بالتأكيد، لدى كل منا كثير من التجارب التي جعلته يفكر ويقول “آه، كان على المدير أن لا يقول هذا! أو، لم لم يقل هذا!..” ويشعر كثير منّا بآثار أخطاء المديرين في التواصل في تبديد التركيز لدى أعضاء الفريق، أو بثّ الشكوك والإشاعات أو زرع مواقف المقاومة.
عندما يخطئ المدير ونرى نحن ذلك الخطأ من الخارج ونتأثر به فإننا نستغرب ولا نكاد نعرف كيف غفل عن طريقة التصرّف المثلى التي تبدو لنا منطقيةً واضحةً وضوح الشمس. ومن ناحيةً أخرى، لو كنّا نحن في الموقف المعنيّ فسترى أحدنا يخطئ الخطأ ذاته، أو يحتار ولا يكاد يطمئن: ما الطريقة المثلى لتوصيل رسالتي؟
في السطور التالية عزيزي القارئ نستعرض سبعة أخطاء مهمةً يجب على كل مدير اجتنابها اجتناباً واعياً مخططاً حتّى يعزّز فرصة وصول رسائله التي يريد كما يريد.
1- التصريح بقرارات مثيرة للجدل قبل إنجاز الاستعدادات الواقعية اللازمة
إن أيّ قرار خلافي معقّد الأطراف يمكن أن يثير الإشاعات والمخاوف ويدفع الناس للمعارضة. وإذاً، بدلاً من إعلان القرار الشائك على أعضاء الفريق مجتمعين، يفضّل أن تجتمع بهم فرداً فرداً لتجسّ النبض وتعرف من يعارض وأسباب معارضته.
قرارات التغيير هي الأكثر استنفاراً لمشاعر للناس (مثل قرارات إعادة الهيكلة، أو تغيير الأهداف) وقرارات رحيل بعض العناصر المهمّة تثير الخوف والقلق. ولإنهاء حالة الذعر أو القلق لدى أحدهم لا بد لك من فتح حوارٍ معه.
حدّد المشكلة بوضوح، مثلاً: ( عملية إعادة الهيكلة هذه تعني أننا سنقوم ببعض الأشياء بطرق جديدة، وهذا ما يثير مخاوف بعض الأشخاص) ثم اتجه بعدئذٍ إلى تناول جوانب القلق والخوف المعروضة رداً على ما قلت.:
– هل الشخص الذي تحاوره يرتاب فيما سيحدث في المستقبل؟ وضّح له إذاً السيناريو الذي حضّرت لحدوثه
– هل تعرض إعادة الهيكلة احد المشاريع للخطر؟ بين لأصحاب المشروع الخطط المقترحة لإبقاء مشروعهم جارياً
برهن لمن تحاورهم أنك متفهّم لما يمرون به ولما يخشون منه، وتذكّر أنّك ككل البشر تستطيع توصيل المشاعر بلغة الجسد توصيلاً أبلغ من توصيلها بالكلمات. تأكد من أن تعابير وجهك ونبرة صوتك توصّل للسامعين اهتمامك وتعاطفك.
2- تجميل الحقائق
قد يكون التجميل حلواً إنّما صيانة الثقة أحلى! يصدر بعض الأكاذيب (أو الحقائق الجزئية) عن الإنسان بنيّة حسنة، فعلى سبيل المثال: ينبغي أن يبقى بعض المواضيع سرياً إلى أن تنتهي مناقشته ويصل إلى صورته النهائية، لكن انتبه وانظر إلى طريقة حفاظك على أسرارك. إن رأى الناس أنّك كذبت عليهم فقد تفقد ثقتهم دون رجعة.
مثلاً: في إحدى الشركات الناشئة رأى مراقب الشركة المدير المالي يكذب على أعضاء في أقسام أخرى، وهكذا صار يشك في نزاهة هذا المدير، وأخذ يبحث عن وظيفةٍ في مكانٍ آخر حيث يستطيع الاطمئنان إلى صدق المدير. لقد كلّف الكذب (بغض النظر عن التفاصيل وحسن النية المحتمل) تلك الشركة خسارة موظّف قيّم.
