محمد ياسين** – 21/11/2004

صورة مقال فضائياتنا والدعوة.. الواقع والطموح

كثيرة نعم، ولكن هل أحسنا استثمارها ؟

تتعمد الكثير من وسائل الإعلام الغربية بث مواد إعلامية مضللة عن الإسلام، مستغلة غياب الصوت الإسلامي عن الساحة الإعلامية الدولية والعربية؛ حيث تحرّض ضد المسلمين، وتصفهم بالإرهاب والتعصب، فيما يترنح المسلمون مترددين في استغلال الفضائيات الوفيرة في الدفاع عن صورة الإسلام المشرقة، فضلا عن التماهي -إلى حد بعيد- مع وسائل الإعلام الغربية في كثير مما تبثه.

شبكة “إسلام أون لاين.نت” التي مثَّلت خطوة على طريق تسخير الوسائل العصرية الحديثة في الدعوة إلى الإسلام والدفاع عن قضايا المسلمين تفتح ملف الفضائيات العربية والإسلامية وغيابها عن الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، رغم كثرتها وتعدد مجالاتها.

استثمار الفضائيات واجب وضرورة

يقول الدكتور محمد ماضي -معد ومقدم برنامج في “رحاب الإسلام” بتلفزيون فلسطين، رئيس هيئة الكتاب الجامعي بجامعة الأقصى بغزة-: “الأصل أن يتجه المسلم بالدعوة إلى الله سبحانه وتعالى إلى غير المسلمين، وأن يذكِّر المسلمين أيضا بدين الله سبحانه وتعالى؛ وذلك لأن المسلمين في هذا الزمان خاصة ابتعدوا في كثير من أعمالهم وتصرفاتهم عن دين الله تبارك وتعالى”.

وأضاف د.ماضي: “الفضائيات إما أن يكون لديها توجه طيب أو حرص على البرامج المفيدة التي تتحدث عن الإسلام بصورة حقيقية ومشرقة، أو أنها على الأقل تكمِّل هذا الجانب -كما يقال- حتى تصرف إليها وجوه الناس المهتمين بهذه القضايا”.

ويكمل د.ماضي: “إذا استطاع الداعية المسلم أن يكون له صولات وجولات في الدعوة إلى الله عز وجل عبر الفضائيات، وأن يكون له مشاركات فعالة على مستوى هذا العصر؛ فينبغي عليه أن يكون على مستوى عصري؛ بحيث يكون ملمًّا بأمور الدين إلى جانب الأخذ بقدر مناسب من علوم العصر، حتى يستطيع أن يوصل رسالة الإسلام إلى الناس”.

ويلفت مقدم برنامج “في رحاب الإسلام” الانتباه إلى ضرورة أن يصل صوت الإسلام إلى العالم أجمع من خلال اللغات المختلفة: الإنجليزية والفرنسية والإيطالية والأسبانية، وسائر لغات العالم الحية، مؤكدا على أن الله عز وجل سوف يسألنا: لماذا لم تبلغوا دين الله في أرجاء المعمورة؟ حيث إن الدعوة مهمة كل مسلم ينتسب إلى هذا الدين العظيم”.

وحول تناقض ما تقدمه بعض الفضائيات مع البرامج الدينية التي تبثها، رد الدكتور الماضي بالآية القرآنية: “وآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلا صَالِحًا وآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ”.

المزاوجة تؤدي للضياع

ويقر الدكتور جواد الدلو -الأستاذ المشارك بقسم الصحافة والإعلام بالجامعة الإسلامية بغزة- بتقصير القنوات الفضائية العربية والإسلامية في مجال الدعوة إلى الله عز وجل، مرجعا ذلك إلى تخلف المسلمين ردحا من الزمن عن التعامل مع وسائل الإعلام الحديثة، موضحا أن الفضائيات تنقسم إلى فضائيات عامة، وأخرى متخصصة.

وقال: “الفضائيات العامة تقدم برامج متنوعة، ورغم أنها تُبَث من بلاد إسلامية وترفع لواء الإسلام، ودساتير بلادها تنص على أن دين الدولة هو الإسلام.. فإن هذه الفضائيات منهجها في تقديم البرامج يتناقض في كثير من الأحيان مع الإسلام، وهي بالتالي لا تقوم بدور فاعل في الدعوة”.

وأشار محاضر الإعلام إلى أن الفضائيات العامة تقدم برامج دينية تدعو إلى الفضيلة، وتعمل على نشر الإسلام وتعليم الناس العبادات والقيم الإسلامية، إلا أنها في الوقت نفسه قد تبث قبل البرامج الدينية أو بعدها برامج ترفيهية ساقطة، تتناقض فيما تقدمه من قيم ومعلومات مع القيم التي تبث في البرامج الدينية.

