أ.د. عبد المجيد النجار
14/01/2004 

أعضاء من المجلس الأوربي للإفتاء والبحوثيتمحور بحث د. عبد المجيد النجار حول فكرة مركزية، وهي محاولة التأسيس لقواعد أصولية لفقه الأقليات لتشكل منهجا علميا يعيد تأسيس العلاقة مع الغرب على أساس التعارف الحضاري، وتؤسس لتبليغ الإسلام بالدعوة الحضارية السلمية.

يبين في مدخل بحثه أن شريعة الإسلام جاءت حاكمة على حياة الناس في كل ظرف زماني ومكاني وفي كل الأحوال، غير أن بيان الشريعة للأحكام لم يكن كله على مستوى واحد، فقد تراوح بين الإجمال والتفصيل، مع تناوله لجميع مناحي الحياة. ومن معاني خاتمية الرسالة الإسلامية، تأكيدها على المفهوم الجماعي للتدين، غير أن المسلمين في الغرب يجدون أنفسهم في أوضاع يكونون فيها متدينين في خاصة أنفسهم، أو في علاقات ضيقة تدار بينهم، ولكنهم في علاقاتهم الاجتماعية الواسعة والمتشعبة يكونون خاضعين لسلطان غير سلطان الدين. لذا كان حظ أحوال الوجود الإسلامي التي قد تطوع إليها ظروف الزمان من التفصيل في بيانات الوحي أقل من حظ تلك الحال التي يكون فيها ذلك الوجود جاريا على سلطان الدين في شؤون الجماعة كلها، ولعل الإجمال في هذا جاء ليناسب ذلك التعقيد الخارج عن الوضع المستقر الثابت للجماعة المحكومة بسلطان الدين.

والآن يواجه المسلمون في الغرب تعقيدات متزايدة، تتطلب تأصيلا فقهيا يوفق هذا الوجود الإسلامي لما فيه الخير لهم ولأمتهم، بسطا لقيم الإسلام، واستفادة من الكسب الحضاري الغربي، لتكون العلاقة بين الإسلام والغرب مؤصلة على أصول دينية، مثمرة للتعايش السلمي والتعارف الحضاري، عاصمة من الصراع. هذا التأصيل هو الذي يعنيه د. النجار في هذه الورقة بالتأصيل لفقه الأقليات المسلمة في المجتمعات الغربية.

الأقليات.. وفقه الأقليات: تحديد المفاهيم

الأقليات.. وفقه الأقليات: مصطلحات حديثة عهد بالتداول بين المهتمين بهذا الشأن، ولا يزال الحوار فيها قائما. وقد راج مصطلح الأقليات في عصرنا وأصبح له بعد سياسي واجتماعي وقانوني نتيجة الهجرات والاختلاطات، والاختلافات الثقافية والحضارية، مع الاحتكاك فيما بين الجماعات المختلفة.

ويشير مصطلح الأقليات المسلمة إلى عنصرين في تحقق وصف الأقلية هما: القلة العددية لمجموعة ما تعيش في مجتمع أوسع، والتميز دون سائر ذلك المجتمع بخصوصيات أصلية في الثقافة أو في العرق. ويعتبر القانون العام الذي يُطبق في المجتمع الذي توجد به الأقلية عنصرا مهما في تحديد مفهوم هذا المصطلح. أما فقه الأقليات فلا يتجاوز شيوعه في الاستعمال عقدا أو عقدين، ولعل منشأه ارتبط بالجالية الإسلامية في البلاد الغربية، فمع تشعب حياتها وتعقيداتها بدأت تشعر بكيانها الجماعي ذي الخصوصية الدينية في مهجرها.

ويؤكد د. النجار أكثر من مرة على أن فقه الأقليات ليس منعزلا عن الفقه الإسلامي العام، ولا هو مستمد من مصادر غير مصادره، أو قائم على أصول غير أصوله. فمن حيث ثمرات الفقه من الأحكام ينبني الجسم الأكبر لفقه الأقليات على ثمرات الفقه العام نفسها، غير أنه يلجأ إلى اجتهادات كانت مرجوحة، أو غير مشهورة، أو متروكة لسبب أو آخر من أسباب الترك، فيستدعيها، وينشطها ويحييها لما يُرى فيها من مناسبة لبعض أوضاع الأقلية المسلمة تتحقق بها المصلحة.

