في عصرنا الحالي، يعاني العديد من الأطفال من مشكلة ضعف التركيز، مما يؤثر على أدائهم الأكاديمي وقدرتهم على التعلم بشكل فعال. قد يكون ذلك نتيجة للعديد من العوامل، منها التأثيرات البيئية، والعادات اليومية، وحتى النظام الغذائي. مع تزايد التحديات التكنولوجية والمشتتات المتاحة بسهولة، يصبح من الضروري أن نبحث عن وسائل فعالة لتنمية التركيز عند أبنائنا. في هذا المقال، سنتناول أهم الأسباب التي تؤدي إلى ضعف التركيز عند الأطفال، ونقدم مجموعة من الاستراتيجيات التي يمكن للأهل والمعلمين استخدامها لتعزيز هذه المهارة الأساسية.

ما أسباب ضعف التركيز عن الأطفال؟

ضعف التركيز عند الأطفال قد يكون ناتجًا عن عدة أسباب، منها الجسدية والنفسية وحتى البيئية. قد يعاني بعض الأطفال من صعوبات في التركيز بسبب قلة النوم أو التغذية غير المتوازنة. كما أن وجود مشكلات نفسية مثل القلق أو التوتر يمكن أن يؤثر بشكل كبير على قدرة الطفل على التركيز. البيئة المحيطة بالطفل، مثل وجود الكثير من المشتتات أو عدم وجود روتين يومي ثابت، قد تسهم أيضًا في ضعف التركيز. بالإضافة إلى ذلك، قد يكون هناك اختلافات فردية في كيفية معالجة الأطفال للمعلومات، مما يتطلب فهمًا لطريقة تعلم كل طفل على حدة.

كيف يمكن تنمية التركيز عند أبنائنا؟

هناك عدة طرق ومنهجيات لتنمية التركيز عند أبنائنا نذكر منها:

1- ألعاب التفكير والتركيز

ألعاب التفكير مثل الألغاز والشطرنج يمكن أن تكون وسيلة فعالة لتنمية التركيز عند أبنائنا. هذه الألعاب تتطلب التفكير النقدي وتساعد على تدريب العقل على التركيز لفترات أطول. يمكن أيضًا استخدام ألعاب الذاكرة والأنشطة التي تتطلب تتابعًا منطقيًا، حيث تشجع هذه الأنشطة الأطفال على التفكير بشكل أعمق وتحسين قدرتهم على التركيز.

ألعاب التفكير والتركيز

2- الاهتمام بالطعام الصحي

النظام الغذائي له تأثير كبير على قدرة الطفل وعلى تنمية التركيز عند أبنائنا بصفة عامة. تناول الأطعمة التي تحتوي على الأحماض الدهنية أوميغا-3، الفيتامينات، والمعادن الأساسية يمكن أن يعزز من وظائف الدماغ. من المهم أيضًا تقليل تناول السكريات والمواد الحافظة التي قد تؤدي إلى تشتت الانتباه. توفير وجبات خفيفة صحية مثل الفواكه والخضروات يساعد في الحفاظ على طاقة الطفل وتركيزه طوال اليوم.

3- وضع روتين العمل والمتابعة

إنشاء روتين يومي ثابت يساعد الطفل على تنظيم وقته والتركيز على المهام الموكلة إليه. عندما يعرف الطفل ما يتوقع منه القيام به في كل وقت، يكون من الأسهل عليه التركيز والانخراط في المهام. متابعة تقدم الطفل بشكل دوري ومكافأته على تحقيق أهدافه يعزز من التزامه وزيادة تركيزه.

4- النوم الصحي

النوم الجيد هو أحد أهم العوامل التي تؤثر على قدرة الطفل على التركيز. يحتاج الأطفال إلى عدد كافٍ من ساعات النوم ليلاً ليتمكنوا من الاستيقاظ بحيوية ونشاط. قلة النوم تؤدي إلى ضعف في القدرة على التركيز، التشتت، وحتى انخفاض في الأداء الأكاديمي. لذلك، من الضروري وضع جدول نوم منتظم وتوفير بيئة هادئة للنوم.