ويؤكد جواد الدلو على أن المزاوجة بين البرامج الخليعة الطاغية على ساعات البث، والبرامج الدينية الضئيلة تجعل المشاهد في حيرة من أمره، مضيفا: “هذا الأمر يقلل تأثير البرامج الدينية في الدعوة إلى الله عز وجل، وتحقيق الرسالة المنشودة؛ جراء بث البرامج التافهة بجوارها، جنبا إلى جنب”.

لا للوعظ المباشر

صورة مقال فضائياتنا والدعوة.. الواقع والطموح

الفضائيات فعالة في بناء وعي الجماهير

وفي المقابل –كما يقول د.الدلو- تقدم القنوات الفضائية المتخصصة برامج دينية متخصصة جيدة، لكن -للأسف الشديد- كثير من هذه البرامج يتسم بالوعظ الديني المباشر؛ حيث يكون تأثيرها أقل من البرامج الأخرى؛ كون أن المؤثرات المستخدَمة في البرامج الدينية أقل وأضعف من المؤثرات المستخدمة في البرامج الأخرى.

وأوضح أستاذ الإعلام أن الأنظمة الحكومية في البلاد العربية تقف كعقبة كؤود في وجه الشخصيات والحركات التي تحمل الفكر الإسلامي وترغب بإنشاء فضائيات؛ اعتقادا منهم (الأنظمة) أن ذلك يمثل خطرا على الأنظمة الرسمية في هذه الدول أو تلك، معتبرا ذلك اعتداء على حرية الفكر وحرية الاعتقاد، واعتداء كذلك على حرية التعبير التي تتكفل بها كافة الأنظمة والدساتير في العالمين العربي والإسلامي.

وفرّق د.الدلو بين ضرورة وجود قنوات فضائية إسلامية تتبنى منهج الإسلام بشموليته، والحاجة إلى قنوات دينية تهتم فقط بالأمور العقائدية وجوانب العبادة في حياة الناس، ومضى يقول: “نحن بحاجة إلى وسائل إعلام عامة، تكون ملتزمة بمنهج الإسلام من البداية حتى النهاية؛ بحيث تتناول كل القضايا في مختلف مناحي الحياة من منظور إسلامي، والجانب الديني هو جزء من خريطة الإعلام الإسلامي”.

وقال: “نحن بحاجة إلى فضائيات دينية متخصصة، مثلما نحن بحاجة إلى وسائل إعلام اقتصادية أو رياضية أو غير ذلك؛ فهناك مثلا مئات المحطات الإذاعية ومئات القنوات الفضائية المتخصصة في الجوانب التنصيرية التي يوجهها الغرب إلى القارة الأفريقية فقط”.

هل هي رغبات الجمهور؟

ورفض د.الدلو المقولة الرائجة بين وسائل الإعلام التي تقول: “الجمهور عاوز كده”، مشيرا إلى أن قنوات كـ”المجد” و”اقرأ” استطاعت أن تشق طريقها في وسط هذا الظلام الدامس، واستطاعت أن يكون لها جمهور بعدما نجحت في استقطابه على مدار الأيام من خلال المضامين التي تقدمها.

وأضاف: “لم تصل أخلاق وقيم الجمهور إلى هذا الحد المتدني، لا سيما أن الجمهور العربي والإسلامي لديه صحوة إسلامية تتجه نحو هذه البرامج الجيدة، خاصة البرامج التي تستخدم أدوات العصر من حيث الأسلوب ونوعية القضايا التي تطرح، وغير ذلك”.

وشدد أستاذ الإعلام قائلا: “لا يجوز -كما يحدث في بعض الفضائيات- بث أفلام وبرامج خليعة، ثم داخل هذه الأفلام نجد تنويهات بمواعيد الصلاة، ومن ثم يرفع الأذان، ثم بعد ذلك يعاد بث الفيلم بما يحوي من مشاهد خارجة، وغير ذلك من الأمور التي تتناقض مع قيمنا وتقاليدنا”!

وقال: “هناك قنوات دينية متخصصة تقدم معلومات في العقيدة والفقه والعبادات وغيرها، لكنها للأسف تعاني قصورا في نواحٍ معينة؛ فهي لا تقدم مثلا رؤية اقتصادية إسلامية، ولا تقدم أخبارا ملتزمة بمنهج الإسلام فيما يتعلق بمواقفه من القضايا المطروحة على الساحة، كالقضية العراقية والشيشانية والفلسطينية”.

ودعا الدلو إلى الاقتداء بأسلوب الداعية عمرو خالد في برنامج “صناع الحياة”؛ كونه يبتعد عن أسلوب الوعظ المباشر، ويعتمد على تفاعل مقدم البرنامج مع الجمهور، إلى جانب اعتماده على استخدام المؤثرات الفنية، مضيفا إضافة إلى نوعية القضايا التي تمس حياة الناس.

ساعة بناء مقابل ساعات للهدم!!

