الخيال ليس موهبة يتمتع بها بعض الناس لكنه صحة يتمتع بها كل الناس.. فلدى كل إنسان قابلية أو قدرة على التخيل وخلق صور في مخيلته. واستعمال التخيل البصري أو التصور أو التخيل الموجه CREATIVE VISUALIZATION يسمح لخيالك بالانطلاق وامتلاك زمام الأمور، بينما تركز حواسك على خلق الحالة المرغوبة من الاسترخاء داخل عقلك حيثما تتواجد، وفى أي وقت تشاء نهارا أو ليلا.
التصور: اللغة الأساس داخلنا
يرى المعالجون بهذه الوسيلة العلاجية أنها تعمل على تنمية القدرة على التخيل في اتجاه التخلص من الأمراض والآلام، يقول د.دينيس جيرستن الطبيب النفسي في سان دييجو وناشر “مجلة Atlantis” وهي مجلة تصدر مرتين شهريا عن العلاج بالتخيل: “إن التخيل هو اللغة التي يستخدمها العقل ليتصل بالجسد؛ فهو اللغة الأكثر أصولية التي نمتلكها، فإن سألت أي شخص عن أول ذكرى له عن والديه فلن تكون في شكل محادثة بل مجرد صور تخيلية.. فنحن على الأرجح نتذكر صورا وليس كلمات”.
والتخيل عبارة عن تدفق موجات من الأفكار التي يمكنك رؤيتها أو سماعها أو استشعارها أو تذوقها فنحن نتفاعل عقليا مع كل شيء عبر الصور.. والصور ليست فقط بصرية ولكنها قد تكون رائحة أو ملمسا أو “مذاقا” أو “صوتا”، بل هي تعبير داخلي عن تجاربك أو أوهامك.. إنه أحد الأساليب التي يقوم من خلالها مخك بتشفير وتخزين المعلومات والتعبير عنها، وهو الأداة التي تتفاعل بها عقولنا مع أجسادنا.
والشخص العادي تعبر ذهنه قرابة عشرة آلاف فكرة في شكل صور يوميا، ونصف هذه الصور على الأقل ذو طابع سلبي!!
الخيال صحة يتمتع بها كل الناس
كما يتأثر العقل والجسد بالصور والتخيل تأثرا كبيرا؛ فالتخيل هو الصلة البيولوجية بين العقل والجسد، وكما أن وجود صورة خيالية قوية لأحد الأمراض هو أمر كاف للتسبب في ظهور أعراضه؛ فإن تحفيز الصور الخيالية للشفاء يتسبب بالفعل في الشفاء.. فقوة الخيال تعد عاملا عظيما في الطب لا يمكن إنكاره؛ إذ قد تسبب الأمراض وقد تشفي منها.. ولكن كيف يتم ذلك؟
العقل الباطن.. كاميرا تحت الطلب!!
تقوم فكرة العلاج بالتصور على إعادة برمجة العقل الباطن كي يجلب الراحة والشفاء بدلا من الخوف والقلق، وكل ما على المريض فعله هو أن يستحضر صورا ذهنية تعزز فكرة الشفاء وتغذي الشعور بالاطمئنان عوضا عن صور الخوف والقلق التي تثبط من عملية الشفاء؛ فالعقل الباطن يعمل “تحت الطلب” إذ يستجيب للرسالة التي تصدر منك، فإذا آمنت بقدرتك على الشفاء والتغير للأفضل وأتقنت فن صناعة الصور الذهنية الإيجابية فإن العقل الباطن يستقبل هذه الرسالة ويقوم باتخاذ اجراءاته لتحقيق هذه الآمال بدلا من قتلها بمزيد من القلق واليأس! لأن المشاعر تتبع الأفكار، فإذا انشغل الذهن بالمرض والخوف والقلق فلن يتبع ذلك إلا الاكتئاب والتعاسة، والعكس صحيح. وكلما كانت الصورة مليئة بالعواطف والأحاسيس كانت أكثر تأثيرا في صفاء النفس وعلاج اضطرابات الجسد.
