تمتد صلتي بشعر أبي مؤمل مصطفى عكرمة إلى سنة 1985م حين وقع لي ديوان شعري صغير الحجم موجهة أشعاره للفتية المسلمة، تفوح كل كلمة وعبارة فيه بعبق الإيمان وقيم الإسلام الخالدة، وآفاق الحقيقة الإسلامية التي تتشوف لها بصائر المؤمنين وتهفو نفوسهم لارتيادها، فكتبت ـ وأنا الطالب الجامعي المبتدئ حينئذ ـ مقالا حاولت الطواف فيه بالقارئ في حنايا الديوان الدافئ المتين، وقد بقيت أشعر بتطلع جارف للُقيا صاحبه، وتبليغه ذاك المقال الذي ظللت ولا أزال أعتز به، حتى يسّر الله تحقيق الأمنية، فإذا بي أّفاجأ في شخصه بقامة شعرية مديدة تلفها الرسالة الإسلامية وُشّيت بجمالية باهرة.

إن دخولك مجلس مصطفى عكرمة هو دخول لديوان شعر ممتد، ينفحك ـ إلى جانب كرمه العربي الإسلامي الأصيل ـ بأطايب القول وواسع الأمل، وإن قال في أحلك قضايا الأمة والعالم وتلك لعمري إحدى وظائف الأدب الإسلامي.

وإليكم نص الحوار :

1- الأدب الإسلامي أصبح حقيقة واقعة في المشهد الأدبي العام لكن امتداداته الشعبية لا تزال دون المأمول، فإلى ما تعزون ذلك ؟

– الأدب الإسلامي هو حقيقة واقعة منذ نزل جبريل الأمين على قلب محمد صلوات ربنا وسلامه عليه وقال له مبلغا ” إقرأ ” .
ألا ترى معي أن موقف السيدة خديجة رضي الله عنها هو أدب مع جلال هذه الكلمة الجامعة؟! ألا ترى معي أن موقف سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه من أمر الإسراء والمعراج هو أدب إسلامي حينما قال: “إن كان قال فقد صدق” .

أنا لم أقرأ ولم أسمع في حياتي أدبا من شأنه أن يقترب من هذا الأدب والتأدب مع جلال الرسالة وصدق رسولها الأمين. الأدب الإسلامي موقف وليس مجرد أقوال.. وبذلك فإنني أتحفظ على كلمة ” أصبح” التي وردت في سؤالك ..الأدب كان ومازال واقعا سواء مكتوبا أم سلوكا .

أما إذا أردنا أن نحدد الإجابة بما قدمته الرابطة التي نتشرف بالانتساب إليها فإنها بنشاط القائمين عليها والعاملين فيها والمهتمين بأمرها قد حققت الكثير مما عبر عنه بأنه أصبح حقيقة واقعة في المشهد الأدبي .لقد جاءت الرابطة لتجمع أدباءها أولا ثم لتنطلق بهم وبأدبهم إلى ما نتمنى جميعا أن نصل إليه.
فالأدباء الذين جمعتهم هذه الرابطة هم موجودون قبلها، ولولا أنهم أهل لنوال صفة عضويتها والانتساب إليها لما كان لهم ذلك، ولما كان لها أصلا أن تقوم، ويبقى الشكر للقائمين على رعايتها وإدارتها .

أما لماذا لا تزال دون المأمول في امتداداتها الشعبية فذلك لعدم وجود أجهزة الإعلام التي من شأنها أن تمتد إلى الأبعاد التي نتمناها. أعطني وسيلة إعلام واحدة تولى الأدب الإسلامي بعض ما يستحق، ولا أقول ما يستحق . هل يملك أدباء الإسلام القدرة على إنتاج فيلم يحمل الفكر الإسلامي والأدب الإسلامي؟ ..هل هناك محطة تلفزة تعنى وتلتزم بالأدب الإسلامي كما نتمنى؟ أنا لا أنكر بعض النيات الحسنة المخلصة، والجهود المبذولة ، والرعاية التي يمكن أن نطلق عليها خجولة، فهي مشكورة جدا وإننا نشد على أيديها بكل الحب والإخلاص والتقدير والأمل. لكن ما هو حجمها أمام بقية الأعمال التي تستمر24/24 ساعة مما ليس له أدنى علاقة حتى بأبسط القيم التربوي ولا الوطنية، إن لم نقل إنها على الرصيف الآخر .

