوى ذلك فإن عرفت صفته من وجوب ، أو ندب ، أو إباحة ، فإن أمته في ذلك مثله ، لأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يرجعون إلى فعله ، احتجاجا واقتداء ، لقوله تعالى : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } ، والتأسي : أن تفعل مثل ما يفعله على الوجه الذي فعله .
أما الفعل المجرد من القرائن الدالة على وقوعه منه على الوجه المذكور ، فقد اختلف فيما يتعلق بها من أحكام علينا اختلافا طويلا ، فمن قائل بالوجوب علينا ، ومن قائل بالندب ، ومن قائل بالإباحة ، ومن قائل بالتوقف .
وقال الإمام أبوبكر الجصاص في كتابه :أحكام القرآن عند تفسيره لقوله تعالى :{ لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } من الناس من يحتج به في وجوب أفعال النبي ﷺ ولزوم التأسي به فيها ، ومخالفو هذه الفرقة يحتجون به أيضا في نفي إيجاب أفعاله .
فأما الأولون فإنهم ذهبوا إلى أن التأسي به هو الاقتداء به ، وذلك عموم في القول والفعل جميعا ، فلما قال تعالى : { لمن كان يرجو الله واليوم الآخر } دل على أنه واجب ; إذ جعله شرطا للإيمان كقوله تعالى : { واتقوا الله إن كنتم مؤمنين } ونحوه من الألفاظ المقرونة إلى الإيمان ، فيدل على الوجوب ، واحتج الآخرون بأن قوله : { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } يقتضي ظاهره الندب دون الإيجاب ، لقوله تعالى : { لكم } مثل قول القائل : ( لك أن تصلي ولك أن تتصدق ) لا دلالة فيه على الوجوب بل يدل ظاهره على أن له فعله وتركه ، وإنما كان يدل على الإيجاب لو قال : عليكم التأسي بالنبي ﷺ .
قال أبو بكر : والصحيح أنه لا دلالة فيه على الوجوب ، بل دلالته على الندب أظهر منها على الإيجاب لما ذكرنا ، ومع ذلك لو ورد بصيغة الأمر لما دل على الوجوب في أفعاله ﷺ ; لأن التأسي به هو أن نفعل مثل ما فعل ، ومتى خالفناه في اعتقاد الفعل أو في معناه لم يكن ذلك تأسيا به ، ألا ترى أنه إذا فعله على الندب وفعلناه على الوجوب كنا غير متأسين به ، وإذا فعل ﷺ فعلا لم يجز لنا أن نفعله على اعتقاد الوجوب فيه حتى نعلم أنه فعله على ذلك ؟ فإذا علمنا أنه فعله على الوجوب لزمنا فعله على ذلك الوجه لا من جهة هذه الآية إذ ليس فيها دلالة على الوجوب لكن من جهة ما أمرنا الله تعالى باتباعه في غير هذه الآية .