اليوم هو “اليوم العالمي للملكية الفكرية” ففي 26 أبريل من كل عام يحتفي العالم بالملكية الفكرية للاطلاع على الدور الذي تلعبه في تشجيع الابتكار والإبداع. وفي عام 2000، حدّدت الدول الأعضاء في “ويبو” (المنظمة العالمية للملكية الفكرية) 26 أبريل – وهو تاريخ دخول اتفاقية “ويبو” حيز التنفيذ في عام 1970 – اليوم العالمي للملكية الفكرية بهدف إذكاء فهم الجمهور لهذه المسألة.

منذ ذلك الحين، أتاح اليوم العالمي للملكية الفكرية فرصة فريدة كل سنة لمشاركة الآخرين في جميع أنحاء العالم في النظر في الكيفية التي تساهم بها الملكية الفكرية في ازدهار الموسيقى والفنون وتقود الابتكار التكنولوجي الذي يساعد على بناء عالمنا.

يُحتفل بهذا اليوم عالميا. ويمكن لأي فرد المشاركة في الحملة! وتشارك مكاتب للملكية الفكرية ووكالات حكومية وجامعات ومكاتب محاماة وشركات ومنظمات دولية ومنظمات غير حكومية وجامعات ومدارس، فضلا عن آلاف الأشخاص من كل الأعمار وكل أقطاب العالم، في الاحتفال باليوم العالمي للملكية الفكرية كل عام.

فماهي الملكية الفكرية؟ وماهو مصدرها وخلفيتها وخصائصها وميادينها؟ وماهو مفهومها وكيف نعرفها؟ وكيف ارتبطت بالفكر؟ بل ما هو الفكر؟ وكيف يتحول الفكر إلى ملكية فردية؟

ماهو الفكر؟

يعرَّف الفِكْرُ في المعجم الوسيط بأنه إعمال العقل في أمر ما للوصول إلى معرفة المجهول، فمثلاً حين يُقال: لي في الأمر فِكْرٌ، يكون المقصود من كلمة فكر هو نظرٌ ورؤية، والفِكرَةُ هي الصورة الذهنية لأمر ما، في حين يُعرف التَّفْكِيرُ بأنه إعمال العقل في مشكلة ما من أجل التوصل إلى حلها، أي أن الفكر هو نتاج عملية التفكير.

فالفكر هو مجموع العمليات الذهنية التي تمكن الإنسان من نمذجة العالم الذي يعيش فيه، وبالتالي يمكنه من التعامل معه بفعالية أكبر لتحقيق أهدافه وخططه ورغباته. هناك العديد من المصطلحات المرتبطة بمفهوم الفكر، أهمها: الإدراك، الوعي، شدة الإحساس، الأفكار، الخيال..

وتُعرَّف عملية التفكير في “مختصر البناء الفكري” للكاتب فتحي حسن ملكاوي بأنها نشاط ذهني داخلي يتضمن مرور التَّخيلات والخواطر والمُدركات الانفعالية والحسية التي ترافق أو تسبق القيام بأي سلوك خارجي، ويقوم الإنسان بهذا النشاط بشكلٍ واعٍ أو غير واعٍ، أي أن الفكر هو جهد بشري يحتمل الصواب أو الخطأ، فلا يتَّصف بالقداسة، ولكنه يقترب من الصواب ويبتعد عن الخطأ إذا كان مستنداً إلى عقلٍ صريح، ونقل صحيح، وإذا كان منسجماً مع الوقائع والطبائع.

ماهي الملكية الفكرية؟

عرفت المنظمة العالمية للملكية الفكرية (ويبو)  الملكية الفكرية بأنها أعمال الفكر الإبداعية أي الاختراعات والمصنفات الأدبية والفنية والرموز والأسماء والصور والنماذج والرسوم الصناعية.

وجاء في الموقع الرسمي للمنظمة تعريف للملكية الفكرية، بأنها تشير إلى “إبداعات العقل – كل شيء سواء كان ينتمي إلى المصنفات الفنية أو الاختراعات أو برامج الكمبيوتر أو العلامات التجارية وغيرها من العلامات في المجال التجاري”. كما وضعت المنظمة كتيبا صغيرا باللغتين الفرنسية والإنجليزية يعرض الأنواع الرئيسية للملكية الفكرية ويشرح كيف يحميها القانون. كما يتطرق إلى عمل “ويبو”، باعتبارها محفلا دوليا للخدمات والسياسة العامة والمعلومات والتعاون في هذا المجال.