استبدل الكذب بتدريب نفسك على الردّ بإجاباتٍ مثل “لا يمكنني التعليق على هذا في ضوء الظروف الحاضرة” أو “ليس بوسعي تقديم إجابةٍ كاملةٍ على هذا السؤال الآن” عندما تسأل عن مواضيع سريّة.
الثبات على المبدأ هو حجر الزاوية في موضوع الحفاظ على السريّة. وهكذا نرى وارن بافيت(مستثمر كبير) يتجنّب مناقشة استثماراته حتّى مع حاملي الأسهم، ونتيجة لذلك فإنّ تكتّمه على صفقةٍ معيّنة لا يمكن أن يتسرّب منه أيّ شيء.
3- تجاهل الآثار الواقعية لمسافات النفوذ والسلطة
الكلمة المنحدرة أثقل وأسرع من الكلمة المتسلّقة!
عزيزي المدير التنفيذيّ: هل يحيّرك ويزعجك أنّك لا تسمع بالأخبار السيّئة إلاّ بعد فوات الأوان؟ لا تعجب، فهذا طبيعي. فكلّما ازدادت قوتك ونفوذك كلّما قلّ تحدّث الناس معك بالمشكلات. إنّها طبيعة بشرية.
مع تقدّمها في الطريق صعوداً نحو قمّة الهرم تفلتر المشكلات وتلمّع نتيجة اهتمام كلّ ناقلٍ للرسالة في المراحل المختلفة بتخفيف وقع الصدمة وبشاعة الحالة لدى المستوى الذي يعلوه.
فإن أردت تشخيصاً نزيهاً موضوعياً لمشكلة فلا تنتظر صعوده إليك. ابحث عن الأخبار المزعجة بحثاً، رحّب بها، كافئ من يأتيك بها بأكثر ممّا تكافئ حملة الأنباء التي تفرحك.
وبطريقة تدرّجيّة معاكسة، يتمّ تضخيم الرسائل أثناء انتقالها نزولاً في مراحل الهرم التنظيميّ.
عندما تجلس منصتاً وأنت تتابع عرضاً تقديمياً ثمّ تبدو عليك علامات الاستياء فإنّ الجميع سيعرفون ويتناقلون استياءك من الفكرة المقدّمة بل ومن مقدّمها أيضاً. ولا يكاد يخطر ببال أحد احتمال أنّك تتألّم وتكتم معاناتك من الشاورما التي تناولتها مسرعاً قبل حضورك إلى الاجتماع.
تحقّق مما فهموا وليس ممّا تقصد.. إنها مسؤوليتك ، فقد تسبب النكت التي يلقيها وينساها كبار القادة الإرباك والمشاكل للموظفين، فكن حذراً عزيزي القائد! إنّهم لا يعرفون طباعك معرفةً دقيقة وليس من السهل عليهم مراجعتك والتحقّق من قصد كلّ إشارة تلقيها، وإذاً يبقى التأكّد في النهاية من توصيل ما ينبغي توصيله مسؤوليتك أنت! مثلاً: على طاولة الاجتماع يقول المدير العام لفريق أحد المشاريع “إن لم تحضروا يوم الأحد، فلا تتكبدوا العناء وتحضروا يوم الاثنين” لم يعرف الفريق ماذا ينبغي أن يصنعوا. وقال أحدهم “كنّا متأكدين من أنه يمزح، ولكن..”.
أقفل باب الشائعات والشكوك إقفالاً باستخدامك لغةً واضحةً بسيطة، وبمراعاتك الحواجز الذاتية التي تنشئ بين أصحاب مستويات السلطة والنفوذ المتفاوتة. اختتم الاجتماعات بمراجعة الإجابات المقدّمة والخطوات المقررة. مثلاً: ” السيد جمال! أقدّر وأشكر تحليلكم المفيد. لكنّ خطّ تطوّر المبيعات ما يزال غائماً، فلنتابع الموضوع يوم الأربعاء”.