بون شاسع بين ما هو متاح للأدب الإسلامي وما هو متوفر وفرة متزايدة لما هو مهدم لكل القيم النبيلة .لكنني مع هذا فأنا متفائل لأن البقاء للأصلح وتلك هي سنة الله في خلقه ” أما الزبد فيذهب جفاء، وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”، وانظر إلى كلمة ” يمكث” ألست ترى معي أنها البقاء؟

2-  الأدب إحدى الساحات المعنية بموضوع العولمة، فما الدور الذي ترون أن الأدب الإسلامي ينبغي عليه أداؤه في خضم اندفاعها نحونا؟
العولمة باعتقادي هي دعوة خبيثة قامت للقضاء على كل ما هو أدب نبيل وقيم إنسانية ..والأدب بشتى أنواعه ووسائل إيصاله هو الوسيلة لتحقيق مقاصد العولمة الهدامة .. فإذا صح هذا الفهم للعولمة،ـ وأحسب أنه صحيح ـ فلا بد للأدباء بعامة وأدباء الإسلام بخاصة من أن يعوا هذه الحقيقة ويعملوا على إيقافها عند أبعد الحدود عنهم وعن مجتمعاتهم، ولن يكون لهم البديل. ونحن من نمتلك البديل .. من حقنا دون سوانا أن نقدم البديل .. هذا قول ليس فيه مبالغة ، ولا غرور ولا ادعاء، إنها حقيقة تتكشف يوما بعد يوم حتى عند منكريها علينا.

فالإسلام دين الفطرة السليمة التي يقرها كل إنسان وإن لم يلتزم بها أي شاب غير ملتزم أشبع هواه ورغباته، يقبل أن يقترن إلا بمن يتوسم فيها الفضيلة ويعلق عليها الآمال لتكون ربة أسرته الكريمة .

سأروي لك قصة حدثت منذ عقود.. لقد كتب مخرج سينمائي قصة فيلم بسيط تدور أحداثه حول العفة والعذرية فلم يجد منتجا يمول له فكرته .. لأن الاتجاه كان يتجه إلى ما بعد العري، وبعد جهد تمكن هذا المخرج من إنتاج فيلمه البسيط .. أتدري ماذا كانت النتيجة؟! لقد حقق ذلك الفيلم من الأرباح ما فاق كل توقع وزاد كل رقم متعارف عليه أو مألوف في ذلك المجال .. وما ذلك إلا لأن الناس تتعطش إلى الصدق المطلق والإخلاص الحق مع الله الذي وهبها هذه الفطرة .. ومع النفس التي جبلت عليها، ومع شيء اسمه الضمير وصحوته . وهذا ما على الأدب الإسلامي أن يقدمه للناس الذين ينتظرونه لأنه البديل الحق.

العولمة باعتقادي هي دعوة خبيثة قامت للقضاء على كل ما هو أدب نبيل وقيم إنسانية ..والأدب بشتى أنواعه ووسائل إيصاله هو الوسيلة لتحقيق مقاصد العولمة الهدامة

أرأيت إلى من جاؤوا إلى فلسطين الحبيبة يعلنون استنكارهم ورفضهم للإجراءات القمعية الوحشية التي يمارسها الصهاينة المجرمون في حق إخوتنا في فلسطين؟! لقد جاؤوا بملء اختيارهم وصدق عزيمتهم لمشاركة هؤلاء المنكوبين تاركين أهلهم وديارهم وحياتهم الهادئة المستقرة.. هؤلاء هم قمة الأدب وخلاصته وروحه .. ألم أقل لك منذ البداية إن الأدب موقف؟.. ولا ضير من الكم .. ليس المهم الكم .. المهم أن نصل بما نكتبه إلى القلوب والضمائر ليتحول إلى قناعات ثم إلى عمل .

3- الجمالية والذوق الأدبي موهبتان في المقام الأول، ولكن للدربة والمران نصيب في امتلاكهما، فكيف للأديب المسلم أن يبلغ بأدبه مقام الجمع بين المبدأ الإسلامي والجمالية الفنية الأدبية الآسرة؟
–  الأدب صدق وفن وجمال .. الأدب رسالة والفن وعاؤها والجمال روحها .. لكن هل يكون الأدب مهما ذوقته ولونته إلا إذا كان صادقا وجميلا ؟

ويبقى انتاجه وتحقيقه نسبيا .. فليست كل المواهب متماثلة ولا متطابقة ولا متشابهة ، وليست كل التجارب التي تصقل المواهب كما قلت واحدة .. كما هي بقية العوامل والمؤثرات . وهنا كما قلت يأتي دور الدربة والمران .

لابد من التضافر.. لابد من التناصح .. لابد من إنكار الذات فالفردية مهما بلغت من النجاح يظل نجاحها محتاجا إلى الكمال أو الاقتراب من الكمال الذي هو في اعتقادي وقف على التناصح المخلص والتوظيف الحق .