5- فهم طريقة تعلم طفلك (بصري، سمعي، حركي)

لكل طفل طريقة مفضلة في التعلم، وفهم هذه الطريقة يمكن أن يساعد في تحسين التركيز. بعض الأطفال يستجيبون بشكل أفضل للمعلومات البصرية، بينما يفضل آخرون التعلم السمعي أو الحركي. من خلال تقديم المعلومات بالطريقة التي تناسب أسلوب تعلم الطفل، يمكن تحسين تركيزه وفهمه للمادة.

6- وضع أهداف زمنية قصيرة

وضع أهداف زمنية قصيرة ومحددة يمكن أن يحفز الطفل على التركيز بشكل أفضل ويساعد على تنمية التركيز عند أبنائنا. عندما يكون للطفل مهمة يجب إنجازها خلال وقت معين، فإن ذلك يشجعه على التركيز على المهمة الحالية بدلاً من الانشغال بأمور أخرى. تقسيم العمل إلى مهام صغيرة ومكافأة الطفل عند تحقيق كل هدف يعزز من تركيزه.

7- تشجيع الطفل

التشجيع والدعم العاطفي لهما دور كبير في تنمية التركيز عند أبنائنا. تقديم كلمات تشجيعية وتحفيز الطفل عند إنجاز المهام يساعد في بناء ثقته بنفسه وزيادة التزامه. كما أن الشعور بالتقدير والاحترام يعزز من رغبة الطفل في التركيز والتفوق.

8- توزيع المهام حسب الطاقة

من المهم توزيع المهام الدراسية والأنشطة اليومية وفقًا لقدرة الطفل على التركيز في أوقات معينة من اليوم. بعض الأطفال يكونون أكثر تركيزًا في الصباح، بينما يجد آخرون أنهم يعملون بشكل أفضل في فترة ما بعد الظهر. معرفة الوقت الذي يكون فيه الطفل في قمة طاقته يمكن أن يساعد عموما في تنمية التركيز عند أبنائنا وتحسين التركيز والاستفادة القصوى من أوقاتهم.

تنمية التركيز عند أبنائنا

كيفية التعامل مع الطفل عديم التركيز؟

تنمية التركيز عند أبنائنا يحتاج إلى التعامل مع الطفل عديم التركيز، وهو ليس بالأمر السهل ولا بالأمر الصعب، لكنه يحتاج بعض الصبر إضافة إلى الأمور التالية:

1- منح الطفل الاهتمام الكافي

الأطفال الذين يشعرون بالإهمال قد يعانون من ضعف في التركيز. لذلك، من الضروري أن يشعر الطفل بأنه يحظى بالاهتمام الكافي من والديه ومعلميه. هذا يمكن أن يتضمن قضاء وقت نوعي معه، الاستماع له، والمشاركة في أنشطته اليومية.

2- تقسيم المهام الكبيرة إلى مهام صغيرة

تقسيم المهام الكبيرة إلى مهام أصغر يمكن أن يسهل على الطفل التركيز وإكمال المهمة. عندما يواجه الطفل مهمة تبدو له صعبة أو كبيرة، قد يشعر بالإحباط ويفقد تركيزه. تقسيم المهمة إلى أجزاء صغيرة يجعلها تبدو أكثر قابلية للتحقيق ويزيد من فرص التركيز على كل جزء بشكل فعال.

3- استخدام الألعاب في العملية التعليمية

يمكن تحويل الدروس إلى ألعاب تعليمية ممتعة لتعزيز التركيز. الأنشطة التفاعلية التي تجمع بين التعلم واللعب تجعل الطفل أكثر اهتمامًا بالموضوع وتزيد من مستوى التركيز لديه وتساعد في تنمية التركيز عند أبنائنا بشكل عام. الألعاب التعليمية تعطي الطفل فرصة للتعلم بطريقة غير تقليدية وتكسر الروتين اليومي.

4- ممارسة التمارين الرياضية

التمارين الرياضية تساهم بشكل واضح في تنمية التركيز عند أبنائنا وتساعد في تحسين التركيز وزيادة القدرة على الانتباه. الحركة والنشاط البدني يعززان من تدفق الدم إلى الدماغ، مما يحسن من وظائفه. يمكن تشجيع الطفل على ممارسة الأنشطة الرياضية المفضلة لديه كجزء من روتينه اليومي.