ويتهم الدكتور صالح الرقب -المحاضر بكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية، من مدينة خان يونس- القنوات الفضائية العربية بالعمل على علمنة المجتمعات الإسلامية، منتقدا ندرة الفضائيات التي تقوم بواجب الدعوة إلى الله عز وجل، متسائلا بنبرة حادة: “ساعتان مدة برنامج الشريعة والحياة الذي تقدمه قناة الجزيرة أسبوعيا من أصل 168 ساعة بث أسبوعية؛ فماذا تقدم هذه الفضائيات لدين الله؟!!”.

وقال: “معظم فضائياتنا بنسبة تزيد عن 99.9% هي فضائيات علمانية، مهمتها علمنة أفكار الأمة وأخلاقها وتقاليدها؛ لتكون الأمة بعيدة عن الإسلام؛ فلا تقدم إلا التضليل، ونشر ما يفسد المشاهد وتبعده عن جذوره الإسلامية؛ بل تدعوه إلى ممارسة الجريمة الخلقية وارتكاب الفسوق”!!.

وأشار د.الرقب إلى أن الفضائيات العربية تطلق الأوصاف الحسنة على هؤلاء المفسدين الذين يسمون فنانين وفنانات، وتستخدم الكلمة المثيرة في نشر الضلالات وفي الدعوة للاختلاط وممارسة المنكرات، مضيفا: “إذا كانوا يبنون بساعة واحدة من خلال البرامج الدينية التي يقدمونها؛ فإن وراء ساعة البناء هذه مئات من ساعات الهدم عبر البرامج الخليعة”.

وطالب د.الرقب علماء الأمة والدعاة البارزين ببذل جهد كبير للتأثير في القائمين على الفضائيات العربية، مؤكدا أن الأمر ليس بالأماني والتمني، وقال: “يجب أن يدرك القائمون على هذه الفضائيات مسئوليتهم في الدعوة إلى الإسلام”.

أنشْئِوا محطات إسلامية

ودعا د.الرقب إلى ضرورة أن يكون هناك تعاون عالمي بين علماء الأمة ودعاتها ورجال الأعمال وأصحاب الأموال من المسلمين لينشئوا أكثر من قناة فضائية يشرفون عليها ويقومون باختراع البرامج والأدوات والوسائل الجديدة التي تصل إلى قلوب وعقول المجتمع المسلم المتشوق إلى الدين.

وذكر أن المحطات العلمانية لا تظهر على شاشاتها إلا المشايخ الذين يدارون ويجاملون، ولا يقومون بطرح مشكلات الأمة الحقيقية وحلولها، ولا يتحدثون إلا في مسائل فقهية تتكرر دائما حول الصلاة والطهارة فقط، وهذا يسيء إلى الأمة وإلى تاريخها ومستقبلها.

وقال أستاذ أصول الدين: “كل وسيلة نستطيع أن نوصل الإسلام من خلالها يجب علينا أن نستخدمها، والا كنا آثمين؛ فعلينا أن نستخدم كل جديد وكل وسيلة ممكنة ما دامت ملتزمة بدين الله. وإن كان فيها بعض الخلل فيجب أن نعمل على إصلاحه، ونجمل الأداء بما يتلاءم مع إسلامنا”.

قناة فضائية أزهرية

يُذكَر أن الأزهر الشريف بمصر أعلن عزمه إنشاء قناة فضائية لصد الحملة على المسلمين، وإبراز المنهج الوسطي للدين الإسلامي وسماحته، وإعلان مواقف الأزهر في القضايا المختلفة، تمولها الحكومة المصرية وأموال الزكاة في آن معًا.

وفي تصريحات خاصة لشبكة إسلام أون لاين.نت، يقول الدكتور عبد الرحمن العدوي عضو مجمع البحوث الإسلامية -وهو أعلى سلطة في الأزهر-: “إن إنشاء هذه القناة يعد واجبا وضرورة شرعية، خاصة أن هناك قنوات متخصصة حاليا في محاربة الإسلام والتشكيك في القرآن الكريم.

وفي سياق متصل دعا ممثلون عن القنوات الفضائية العربية إلى استثمار البث الفضائي لتقديم برامج إسلامية موجهة بمختلف لغات العالم، تعبر عن الإسلام الوسطي، وتؤكد احترام الإسلام للعقل والعلم، مطالبين الجهات المعنية بالثقافة الإسلامية بالمساهمة في إنتاج وإعداد هذه البرامج، واستئجار فترات على الفضائيات لبث هذه البرامج لإعطاء صورة صحيحة عن الإسلام، وذلك في ختام اجتماعات مسئولين عن البرامج في الفضائيات العربية نظمت يومي 23 و24 -6-2004 في العاصمة الأردنية.

اقرأ أيضا:

  • انتفاضة الفضائيات.. تكلم بما تشاء
  • تونس.. الفضائيات البديل الأمثل للدعاة
  • فضائيات إسلامية وعربية جديدة لمسلمي الغرب

** صحفي فلسطيني بمكتب الجيل للصحافة.