4- لا تستهن بذكاء مستمعيك
من المغري تلميع القضايا والمشكلات وتبسيطها واختصارها بما يناسب ذكاء وفهم المستمعين المحدود! مثلاً
لماذا نتكبّد عناء شرح “إعادة الهيكلة” بينما يمكننا أن نعلّق لوحةً على جدار ونقول للناس هذا هو مخططٌنا التنظيميّ الجديد؟
مهلاً عزيزي القائد! إنّ إعادة التنظيم قلبٌ لطريقة عمل وحياة الناس. صحيحٌ أن الموظفين التشغيليين المباشرين ليسوا عباقرةً في رسم وفهم التصاميم التنظيمية لكنّهم يبقون في كل الأحوال مستحقين لمعرفة المبررات والأهداف الكامنة وراء التغييرات التي تطال حياتهم.
وإن كنت تظنّ أن موظّفيك لن يفهموا هذه المسألة أو تلك فتذكّر أنّ شرحها وتقديمها لهم هو إحدى مسؤولياتك.
ويحبّ كثير من المديرين تجميل المشكلات وتسهيلها عندما يريدون تحفيز فرق عملهم. وكأنّهم ينسون أو يتجاهلون أنّه عندما تكون الظروف معاكسةً وأمور العمل لا تسير كما ينبغي فإنّ تلك الفرق ستكون مطلعةً على تلك المشكلات، بل قد تكون منتبهةً إليها قبل أن تدري أنت بها بوقتٍ طويل.
وإذاً: بدلاً من تجنّب عرض المسألة حاول حشد جهودهم وإدخالها في عملية البحث عن الحلول.
5- الخلط بين الخطوات والنتائج
هل تعتبر الصحن الفارغ طعاماً؟ في عمليات تحديد الأهداف، وتحديد التعويضات، وتقييم الأداء، من السهل الانزلاق إلى الخلط بين العملية وبين النتائج.
مثلاً: تعد فريقك بزيادة 7%، ولكن مجلس الإدارة المتخوّف من آثار وضعٍ اقتصادي غير مريح لا يوافق إلاّ على 3% وبعد كفاحٍ مرير تتوصّل إلى 4%. طبعاً لا يعجب هذا زملاء فريقك، بل هم ساخطون. ويجد المرء نفسه يقول: كيف يستطيع هؤلاء التغافل؟ ألا يرضيهم الجهد الهائل الذي بذلت من أجلهم؟.!
الأمر بسيط: كفاحك الشاق كان عمليةً، وأنت وعدتهم بحصيلة. أنت ترجو أن يقدّروا محاولاتك وجهودك، ولكنهم يريدون نتيجة معيّنة، وبما أنّهم لم يحصلوا عليها فإّنّهم لا يكادون ينظرون إلى شيء غير حقيقة عدم توفّرها.
أنت تريد من موظفيك أن يقدّروا قيمة جهدك الشاق من أجلهم، لكن عند تقييم الآخرين وأدائهم فإنّ الأسهل دائماً التقييم بالنتائج. في معظم المنظمات يعاقب الموظفون بناءً على النتائج حتّى لو اتبعوا في عملهم عملياتٍ صحيحة. وعلى العكس فإن موظّفين آخرين يكافؤون على تحقيقهم نتائج صحيحة حتّى لو خرجوا عن طرق وقواعد العمليات الصحيحة.
6- المرسال نصف الرسالة
هل تستخدم وسائل التوصيل الملائمة؟ نعم، الإيميل وسيلة ممتازة لتداول المعلومات، لكن لا تعتمد عليه في القضايا التي تتدخل فيها المشاعر تدخلاً كبيراً مهماً، فرسائل الإيميل معرضةٌ بسهولة بالغة للتفسير تفسيراً بعيداً جداً عن المقصود. وإذاً حين تجد نفسك مرتبكاً مشوّشاً وأنت تقرأ إيميلاً فقم عن شاشة حاسوبك وعالج الموقف في لقاء شخصيّ أو عبر الهاتف.