5- التقليل من الألعاب الإلكترونية ومشاهدة التلفاز

الاستخدام المفرط للألعاب الإلكترونية ومشاهدة التلفاز يمكن أن يؤثر سلبًا على قدرة الطفل على التركيز. هذه الأنشطة قد تسبب تشتتًا ذهنيًا وتقلل من قدرة الطفل على الجلوس والتركيز لفترات طويلة. من الضروري تحديد وقت محدد لاستخدام هذه الأجهزة وتشجيع الطفل على الانخراط في أنشطة أخرى مثل القراءة أو اللعب التقليدي.

الأطعمة التي تساعد على التركيز

بعض الأطعمة أيضا تساعد في تنمية التركيز عند أبنائنا، وتساعد على تحسين التركيز وزيادة القدرة الذهنية لدى الأطفال. مثلًا، الأسماك الدهنية الغنية بالأوميغا-3 تساهم في تحسين وظائف الدماغ. الفواكه مثل التوت والموز تحتوي على مضادات أكسدة وفيتامينات تعزز التركيز. المكسرات والبذور تعتبر أيضًا مصدرًا جيدًا للأحماض الدهنية والبروتينات التي تدعم التركيز. الشوكولاتة الداكنة يمكن أن تكون خيارًا جيدًا لزيادة اليقظة والتركيز بفضل احتوائها على الكافيين ومضادات الأكسدة.

كيف أجعل المذاكرة ممتعة للطفل؟

لجعل المذاكرة ممتعة للطفل، يمكن تحويلها إلى لعبة أو نشاط تفاعلي. استخدام الألوان والرسوم البيانية والخرائط الذهنية يمكن أن يجعل المواد الدراسية أكثر تشويقًا. كما يمكن استخدام أسلوب المكافآت لتحفيز الطفل على الدراسة، حيث يتم تقديم مكافأة صغيرة بعد إكمال كل مهمة. إيجاد بيئة دراسية مريحة وخالية من المشتتات أيضًا يعزز من متعة المذاكرة ويزيد من تركيز الطفل.

مثال على تركيز طفل بعمر 5 سنوات

يعتقد الكثير من الآباء والأمهات وحتى المتخصصين في التربية، أن أحد أهم مشاكل الأولاد هي ضعف التركيز، وكثيرا ما يتكرر لدثيهم سؤال كيف يمكن تنمية التركيز عند أبنائنا؟ حيث تعتقد الأمهات بأنه ليس من الأهمية أن يساعد الطفل في هذه السن، على أن يكون لهم موقف إيجابي تجاه المدرسة أو الدروس، فتكون النتيجة هي إهمال هذا الجانب، فتكبر وتزداد بعض الأمور – التي لا نسمِّيها في هذه السن مشكلة – لتتطور وتصبح مشكلة، ثم معضلة، ثم كارثة.

تركيز الطفل ذي الخمس سنوات لمدة 5 دقائق فقط هذا طبيعي جدًّا (مدة التركيز = السن. يمكن إضافة دقيقة أو دقيقتين على الأكثر، هذا يعني أن تركيز ابن الخامسة هو في معدله الطبيعي 5 دقائق فقط).

و هناك حقيقتان مرتبطتان بموضوع تنمية التركيز عند أبنائنا لا بد من الإشارة إليهما؛ لأنهما تعينا الأمهات على فهم الحدود الفاصلة بين الطبيعي والسلوك غير الطبيعي الذي يحتاج إلى مساعدة.

أولا: لا ارتباط بين نشاط الطفل وحركته وذكائه، وبالتالي مستواه الدراسي، فهناك أطفال “لا يجلسون على الكرسي وكثيرو الحركة” هنا وهناك بداخل الفصل، ولكن مع ذلك يثبتون قدرتهم على الاستيعاب الجيد لما يقال، والإجابة على كل الأسئلة التي توجه إليهم، وهذا يدعونا لعدم الانزعاج، وقد قال رسول (صلَّى الله عليه وسلم) فيما رواه عنه الترمذي: “عراقة الصبي في صغره زيادة في عقله عند كبره”.