ومن حيث الأصول والقواعد، يعمد هذا الفقه إلى استعمال القواعد الفقهية والمبادئ الأصولية؛ ما يُرى منها أكثر فائدة في توفيق أحوال الأقلية إلى حكم الشرع، ويوجهها توجيها أوسع في سبيل تلك الغاية، وربما استروح من مقاصد الشريعة ما يستنبط به قواعد اجتهادية لم تكن معهودة في الفقه الموروث.

فقه الأقليات في التراث الفقهي

انبنى الفقه الإسلامي على معالجة الحياة الواقعية للمسلمين، غير أن واقع الوجود الإسلامي – عند نشأة الفقه وطيلة فترة ازدهاره الحية بحركة الاجتهاد – كان واقعا يقوم على سلطان الدين، فلم يعرف ذلك الوجود جماعات واسعة من المسلمين تعيش في مجتمعات غير إسلامية يخضعون بها في علاقاتهم الاجتماعية العامة لسلطان غير سلطان دينهم. وبسبب هذا، كان البيان الفقهي الذي يتناول الأحكام والمستجدات خارج هذا الوجود بيانا جُمَليا عاما.

وعندما تَشخص مثل ذلك الوجود الإسلامي المحكوم بغير سلطان الدين (مثل ما حصل للمسلمين عند سقوط الأندلس، وما كان من أمرهم ببعض البلاد الآسوية والإفريقية حينما تزايدت أعدادهم وتوسعت جماعاتهم مع بقائهم أقليات مسلمة) تزامن مع مرحلة الضعف الاجتهادي، والأيلولة إلى التقليد والجمود، فلم يكن هذا الفكر الفقهي قادرا على أن يتناول هذه الظاهرة الجديدة بمعالجة فقهية أصيلة شاملة، لذا لم يكن لفقه الأقليات في طوريه السابقين بيان ثري يتناول – بشمولٍ – أحكام العلاقات الاجتماعية للمسلمين، وتصرفاتهم.

وقد استصحب هذا الوضع في المدونة الفقهية بالنسبة لفقه الأقليات وضعا مشابها في مدونة أصول الفقه الذي نشأ متأخرا عن علم الفقه.

التأصيل لفقه الأقليات.. ضرورته وموجهاته

طوح الزمان بالأمة الإسلامية في عهودها الأخيرة إلى وضع لم تكن له سابقة في ماضيها، وهو وضع المغلوبية الحضارية لأمم أخرى، كما يسميها النجار. وبالرغم من الاهتمام المتزايد بشأن الوجود الإسلامي بأوروبا، وما راكمه من فقه، ظل يفتقر إلى الحلقة الأساسية من حلقات النظر الفقهي التي من شأنها أن توجه إلى الاجتهاد وترشده ليبلغ مداه المأمول، ألا وهي حلقة التأصيل الفقهي متمثلا في تقعيد أصولي فقهي لفقه الأقليات مختص به، ومبني على مراعاة خصوصية الوضع الذي يعيشه المسلمون بالبلاد الأوروبية من جهاته المختلفة.

ولا يكون هذا التأصيل موفيا بالغرض إلا بأن يبنى على أصول ومبادئ موجهة، تقوم عليها أركانه، وتتأسس قواعده، مأخوذا بنظر خاص يستجيب به لخصوصية الوجود الإسلامي بأوربا.

هذه المبادئ الموجهة لتأصيل فقه الأقليات – في نظر النجار – ليست مجرد أصول فنية تفضي إلى قواعد للاستنباط الصحيح للأحكام والفتاوى في شؤون الأقليات المسلمة من مداركها الشرعية، وإنما هي أصول تنطوي – بالإضافة إلى ذلك – على بعد دعوي تبليغي تحتل فيه مقاصد الدين العامة ومغازيه الكلية، الموقع المرموق، ولعل من أهم تلك الأصول التي تتأسس عليها هذه المعاني ما يلي:

أولا ـ حفظ الحياة الدينية للأقلية المسلمة:

لتكون هذه الحياة – في بعدها الفردي والجماعي – إسلامية في معناها العقدي والثقافي، وفي مبناها السلوكي والأخلاقي، منتهجة في ذلك منهج المواجهة لما تتعرض له من غواية شديدة من قِبل الحضارة الغربية في بنائها الفلسفي والثقافي والسلوكي، والمواجهة أيضا لمغلوبية حضارية متمكنة في شعور تلك الأقلية من شأنها أن تبسط لتلك الغواية منافذ واسعة للتأثيرالذي يعصف بالتدين في النفوس والأذهان كما في الأخلاق والأعمال. وفي توجيهه لتأصيل فقه الأقليات يكون الفقيه مستصحبا لمقتضيات ما يكون به حفظ الوجود الديني للأقليات المسلمة بناء على خصوصية الظروف التي تعيشها والتحديات التي تواجهها.