كم هو جميل ورائع ومفيد أن تعمد نخبة النقاد والأدباء وتختار مجموعة من الأدب الرفيع وتبسطها وتختار لها الأسلوب المناسب لإيصالها إلى الشعبية الواسعة التي جاءت في سؤالك الأول بعد أن تتاح لها وسائل الإعلام المناسبة.. كم أنا سعيد ببعض البرامج التي تحمل هذا الطموح وبدأت بتحقيقه؟ إن سروري يكاد لا يُحد حينما أرى بعض المتحدثين الذين يشدّون الناس إليهم شدّا يوصلون من خلاله الأدب الحق إلى النفوس المتعطشة إليه.

تريد مثلا .. خذ ما يقدمه الداعية البريء البسيط عمروخالد .. لقد فاق اهتمام الناس به كل تصور حتى من الذين كانوا على الرصيف الآخر تماما.. تلك هي الفطرة التي مهما خبثت فإنها ستظهر عند أول نفحة ربيع ولمسة حنان.. إنها بذور مخبوءة لكن أقرب ماتكون إلى سطح الأرض مع أن البذرة مهما تعمق طمرها فإن لديها القدرة على الظهور .

4-  وضع الأمة الآن حرج للغاية، فما مضامين رسالة الأدب الإسلامي التي ترون أن يطرقها لإثبات حضوره؟

– كل ما من شأنه أن يصل بإنسانية الإنسان إلى المستوى الأرقى والأسمى فهو مضمون للأدب الإسلامي عليه أن يثبت وجوده فيه دون تباطؤ ودون جهل أو تجاهل أو غرور.. ويبقى الالتفاف نحو العقيدة والالتزام بها له الأولوية.

فالعقيدة التي جمعت هذه الأمة ووحدتها بعد أن كانت قبائل متحاربة متعادية أصبحت بعقيدتها الواحدة والإخلاص لها خير أمة أخرجت للناس. ولا حياة لهذه الأمة إلا بتوحيدها والتزامها بعقيدتها.. وقد جربت ذلك أمة واحدة كما جربته شعوبا متفرقة .. أية ثورة من ثورات الشعوب التحررية إلا وكانت العقيدة والتمسك بها سبيلها إلى التحرر..

الجمال يثير الانتباه .. لكن إذا كان له مضمون، وكان له إطار يظل أقوى تأثيرا وقدرة على الجذب

وهل بقيت ثورة من الثورات التي حققت أهدافها على نجاحها بعد أن تشعب شعبها مذاهب وأحزابا .. لقد فقدت كل ما حققته لها العقيدة الواحدة حينما انحرفت عنها فعادت كما كانت متناحرة متعادية .

على الأدب الإسلامي أن يعزز وجوده في كل ما يحقق وحدة المسلمين والتزامهم بعقيدتهم المنجية المنقذة، ودون ذلك ففي اعتقادي لا يعدو أن يكون النفخ في قربة مثقوبة، ومهما كان الثقب ضعيفا والنفخ كثيرا فإنها لن تمتلئ؟!

5- هل الأدب الإسلامي تعبير فني حي عن قضايا الإنسان؟ أم تعبير ايديولوجي عن جوانب محددة في حياة الإنسان؟
– الرسالة والفن روح وجسد .. والفن في الأدب هو الحكمة البالغة .. وإذا كان رسولنا الكريم صلوات ربنا وسلامه عليه مأمور من ربه عز وجل وهو الذي اختاره ليكون رحمة للعالمين أن يدعو إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة. ومنهي أن يخاطب الناس إلا بالتي هي أحسن .. كما أنه منبه من ربه عز وجل إلى أنه لو كان فظا غليظ القلب لانفضوا من حوله..

هذا كله إرشاد لنا أن نلتزم بالكلمة الجميلة والتعبير الصادق الذي ينسرب إلى أعماق القلوب.. وهذا ما أصبح يعبر عنه بالفنية . الفنية في الأدب هي بمنزلة الروح كما قلت ..

صحيح أن الجمال يثير الانتباه .. لكن إذا كان له مضمون، وكان له إطار يظل أقوى تأثيرا وقدرة على الجذب . لكن إذا كان لي أن أختار حين لامناص من الاختيار فأنا مع الفكرة إذا تمكن صاحبها من تقديمها سليمة محققة شروط إيصالها .. وإن لم تتحقق لها الفنية المحببة.

وكم سأهتف “وافوزاه” حينما أرى من زاوج بينهما ببراعة ومقدرة وذكاء فإنه يكون قد بلغ الحكمة التي هي ضالة المؤمن كما جاء في الحديث الشريف على لسان من لا ينطق عن الهوى صلوات ربنا وسلامه عليه.