ومن جانب آخر ينبغي القول بأنّ مكالمات الهاتف واللقاءات الشخصية ليست بالوسائل الفعّالة لتداول المعلومات، وإنما هي ممتازة لمناقشة المسائل المشكلة. يمكنك عندها الاستجابة مباشرةً لما تراه أو تسمعه من ردة فعل الطرف الآخر، ويمكنك أن تستخدم تعابير وجهك أو نبرة صوتك للتحكّم برسالتك. فعلى سبيل المثال، عبارة “إنني متأكد من قيامك بعمل رائع” يمكن أن تفهم عبر الإيميل على أنها عبارة تهكّم (في سياق ظروف معينة) ولكن العبارة نفسها يمكن أن تقدّم بصدقٍ لا لبس فيه عند الحديث مباشرةً باستخدام نبرة الصوت الملائمة.
فضلاً عن ذلك تذكّر أنّ بعض الناس يفضّلون ويبرعون في تلقي المعلومات سماعاً، وبعضهم الآخر يفضّلون ويبرعون في تلقّيها قراءةً. السماعيون لا يكادون يطيقون التركيز في المذكرات المكتوبة، لكنّهم يبلون بلاءً ممتازاً في المحادثات الشفوية، والقرائيون يبرعون في كتابة المذكرات وفي قراءتها ولكنّ المحادثات الشفوية لا تكفي في كثير من الأحيان لإحكام التواصل والتفاهم معهم. وهكذا، إن اعتمدت على الكتابة في التواصل مع سماعي، أو اعتمدت على المحادثة الشفوية في التعامل مع قرائي فقد تجد صعوبةً في إيصال رسالتك.
لا تتردّد في سؤال الناس عن الطريقة التي يفضّلون لتلقّي المعلومات، فمعظم الناس يعرفون أنفسهم في هذا الجانب. وإن لم يكونوا يعرفون فإنّ بعض الملاحظة الدقيقة والتجريب من طرفك سيوضح الطريقة الأفضل. كما إنّ هناك أناساً يجمعون بين الطريقتين.
7- تجاهل أثر الصمت
نسيان أن عدم الكلام قد يكون أبلغ كلام ، إن امتناعك عن الحديث في مسألة قد يشكل رسالةً أعلى صوتاً بكثير من الرسالة التي يؤدّيها حديثك. مثلاً: إن لم تبيّن تقديرك وشكرك فسيتلقى المعنيون رسالة عدم سرورك أو رضاك عمّا يقومون به، وإن لم تبيّن الظروف والأهداف الكامنة وراء القرارات فالرسالة هي أنّك لا تثق بهم. وإن لم تعرّف الناس في أي اتجاهٍ تريد الشركة أن تمضي فلن يعرفوا كيف يمكنهم أن يسهموا في تحقيق هدفه.
مثلاً: عندما أصبح تكبير حجم التمويل الرأسمالي للشركة الأولوية الكبرى لدى رئيس شركة للتعليم عن بعد ترافق ذلك مع توقّفه عن توصيل رؤيته للموظفين. ولأنّ مسألة المال كانت دائمة الحضور في رأسه فقد كان حديثه عن الأهداف المالية الأكثر تكراراً وتركيزاً. في النهاية، أصبحت ثقافة الشركة مركزةً على الجانب المالي، وضاعت رؤية الشركة وراءها.
وفي أحد الأيام قدّم ذلك المدير في مؤتمرٍ عرضاً متمحوراً على الرؤية (النائمة في رأسه والغائبة عن تواصله مع الناس من قبل) فتقدّمت منه إحدى الموظفات بعد انتهاء الاجتماع وقالت إنها لم تشعر بإلهام أفكار ومبادرات كالذي شعرت به اليوم! عندئذٍ انتبه المدير لنفسه وغيّر إستراتيجية تواصله ضمن شركته لتعود من جديد إلى التمحور والتركيز على الرؤية، ورأى بعد ذلك تصاعداً غير مسبوق في معنويات فريق عمله.
بطبيعتها، أخطاء التجاهل أو الكتمان في التواصل صعبة الاكتشاف. وإذاً لا بدّ من بذل جهدٍ احتياطيّ مضاعف لا يتوقف انطلاقه على ملاحظة المشكلة. راجع أهدافك الرئيسة وطرق ومحتويات التواصل اللازمة لتدعيم تلك الأهداف. استكشف ولا تتردد في سؤال الآخرين: ما الرسائل التي يوصّلها إليكم صمتي عن قضايا معينة؟
ستيفر روبينز5>