ثانيا ـ  مراعاة خصوصية أوضاع الأقليات:

إن القاعدة العريضة للأقليات المسلمة في الغرب هي قاعدة مهاجرة بدوافع الحاجة، إما طلبا للرزق، أو طلبا للأمن، أو طلبا للعلم، أو طلبا للظروف المناسبة للبحث العلمي، لذا كان هذا الوجود هو – في عمومه – وجود حاجة لا وجود اختيار، وليست فكرة المواطنة الشائعة اليوم بين هؤلاء المهاجرين مشيرة إلى ضرب من الاختيار، ولكنها تطور لا يتجاوز عمره سنوات قليلة، وهي فكرة لم يعتنقها بعد القسم الأكبر من الأقلية المسلمة بالغرب، كما يرى د. النجار.

وجدت هذه القاعدة العريضة نفسها في خضم ثقافة غربية مغايرة لثقافتها، بل مناقضة لها في  بعض مفاصلها المهمة، وليست هوية هذه القاعدة مجرد هوية انتماء شخصي، بل هي أيضا هوية تعريف وتبليغ وعرض في بعدها الديني والحضاري.

ومن أهم تلك الخصوصيات التي ينبغي اعتبارها في هذا التأصيل ما يلي:

ـ  خصوصية الضعف النفسي، والاقتصادي والسياسي والاجتماعي، والدونية الحضارية.

ـ  خصوصية  الإلزام القانوني الذي يعارض في كثير من الأحيان قوانين هوية المسلمين.

ـ  خصوصية الضغط  الثقافي حيث تواجه الأقلية المسلمة سطوة ثقافة مغايرة.

ـ  خصوصية التبليغ الحضاري فالميراث الحضاري الذي تحمله الأقلية المسلمة ليس ميراثا طبيعته الانكفاء والسكون.

 ثالثا ـ التطلع إلى تبليغ الإسلام:

وذلك سعيا إلى التعريف به لدى غير المسلمين، منتهجا في ذلك منهجا يأخذ بعين الاعتبار المسالك النفسية والاجتماعية والثقافية والفكرية التي منها يمكن أن يأخذ الدين طريقه إلى النفوس بينا واضحا. وهذا التأصيل إذا كان ملاحظا فيه البعد الدعوي على نحو ما ذكر د. النجار، ينبغي أن يستصحب خصوصيات ما تقوم به الدعوة في الظروف الأوروبية بمعطياتها النفسية والثقافية والاجتماعية والفكرية، لينشأ منه – بهذا الاستصحاب – فقه للأقليات ذو صبغة دعوية لا يقتصر على أحكام وفتاوى تحفظ على الأقليات دينها فحسب، وإنما تصاغ فيه تلك الأحكام والفتاوى صياغة فقهية تبسط من روحها الدينية السمحة إلى النفوس الحائرة والأفكار الضالة والعلاقات الاجتماعية المتأزمة ما تنفتح له طبيعتها بما تجد فيها من أمل العلاج لأزمتها، فتقبل على الدين من خلال ذلك الفقه، ويحقق مقصد الدعوة هدفه بفقه للأقلية موجه في تأصيله بتطلع دعوي يروم التعريف بالإسلام في الربوع الأوروبية.

رابعا ـ التأصيل لفقه حضاري:

هذا التأصيل يُطلب ليشرع في حياة الأقليات المسلمة عبادة لله تعالى بمعناها العام الذي يشمل كل وجوه الحياة الفردية والجماعية في علاقة المسلمين بعضهم مع بعض، وعلاقتهم بالمجتمع الذي يعيشون فيه، وعلاقتهم بالمحيط البيئي الذي هو مجال حركتهم، بحيث تتناول أحكام الشريعة في هذا الفقه ما به تترقى جماعة المسلمين في ذاتها الإنسانية ترقية فردية بالعلم والفضيلة، وترقية جماعية بالتراحم والتعاون والتكافل، وما به تكون شاهدة على الناس شهادة قول وشهادة فعل بتبليغ الخير الديني والدعوة إليه، وما به تكون مرتفعة للمقدرات الكونية.

إنه تأصيل فقه من شأنه أن يصنع من حياة المسلمين بأوروبا أنموذجا حضاريا إسلاميا شاملا خاضعا لله تعالى في شموله لوجوه الحياة.