تقول الدكتورة باربارا روزي مديرة مركز استشارات الطب البديل بسانتافي-نيومكسيكو ومؤلفة كتاب “استخدام التصور للصحة واللياقة”: “إذا أمكن للشخص أن يستبدل بالصور السلبية التي تضعه في حالة تأهب غير ضروري وغير مفيد صورة أخرى إيجابية كما في لحظة استرخاء على شاطئ البحر أو صورة له وهو يلعب مع أطفاله فإن هذه الصورة الإيجابية بدلا من أن تطلق الأدرينالين في الجسم تطلق المهدئات الطبيعية التي تجعل التنفس يهدأ والقلب يتمهل والتوتر ينخفض والجهاز المناعي يقوى وينشط”.
الصور.. لغة تفهمها الهرمونات!!
تتكون الصور في جزء من المخ يدعى الجهاز الحوفي limbic system وهو جزء مختص بالعواطف والانفعالات والإحساس بالألم أو البهجة، ولكن إدراك الصورة المتكونة يتم في المستوى الأعلى من المخ ويعرف بالقشرة cortex، وهو الجزء المختص بالذاكرة والتفسير والتبرير وبدونه تظل الصورة بلا معنى.
ويرتبط الجزء الذي تتكون فيه الصورة بغدتين الأولى تعرف باسم الغدة تحت المهادية Hypothalamus gland، وهذه الغدة مسئولة عن تنظيم درجة حرارة الجسم ومعدل ضربات القلب والشعور بالجوع والعطش والرغبة في النوم والنشاط الجنسي، أي أنها تنظم جميع العمليات الحيوية في الجسم.
والثانية الغدة النخامية pituitary gland التي تقود النشاط الهرموني للجسم.
وبعد أن تتكون الصورة ويدرك المخ معناها تعمل الغدة تحت المهادية Hypothalamus على إحداث تفاعلات فسيولوجية في جميع أعضاء الجسد فتقوم الخلايا بإرسال إشارات للمخ تعمل على تقوية الصورة لتصبح أكثر حيوية ويرسل المخ المزيد من الإيضاحات؛ وهو ما يجعل الصورة تستمر وتتواصل الدورة بين الجسد والمخ.
وقد ثبت أن المخ يتفاعل بنفس الطريقة مع الصورة المتخيلة.. أي أنه لا يفرق بين الصورة الخيالية التي يبدعها خيال الإنسان دون أن تراها عينه وبين الصورة الواقعية.
قوة الخيال
يقول د.جيرستن: “ثمة دليل قاطع على أن استخدام التخيل يمكن بطريقة مثيرة أن يحسن نوعية الحياة، وفي بعض الحالات أن يطيل التوقعات العمرية “.. فمرضى السرطان، على سبيل المثال الذين استخدموا التخيل أثناء تلقيهم العلاج الكيميائى شعروا بأنهم صاروا أكثر استرخاء، وأكثر استعدادا للعلاج وأكثر إيجابية فيما يتعلق برعايتهم من أولئك الذين لم يستخدموا هذه التقنية، تبعا لما أكده باحثون في جامعة ولاية أوهايو في كولمبس.
وتوحي دراسات متعددة بأن التخيل يمكن أيضا أن يعزز جهازك المناعي. فقد وجد باحثون دانمركيون -على سبيل المثال- زيادة في نشاط الخلايا القاتلة الطبيعية NK cells (natural killer cells ) في عشرة من الطلبة الجامعيين تخيلوا أن أجهزتهم المناعية تتجه لأن تصبح عالية الفاعلية.
والخلايا القاتلة الطبيعية تشكل جزءا “مهما” من جهاز المناعة؛ لأن بإمكانها أن تتعرف على الخلايا التي تعرضت للعدوى بالفيروسات وعلى الخلايا السرطانية وغير ذلك من الخلايا الغريبة.