وعلى العموم، فإن الملكية الفكرية تعني سلطة تخول لشخص على شيء غير مادي (معنوي) وهو ما يتعلق بالفكر والنتاج الفكري وغير ذلك، وعرف مفهوم الملكية الفكرية بأنه (حق الإنسان في إنتاجه العلمي و الأدبي والفني والتقني ليستفيد من ثماره و آثاره المادية والمعنوية ، و حرية التصرف فيها والتنازل عنها واستئثارها ) وعرف محمد الشلش الملكية الفكرية بأنها “ثمرة الإبداع و الاختراع سماها بعض القانونيين بالملكية الذهنية لأنها ترد على نتاج ذهني و مثالها حق المؤلف على مؤلفاته وحق المخترع على اختراعه وحق التاجر في علامته التجارية وغير ذلك”. ومن المواضعات التي يصطلح عليها في تحديد مفهوم الملكية الفكرية، حق الإنتاج الذهني : كما يقول صاحب الوسيط ( ويجمع بين هذه الحقوق جميعا أنها حقوق ذهنية فهي نتاج الذهن …و ابتكاره  .

مجالات الملكية الفكرية

  • الأمور الصناعية مثل براءة الاختراع كاختراع دواء لمرض معين يسجل لدى مؤسسات رسمية أو علمية قصد الحصول على البراءة .
  • الحقوق التجارية كالاسم والعلامة التجارية بما تتضمنه من حقوق معنوية وذهنية تحتاج إلى إبداع وفكر تقتضي صيانة نسبة الاختراع إلى الشخص أو الجهة التي أنتجته .
  • حقوق التأليف والمصنفات وهذا ما سنتناوله في بحثنا كنموذج تقاس عليه بقية الحقوق في مختلف مجالات الملكية الفكرية .

أهداف إحياء اليوم العالمي للملكية الفكرية

تشمل حقوق الملكية الفكرية العديد من المجالات مثل براءات الاختراع وحقوق التأليف والنشر وحقوق التصميم والعلامات التجارية وحقوق الأصناف النباتية والمظهر التجاري والمؤشرات الجغرافية والأسرار التجارية. وهناك أيضا أنواع أكثر تخصصا أو مشتقا من الحقوق الحصرية الفريدة، مثل حماية تصاميم الدوائر المتكاملة وشهادات الحماية التكميلية للمنتجات الصيدلانية (بعد انتهاء صلاحية براءة الاختراع التي تحميها) وحقوق قاعدة البيانات (في القانون الأوروبي).

ويُستخدم مصطلح “الملكية الصناعية” أحيانا للإشارة إلى مجموعة فرعية كبيرة من حقوق الملكية الفكرية، بما في ذلك براءات الاختراع والعلامات التجارية والرسوم والنماذج الصناعية ونماذج المنفعة وعلامات الخدمة والأسماء التجارية والمؤشرات الجغرافية. وعليه يمكن أن نوجز أهداف إحياء اليوم العالمي للملكية الفكرية فيما يلي:

  • شجيع احترام حقوق الملكية الفكرية وزيادة الوعي بأهميتها وأثرها على الحياة اليومية.
  • زيادة فهم كيفية حماية الملكية الفكرية ودورها في زيادة الإبداع والابتكار.
  • للاحتفال بالإبداع والمساهمات المقدمة من المبدعين المبتكرين لتنمية المجتمعات.
  • حماية حقوق المخترعين من تعدي البعض على اختراعاتهم دون الحصول على إذن مسبق منهم.
  • السماح للمبدع أو مالك براءة الاختراع والعلامة التجارية أو المؤلف بالاستفادة من عمله واستثماره.
  • تشجيع قيام الصناعات المحلية.
  • تشجيع وجذب الاستثمارات الخارجية.
  • حماية المنتج من السرقة والنسخ والقرصنة.
  • الحد من انتشار المصنفات المقلدة والمنسوخة، التي تسبب خسائر كبيرة للمنتجين والوكلاء.
  • تسهيل نقل التقنية وتوطينها.
  • حماية المستهلك من الغش والتقليد التجاري.
  • مواجهة تحديات التجارة الإلكترونية وتحديات مجتمع الاتصالات والإنترنت.

حقوق الملكية الفكرية في الإسلام

الملكية تتعلق بالضرورات الخمس التي أجمعت الشرائع السماوية قاطبة على حفظها في كل رسالة وعهد من عهود البشرية المتتابعة، وتتابع الأنبياء والرسل كلّهم على التأكيد على حفظها، والأمر برعايتها، وبيان كلِّ ما من شأنه أن يحافظ عليها، ويُقيم أركانها، ويُثَبِّت دعائمها وأصولها وهي: الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال. لكن الذي يرى ويشاهد ويتابع ما يجري في الأسواق العالمية ودور النشر ومحال الصناعات والمتاجر، ليس من الغريب أن يصاب بالصدمة بسبب الاعتداءات المستشرية والمتتالية على الحقوق الفكرية..جشع مادي، وحجج واهية وأكاذيب باطلة وسلع مزورة وسرقات أدبية وفكرية وعلمية لكثير من المؤلفات والابتكارات والإنتاجات العلمية والتجارية، وتقليد بضائع وسلع وعلامات تجارية وشعارات..حتى أننا لم نعد نفرق بين الحقيقي والمزيف.