ثانيا: أن كثير من مناهج الروضة وأساليب التدريب في عالمنا العربي لا تراعي إمكانيات الأطفال، وبصفة خاصة مسألة تنمية التركيز عند أبنائنا ومعرفة قدرتهم المحدودة على التركيز؛ ولذا يعتمدون في المدارس الأجنبية وفي الغرب على التنوع الشديد في توصيل المعلومة، فليس لديهم – مثلما الحال عندنا في بلادنا العربية – واجب منزلي يطلب فيه كتابة الحرف الواحد 20 مرة، حتى إن بلدًا مثل ألمانيا تقاضي المدرس وتحاكمه لو طلب من طفل دون السادسة الإمساك بالقلم وكتابة الحروف بدقَّة أكثر من مرة أو مرتين، فذلك لا يتواءم مع النمو العضلي لطفل الرابعة أو الخامسة.

نصائح إلى الأم

إذن ما السبيل – لنكون أكثر دقة – في تنمية التركيز عند أبنائنا وتنمية قدرة طفل الخامسة على التركيز أثناء الدراسة، عليك أيتها الأم القيام ببعض المهام البسيطة:

-لا تدفعي ابنك إلى الجلوس فترات طويلة، ولكن ابدئي بمدة بسيطة (10 دقائق – 15 دقيقة) على أكثر تقدير، تجلسين خلال هذه الفترة بجانبه تشجعينه على القيام بواجبه، بينما أنت تقومين بالثناء على حرصه على تحسين خطه، وعلى إقباله على العملية التعليمية.
-حدِّدي له مكافأة لو استطاع التركيز فيما هو مطلوب منه لمدة تحددينها (10 دقائق مثلاً) وتشرحين له – ماسكةً بساعةٍ كبيرة أمامه -: “عندما يقترب العقرب من هذا الخط تكون المدة المحددة قد انتهت”.

لا يفضل أن تكون المكافأة دائمًا ودومًا مادية، التنوع مطلوب، فلتكن مرة مادية بسيطة، ومرة معنوية كالتنزه معه، أو مع والده، أو زيارة لأحد الأصدقاء.

-توصيل رسالة إلى الطفل “نحن جميعًا نسعى لراحتك”؛ ولذلك سوف نقسم الواجب إلى مرحلتين مرحلة (10 دقائق)، ثم راحة، ثم تتبعها مرحلة ثانية (10 دقائق)، وليكن أسلوب الكلام مع الصغير مفعم بالتشجيع والثناء عليه، هذا هام، بل في قمة الأهمية؛ حتى لا يتسرب إليه شعور بأن المدرسة والدراسة همٌّ وغم لا مفرَّ منه.

-اجعلي كل همَّك ليس قيامه بواجباته، ولكن نعلمه بأن يلتزم دومًا بالقيام بما هو مطلوب منه على أكمل وجه، وهذا السلوك ليس وليد يوم وليلة، بل وليد التشجيع والترحاب بكل إنجاز ولو بسيط من ناحية، والحزم في ضرورة القيام بما هو مطلوب من ناحية ثانية.

-إذا كان ابنك من هؤلاء الأبناء الأحباء الذين سريعًا ما ينتهون مما يطلب منهم بداخل الفصل، ويستغلون فائض وقتهم بالقفز في الفصل، فهذا معناه أنه يحتاج إلى تخريج طاقته في شيء ما، ولا يستطيع الصبر حتى ينتهي باقي الزملاء من الدرس، هذا النوع من الأولاد يحتاج دومًا إلى شغله بشيء ما، فإن كانت هذه هي شكوى مدرِّسَته من سلوكه بداخل الفصل فما عليك سوى – بالتنسيق مع المدرسة – إعطائه شيئًا يرسمه أو يلوِّنه حالما ينتهي من درسه.

هذه بعض الخطوات العملية لتنمية التركيز عند أبنائنا، وهناك خطوات أخرى، قد تشبه أو تختلف من مجتمع إلى آخر.

وعلى العموم، تنمية التركيز عند أبنائنا هي عملية تحتاج إلى جهد مشترك من الأهل والمعلمين. من خلال اتباع الاستراتيجيات المختلفة مثل تحسين النمط الغذائي، تنظيم الروتين اليومي، وفهم طريقة تعلم الطفل، يمكننا مساعدة أبنائنا على تحسين قدرتهم على التركيز والتعلم بشكل أفضل. التعامل مع الأطفال الذين يعانون من ضعف التركيز يحتاج إلى صبر ودعم مستمر، ولكن مع الوقت والاهتمام، يمكن تحقيق تقدم ملحوظ في هذا المجال.