للطب الوقائي ارتباط وثيق بثقافة المجتمع ودينه، والتعاليم الإسلامية غنية بالقيم الوقائية. وهذه التوجيهات التي عرفها الطب مؤخرا أمر بها الإسلام منذ أكثر من ألف وأربعمائة عام، وجعلها جزءًا من الدين، حيث يحث الدين الإسلامي على النظافة للوقاية من الأوبئة. ولكن للأسف يجهل الكثير من المسلمين هذه التعاليم، ولذا فهم يعانون من هذه الأمراض.
أولا- النظافة الشخصية
فالطهارة والنظافة هي السبيل للوقاية من الأوبئة وهي الأصل في حياة المسلم قال تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}، وأثنى الله على المتطهرين فقال: {فِيهِ رِجَالٌ يُّحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُوا}، وجعل الشرط الأساسي لصحة الصلاة الوضوء فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا}.
وقال الرسول في حثه على النظافة والاغتسال: “لو أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات هل يبقى من درنه شيء؟ قالوا: لا يبقى من درنه شيء…” الحديث.
كما جعل الإسلام طهارة البدن شرطا لدخول الإسلام والنظافة شرطًا لأداء أهم أركانه وهي الصلاة كما في قول الرسول : “لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك قبل كل صلاة”.
ومن أهم ما يجب أن يحرص عليه المسلم للحفاظ على نظافته الشخصية:
– المضمضة: “إذا توضأت فتمضمض”.
– غسل الأيدي: “بورك في طعام غسل قبله وغسل بعده”.
–الاستنشاق والاستنثار: “وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما”.
– غسل ما بين الأصابع (webs) قال: “إذا توضأت فخلل أصابع يديك ورجليك”.
–الدلك (scrubbing) :”توضأ النبي فجعل يدلك”.
– مسح الأذنين: ورد أنه “مسح في وضوئه رأسه وأذنيه ظاهرهما وباطنهما”.
–حلق شعر العانة وشعر الإبط وتقليم الأظافر وقص الشارب: فقال “من لم يأخذ من شاربه فليس منا”، ولم يعذر من ترك ذلك أكثر من 40 يوما؛ فعن أنس قال: “وقّت لنا النبي في قص الشارب وتقليم الأظافر ونتف الإبط وحلق العانة ألا يترك أكثر من أربعين ليلة”.
–حلق الرأس إذا كان به قمل أو ما شابه ذلك: فقال لكعب بن عجرة وهو محرم عندما أصيب رأسه بالقمل فقال له: “أيؤذيك هوام رأسك؟ قال: قلت: نعم، قال: فاحلق، وصم ثلاثة أيام…”.
–وأمر بالوضوء من مس الفرج: فقال: “من مس ذكره فلا يصلِّ حتى يتوضأ”، وقال: “أيما رجلٍ مس فرجه فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ”.
–نظافة الغذاء والأواني والطعام والأيدي والملابس والطريق ومصادر المياه: فقال ﷺ: “إن الله تعالى طيب يحب الطيب، نظيف يحب النظافة، كريم يحب الكرم، جواد يحب الجود؛ فنظفوا أفنيتكم، ولا تشبهوا باليهود. وقال: “بورك في طعام غسل قبله وغسل بعده”. وكذلك في حثه أصحابه على غسل أيديهم بعد الاستيقاظ من النوم حين قال: “إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا، فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده”.
ثانيا- التحكم في الأمراض التي تنتقل عن طريق الهواء:
إن نفخ الرذاذ يؤدي إلى انتقال كثير من الأمراض المعدية كالأنفلونزا وغيرها من الأمراض، خاصة الفيروسية؛ ولذلك فإنه ينصح بعدم النفخ والتنفس في آنية الأكل والشرب، كما يستحسن تغطية الوجه في أثناء العطاس والتثاؤب.
ولقد وجه الإسلام أتباعه إلى هذه الوسائل الوقائية من أيام الرسول وحتى قيام الساعة؛ فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: “نهى رسول الله أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه” رواه أبو داود..
وبالنسبة للعطاس والتثاؤب.. جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول “كان إذا عطس غطى وجهه بيديه أو بثوبه وغض بها صوته” (رواه الترمذي وحسنه الأرنؤوط في تحقيق جامع الأصول). وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله: “إذا تثاءب أحدكم فليضع يده على فيه..” رواه مسلم.
ثالثا- السيطرة على بعض الأمراض الناتجة عن البول والبراز:
من المعلوم أن تناول الأطعمة الملوثة يعتبر من أهم وسائل انتقال الأمراض؛ حيث يمكن انتقال الجراثيم من براز المصاب إلى الآخرين عن طريق اليد أو أوعية الطعام. ولذا يحث الإسلام على استخدام اليد اليسرى لغسل السبيلين مع إبقاء اليد اليمنى نظيفة للوضوء والأكل.
وكان العزل والحجر الصحي و الوقاية من الأوبئة أو الطب الوقائي أصلا دائما في حياة الرسول ؛ ففي الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: “كانت يد رسول الله اليمنى لطهوره وطعامه، واليسرى لخلائه وما كان من أذى” (رواه أبو داود).
إن هذا النظام يضمن نظافة اليد اليمنى من البراز، في حين يمنع الأكل باليد اليسرى، وبذلك تقل نسبة انتقال الجراثيم إلى الفم عن طريق اليد.
وفي الحديث عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنه قال: “كنت طفلا في حجر رسول الله، وكانت يدي تطيش في الصفحة، فقال لي رسول الله: يا غلام سمِّ الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك” (رواه البخاري ومسلم).
كما تمنع تعاليم الإسلام التبول في أي مكان يرتاده الناس؛ حيث قال رسول الله: “اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان؟.. قال: الذي يتخلى في طريق الناس وظلهم” رواه مسلم، والتخلي هو التبول والتبرز.
والاستنجاء بالماء أمر ضروري؛ فعن أنس قال: “كان رسول الله يدخل الخلاء، فأحمل أنا وغلام نحوي إداوة من ماء فيستنجي بالماء.
كما حذر الإسلام من عدم التطهر بعد التبول؛ فقال في حق اثنين يعذبان في القبر: “إنهما يعذبان، وما يعذبان في كبير … أما أحدهما فكان لا يستنزه ( أي يتطهر) من البول”.
رابعا- التحكم في الأمراض المتنقلة عن طريق الماء:
والتعاليم الإسلامية العام منها والخاص تسهم في الحد من هذه المشكلة؛ فالقرآن والحديث مليئان بالتوجيهات العامة التي تحث على النظافة قال تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}. أما الأوامر الخاصة ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله يقول: “لا يبولن أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري ثم يغتسل فيه” متفق عليه. وفي الحديث قال رجل: “القذاة أراها في الإناء؟ قال: أهرقها…” (رواه الترمذي). وينبغي أن يتمسك المسلمون بهذه التعاليم.. أولا لأنها جزء من الدين.. وثانيا لثبوت فائدتها للصحة.
خامسا- وفي مجال الحجر الصحي والعزل والوقاية من الأوبئة والأمراض المعدية:
وضع الرسول قيودا على من كان مرضه معديا، فقال: “لا يحل الممرض على المصح، وليحل المصح حيث شاء”. وقال: “لا يوردن ممرض على مصح”، وقال: “إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها”. بل إن المسلم مطالب بالالتزام بقواعد الحجر الصحي في حالة الوباء، ولو أدى ذلك إلى التضحية بنفسه فالرسول يقول: “الطاعون شهادة لكل مسلم”.
د. عصام عبده