كما افترض د.سيمونتون أن نشاط الجهاز المناعي يمكن تعزيزه بتصور رؤية خلايا دم بيض قوية وهي تهاجم خلايا سرطانية ضعيفة. وقد تتبع د.سيمونتون حالة 159 مريضا جميعهم يعانون سرطانا غير قابل للشفاء وقيل لهم جميعا إنهم لن يعيشوا أكثر من عام تقريبا، ولكن باستخدام العلاج التخيلي كجزء من علاجهم بقي 40% من أولئك المرضى على قيد الحياة لمدة 4 سنوات بعدها. و22% منهم دخلوا في مرحلة تراجع كامل للمرض. وفي نسبة 19% أخرى انكمشت الأورام فقط. وبصفة عامة فإن الأشخاص المشاركين في الدراسة الذين استخدموا التخيل جنبا إلى جنب مع العلاج الطبي عاشوا فترة أطول -بمقدار الضعف- من الذين تلقوا رعاية طبية فحسب.
وفي دراسة صغيرة، وجد باحثون في جامعة ولاية بنسلفانيا في يونفرسيتى بارك وفي كلية الطب بجامعة Case Western Reserve كليفلاند أن سبعة أشخاص ممن كانوا يعانون قروحا أكالة متكررة في أفواههم (وهي الحالة المسماة بالقلاع الفمي) قد تمكنوا بصورة جوهرية من تقليل معدل اندلاع نوبات المرض بعد أن بدءوا في تصور أن قروحهم قد تغطت بطبقة شافية من خلايا الدم البيضاء.
والتخيل يمكن أن يساعد أيضا على تعديل دورات الحيض وتخفيف أعراض متلازمة ما قبل الحيض. ففي دراسة أولية، وجد باحثون في مستشفى ماساشوستس العام في بوسطن أن 12 من بين 15 امرأة تتراوح أعمارهم بين 21 – 40 عاما واللاتي استخدمن أسلوب التخيل لمدة 3 أشهر قد تمكن من إطالة دورات حيضهن الشهرية بمقدار 4 أيام تقريبا في المتوسط وتخفيف المستويات المحسوسة من متاعب ما قبل الدورة بمقدار النصف كما صرحن أيضا بأن التقلبات المزاجية لديهن صارت أقل.
وأثبت باحثون من جامعة جنوب فلوريدا أن مجموعة من مرضى الالتهاب الشعبي المزمن وانتفاخ الرئة تحسنت حالتهم العامة عن طريق العلاج بالتصور الذي خفض معدلات التوتر والاكتئاب والشعور بالانهاك المفرط.
كما أثبت د. أنيس الشيخ أستاذ علم النفس الطبي بجامعة “ميلواوكي” أن العلاج بالتصور يمكن أن يخفض من ضغط الدم المرتفع ويبطئ من تسارع القلب ويكافح الأرق والسمنة والمخاوف المرضية.
ويبقى أن نؤكد أن هذه الطريقة العلاجية كغيرها من طرق الطب البديل لا يمكن تعميمها على جميع المرضى؛ إذ تناسب بعض المرضى ولا تناسب غيرهم، كما تختلف استجابة كل إنسان عن غيره؛ فليس من الممكن معالجة جميع الحالات المرضية بواسطة التصوير الذهني، ولكن يمكن أن يساعد التصوير الخلاق والاسترخاء في تعزيز خطة العلاج. أما إذا كان المرض سببه العقل فيمكن عندئذ توقع إمكانية تحقيق الشفاء بهذه الطرق الذهنية.
د. صهباء بندق
5>
المصادر:
كتاب اختيارات جديدة في العلاج لبيل غوتليب
الطب البديل للدكتور هاريس مايلوين.
المعالجة الذهنية