كلما سمع الناس عن مخاطر الإدمان واتساع المشكلة وسهولة انتشارها، فإن الخاطر المتكرر في التفكير هو كيف نحمي أبناءنا من الإدمان؟كيف يمكن أن نعرف إذا ما كان أحد الأبناء قد تورط؟ وبالتالي لا بد هنا من التحدث عن ثلاثة من مستويات الوقاية هي: الوقاية الأولية والوقاية الثانوية والوقاية الثلاثية.

الوقاية الأولية

وهي كيف نحمي أبناءنا من الإدمان؟ أو بالأحرى منع الأبناء من الوقوع في الإدمان، وهذا يبدأ في سن مبكرة، ويرتكز على محورين:

المحور الأول: محور العلاقة القوية والنقاش الهادئ المفتوح مع الأبناء، وتعويدهم على هذا في سن مبكرة، وإعطائهم الفرصة دائمًا للحديث عن أحوالهم وأصدقائهم .

المحور الثاني: أن يكون الوالدان مستمعين جيدين، لا يرهب الابن في أي عمر من التحدث معهما أو الاستفسار منهما والرجوع إليهما في كل ما يعرض له من مشاكل .

وهذا هو صمام الأمان للأبناء منذ السنوات الأولى من الحياة. وبعد ذلك في مراحل الطفولة والمراهقة المختلفة، وحتى بعد سن الثامنة عشر فلا بد أن تبقى هذه القنوات من الاتصال مفتوحة، وأن يكون الوالدان والأبناء في حوار هادئ دافئ بنَّاء ودائم.

وفي حالة تحدث الابن أو الابنة عن موضوع شائك مثل أنه رأى صديقًا يدخن سيجارة حشيش أو سمع عن شباب يتعاطون الهيروين، أو يشربون الكحول، فلا بد من مناقشة الموضوع دون تشنج وأوامر بعدم الاختلاط والحديث مع هذا وذاك، حتى لا يُصدم الابن برد فعل العائلة مما يؤدي به إلى تحاشي الحديث إليهم، وهذا ما يزيد من فرصة وقوعه في الخطأ والانحراف، ولذلك فإن طرح المواضيع ومناقشتها وإعطاء الرأي والمشورة والنصيحة (الهادئة) فهذا هو الأفضل.

وإذا شعر الوالدان بضرورة الاستعانة بالمراجع العلمية والكتب وشبكة الإنترنت فلا داعي للتردد.

الوقاية الثانوية

الوقاية الثانوية في إطار البحث عن كيف نحمي أبناءنا من الإدمان؟ نعني بها قدرة الأهل على اكتشاف الإدمان في وقت مبكر قبل أن تستعصي المشكلة، وهذا يعني الاهتمام بأي تغير يطرأ على سلوك وصحة وتصرفات المراهق، مثل: زيادة الصرف من النقود دون مبرر واضح، أو الانعزال في الغرفة على غير عادة، والتكتم على بعض الأوراق والحاجيات، والاتصالات التليفونية الهامسة السرية، والتأخير غير المعهود خارج المنزل، بالإضافة لملاحظة الاختلاف في صحة الشاب.

فالشحوب والسرحان والنحول ونقص الوزن كلها من مظاهر الإدمان المعروفة ، وقد يجد الأهل بعض المواد أو الحبوب الغريبة في حوزة الابن، أو ورق القصدير الذي ليس من العادة الاحتفاظ به في غرفة النوم أو الحمام وأحيانًا محاقن (سرنجات) مستعملة أو غير مستعملة، مع وجود شمع وأشياء أخرى ترتبط بالتعاطي.

ولا يجوز إغفالها، وفي حالة حدوث اشتباه في أي من هذه الأمور فإن رد الفعل يجب أن يكون هادئًا حنونًا، نعرض فيه خدماتنا على الابن، ونشرح له أن وقوعه في مشكلة ليس نهاية العالم إذا هو قرر حلها، وإذا كان هناك نية قوية مع اعتراف بالمشكلة فلا بد من استشارة أهل الاختصاص وعدم التعامل مع الموضوع دون خبرة ودراية أو التصرف بأسلوب خاطئ مثل حجز الابن في البيت ومحاصرته، مما قد يؤدي لدخوله في أعراض انسحابية قاتلة، أو محاولة منع التعاطي بأسلوب بوليسي شرطي شديد قد يعطي نتائج سلبية أكثر من حله للمشكلة.

فمهما بلغ الوالدان من الثقافة فلا بد لهما أن يستمعا لما يقوله الخبراء. وهم في الإدمان الأطباء النفسيون تحديدًا. لأن خطة العلاج وسحب المخدر وعودة الشاب لحياته الطبيعية لا بد أن تكون ضمن خطة علاجية متخصصة يتعاون فيها الشاب وعائلته مع الفريق المعالج.

الوقاية الثلاثية

بعد انتهاء فترة العلاج والتي غالبًا ما تكون في مركز طبي متخصص. فإن دور الوالدين يكون في المساهمة في منع الانتكاس والعودة للتعاطي، وهذا لا يكون بإصدار لائحة تعليمات بالممنوعات، مثل: منع المصروف ومنع الخروج ومنع استعمال الهاتف وغيرها من الممنوعات، لأن المدمن قادر على الحصول على المخدر رغم كل هذه القوائم والممنوعات.

والسبيل الوحيد هو في التعاون مع الطبيب المعالج، في الأسلوب الأفضل، وهو غالبًا الاتفاق على تغيير نمط الحياة، وأسلوب الصداقة والعلاقات، وإعادة الحوار العائلي الذي يكون قد انقطع والتخفيف من مظاهر الغضب والعدوانية في العلاقة مع هذا الابن الذي خيب الظن، وعدم الاستمرار في توجيه أصابع الاتهام له، لأن هذه العوامل تكون كفيلة في مساندة المدمن من الخروج من مأزق الإدمان أو العودة إليه، خصوصًا إذا كان متهمًا على كل الأحوال.

ويتضح من المستويات الثلاثة المذكورة أن حماية الشباب المراهقين من الإدمان، ومساعدة من وقع منهم في الإدمان في الخروج منه والاستمرار في الامتناع بعد ذلك هي تسلسل علمي دقيق. آملاً ألا يحتاج الوالدان إلا للمستوى الأول منه ولا بد من التأكيد على أن الحياة الصحية المتوازنة هي واقية من المخدرات وغيرها من الانحرافات كما أن الرياضة والإيمان والتردد على بيوت الله والعبادات، وزرع الوازع والضمير منذ الصغر، وتدريب الأبناء على النهج الأسري المتعاون وإضفاء جو من المحبة والمودة والاحترام، يجعل الأسرة قوية قادرة على تربية الأبناء في مجتمع متغير وكثير المشاكل، وعصر يتطلع فيه الجميع للاستفادة من منجزاته وتجنب مصائبه.


كتبه : الدكتور وليد سرحان مستشار الطب النفسي -الأردن