6- لكم تجربة مميزة في أدب الأطفال.. ما تقييمكم للعطاء الأدبي الإسلامي في هذا الميدان؟
– تجربتي في أدب الأطفال يزيد عمرها عن ثلث قرن، وهي في معظمها اجتهاد شخصي ومعاناة، وقد كانت متعددة الجوانب حيث كتبت قصيدة الطفل في المرحلة السنية الأولى أي ما قبل دخول المدرسة، كما كانت لجميع المراحل العمرية، كما كتبت المسرحية الغنائية، وكتبت حوالي500 حلقة إذاعية لإذاعة جدة لتربية المسلم على السنة الشريفة علما وعملا، كما كتبت الأغنيات الموظفة في هذا المجال أيضا لعدة برامج تلفزيونية منها وأهمها برنامج ” افتح ياسمسم” ولي ديوان الشباب صدر للمرة الأولى عن دار الفكر عام1979م عممته وزارة المعارف السعودية على جميع مدارسها .

وقد صدر في أوائل هذا العام عن مكتبة العبيكان في الرياض بالعنوان نفسه إنما يضم ما يقرب من خمسة أجزاء تشتمل على 176 نشيدا تربويا. ونشرت العديد من القصص التربوية والسيناريوهات في العديد من مجلات الأطفال ستصدر قريبا جدا إن شاء الله عن مكتبة عبيكان، كما ستصدر ـ وربما صدرت ـ مجموعتي الشعرية الكاملة عن هذه المكتبة أيضا مؤلفة من 730 صفحة من الحجم الكبير .

كل ما من شأنه أن يصل بإنسانية الإنسان إلى المستوى الأرقى والأسمى فهو مضمون للأدب الإسلامي عليه أن يثبت وجوده فيه دون تباطؤ ودون جهل أو تجاهل أو غرور

وأعتقد أن لي قصائد في معظم المناهج المدرسية في وطننا العربي وبخاصة المرحلة الابتدائية .وفي هذا المجال أدعو جميع المعنيين إلى التخطيط لعمل جماعي مدروس وممنهج نحن في أمس الحاجة إليه … إنها ثغرة مفتوحة وخطيرة تهب علينا منها ريح عاتية تحمل السموم القاتلة .

أدعو بصدر رحب وبحرارة أن يهتم المعنيون في هذا المجال بهذا الأمر الخطير كي لا تظل محاولاتنا خجولة ومتعثرة .

لماذا لا تعمل الجامعة العربية مثلا على توحيد المناهج التعليمية بما يضمن وحدة أدب هذه الأجيال، لماذا لا يكون لنا إنتاج إعلامي مشترك كبرنامج ” افتح ياسمسم” الذي حقق نجاحا عظيما لا يمكن تجاهله، علما أنه إنتاج عربي بالرغم من أن فكرته أجنبية .

إنني مرة ثالثة أستصرخ ضمائر من يعنيهم الأمر إلى عمل جماعي مدروس وممنهج قبل فوات الأوان وحلول الندم ولات حين مندم، مع التذكير بأن لدينا إمكانات هائلة … لكنها للأسف مبعثرة أو شبه مبعثرة.

7- هل لنا أن نختم بما تراه مناسبا مما كتبته للأطفال؟
– سأختار لك هاتين المقطوعتين لفئتين عمريتين. مع شكري وتقديري لك وللموقع الذي تلطف بنشر هذه الإجابة.

القصيدة الأولى :

اسم الله


أبدأ باسم الله كلامي

وبه أبدأ كل طعامي

***
فاسم الله يزين قولي

واسم الله يبارك فعلي

***
واسم الله ينير الدربا

واسم الله يزيل الصعبا

***
فابدأ باسم الله أمورك

فاسم الله يزيد سرورك

القصيدة الثانية :

إن تطلب مني عنواني

إسلامي أصبح عنواني

بيتي في مكة معمور

معمـور عبـر الأزمان

إن كان بأرض ميلادي

فالأرض جميعا أوطاني

تاريخي سيرة أحمدنا

لـغتـي آيـات القرآن

أهوائي ما كانت إلا

بأمـور فيـها وصانـي

نسبي لا يجهله أحد

نسبي في الـدنيا إيماني

أجدادي قد كانوا رسلا

رسلا من عند الرحمن

إخواني تلقاني فيهـم

وبقـلبي تلقى إخواني

حبّ في الله يوحدنا

ويآخـي القاصي والداني

فيشيد الله بنا، ولنا

في الـدهر أعـز بنـيان

بنيانا قام على التقوى

وعـلى تلقـى عنواني