وقد اعتمدت الشريعة الإسلامية جانبا تربويا مهما في هذا المجال، حيث ربطت هذه القضية بالإيمان بالله تعالى، والعقاب الأخروي، والأمانة، وإيقاظ الضمير الإنساني المسلم الحي، في كثير من التوجيهات في هذا المجال.

وجاء في بحث مطول للدكتور ناصر بن محمد الغامدي بعنوان “حماية الملكية الفكرية في الفقه الإسلامي والآثار الاقتصادية المترتبة عليها”، أن الإسلام لم يلجأ إلى فرض العقوبات المؤلمة في الدنيا، بقدر ما نزع إلى تقرير العقاب الأخروي الرادع، وبيان أن ذلك من الغِش المحرم الذي يتعارض مع الدين والخلق والأمانة، في كثير من توجيهات الشريعة الإسلامية وأوامرها، قال الله تبارك وتعالى: “لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ”( الأنفال: الآية 27). وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – أَنَّ رَسُولَ اللهِ قَالَ: “مَنْ حَمَلَ عَلَيْنَا السِّلاَحَ فَلَيْسَ مِنَّا، وَمَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا” ( أخرجه مسلم في كتاب الإيمان). وقال : “الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ”( أخرجه البخاريُّ في كتاب النكاح). وأيُّ تشبُّعٍ أمْقَتْ وأعظمُ إثماً من أن ينسب الإنسان إلى نفسه نِتاجَاً علمياً لغيره؟

واعتبر الإسلام حقوق الإنسان جزء من الدين الإسلامي، جاءت في أحكام إلهيَّة تكليفية، مبنيَّة على الإيمان بالله تعالى، والخوف من عقابه. كما أن التأكيد على أن الإخلال بالحقوق الفكرية وإهدارها وتضييعها على أصحابها يُعد في الإسلام من المحظورات الشرعية، لأنه يدخل في باب الغش والخداع والتدليس، والكذب والسرقة، والإضرار بالآخرين، والتعدِّي على حقوقهم، وكلُّ هذه الأمور في الإسلام من المحرمات المنهي عنها، وبعضها معدود في الكبائر المهلكة الموبقة.

وعرف المسلمون أصول مبدأ حفظ الحقوق الفكرية وحمايتها منذ القِدم، وإن لم تكن معروفة بهذا المصطلح الشائع الآن، أو بهذه الطرق الحديثة:

  •  فقد نصَّ أهل العلم على الأمانة العلمية في مجال العلوم، ونسبتها لأصحابها، من خلال توثيق النصوص بالإسناد، وهذا يتجلَّى في تراث الإسلام العظيم في كتب السنة والأثر.
  • كما نصَّ علماء الإسلام على طرق التحمُّل والأداء في رواية الأحاديث، وشروط ذلك، وشروط رواية الحديث بالمعنى، وبيَّنوا شناعة الكذب والتدليس، خصوصاً في مجال العلم، ونقله، ونسبته إلى أهله، وحذَّروا من سرقة المعلومات والكتب، وانتحالها.
  • كما سبق المسلمون إلى معرفة نظام: التخليد (الإيداع)، ويعنى: وضع نسخة من المُصنَّف في المكتبات العامة أو دور المحفوظات، للاحتفاظ بمجموعة منه، أو الاحتفاظ به كإثباتٍ لنسبة المُصَنَّف إلى مؤلِّفه، ونشر المُصَنَّف بالفعل أو تاريخ نشره .

وكان أكبر مركز لتخليد الكتب وإيداعها في الإسلام وقتذاك: دار العلم ببغداد، التي بناها الوزير البويهي، سابور بن أردشير ببغداد سنة (382هـ) وكانت صرحاً رائعاً، ذاع صيتها وطار في الآفاق، وقصدها العلماء والأدباء والشعراء من كل مكانٍ، للتعرُّف على محتوياتها (123).

إنَّ حقوق الإنسان في الإسلام من الثوابت الشرعية، والركائز الأساسية التي يقوم عليها المجتمع، فهي ليست حقوقاً دستورية فحسب، وليست نتاجاً فكريَّاً يمثِّل مرحلة من مراحل تطور العقل الإنساني، وليست حقوقاً طبيعيَّة، كما يعبِّر عنها أصحاب القانون الوضعي، ولكنَّها في نظر الإسلام واجبات دينية محمية بالضمانات التشريعية والتنفيذية.