 خامسا ـ التأصيل لفقه جماعي:

يشكل منطلقا لتزكية الجماعة المسلمة والجماعة الإنسانية في حياتها المشتركة؛ لأن هذه الأقليات تعيش في المناخ الاجتماعي الأوروبي الذي تطورت فيه بأقدار كبيرة مظاهر التعاون الجماعي، وبنيت فيه القوانين على ذلك التعاون، كما يبدو إداريا في مظهر المؤسسات الجماعية التي تدير الحياة الاجتماعية الأوروبية برمتها، وكما يبدو إنسانيا في تحقيق التكافل بما يحقق الكفاية في إقامة الحياة لكل المنخرطين في المجتمع الأوروبي.

إن التأصيل لقواعد فقه الأقليات الذي نحن بصدد الحديث فيه إذا ما توجه بهذه الموجهات الخمسة التي نعدها – كما يقول د. النجار – من أهم موجهاته المنهجية، نحسب أنه تنشأ منه قواعد أصولية فقهية تشكل منهجا في النظر الفقهي بخصوص الوجود الإسلامي بأوروبا، من شأنه أن يثمر فقها للأقليات يثرى في نطاق النظر الفقهي العام بخصوصيات كفيلة بأن تحقق قدرا كبيرا من النفع بالديار الأوروبية.

القواعد الأصولية لفقه الأقليات.. وأمثلتها

لئن كانت القواعد الأصولية الكثيرة تغطي بتنوعها كل مجالات الاستنباط الفقهي إلا أنها – مع ذلك – لم تكن على سواء في طبيعتها من حيث الشمول والجزئية؛ فإن  بعضا منها كان أوفر حظا في الاستخدام الفعلي من بعض، تبعا للتفاوت في حجم الاهتمام الذي وقع به تناول أوجه الحياة بالنظر الاجتهادي الفقهي لأسباب راجعة إلى ظروف وملابسات النظر الفقهي نفسه، نحو ما نرى من تفاوت في حجم الاهتمام بالاجتهاد الفقهي بين مجال العبادات والأنكحة والبيوع من جهة، وبين مجال السياسة الشرعية وأوضاع الأقليات المسلمة من جهة أخرى.

وهذا التفاوت أفضى إلى تفاوت بينها في النضج باعتبارها آلات منهجية للاجتهاد، وتفاوت بينها في درجة حضورها في الذهنية الفقهية الاجتهادية، وفي مقدار تأثيرها فيها وأثرها في نتائجها من الأحكام تبعا لذلك، كما هو ملحوظ – على سبيل المثال – من تفاوت في كل ذلك بين قواعد الدلالات وقواعد القياس وقواعد التحوط من جهة، وبين قواعد مآلات الأفعال وقواعد الموازنات والقواعد التي تجوز في بعض الحالات ما لا تجوزه في بعض من جهة أخرى.

إن ما يطرحه د. النجار في هذه الورقة من فكرة التأسيس لقواعد أصولية لفقه الأقليات إنما يعني به – أول ما يعني – أن يقع الاتجاه البحثي على تلك القواعد الأصولية التي من شأنها أن تفيد إفادة كبيرة في فقه الأقليات، فتؤخذ بعناية دراسية خاصة، مع ما تقتضيه تلك الخصوصية من مقتضيات التوجيه والتكيف والترتيب.

ويمكن أن تتم تلك المعالجة الأصولية للقواعد المتعلقة بفقه الأقليات بوجوه متعددة. منها أن يجمع منها ما هو شديد الصلة في مقاصده بأحوال الأقليات المسلمة وأوضاعهم، وما هو بين الإفادة في المعالجة الشرعية لتلك الأحوال، ثم يرتب في نسق متكامل ينظمه منهجيا الغرض المشترك والوجهة الجامعة.

ومنها أن تشرح تلك القواعد شرحا يكشف عما تختزنه من إمكانيات اجتهادية في الاستنباط الفقهي، ومن مقاصد وحكم تنطوي عليها تلك الإمكانيات، ما كان من ذلك معلوما متداولا وما قد يكون منه غير معلوم ولا متداول.

ومنها أن تكيف تلك القواعد في صياغتها وفي ترتيبها وفي شرح حكمها وارتياد أبعادها بما تكون به مهيأة للإفادة في فقه الأقليات، وأن توجه في كل ذلك توجيها يخدم ذلك الغرض بما يضرب لها من الأمثلة التطبيقية الموضحة لمعانيها والشارحة لمغازيها، وبما يُكشف من آثار لمقاصدها متعلقة على وجه الخصوص بأحوال الأقليات وأوضاعهم.

ومنها أن يُستروح من مجموع القواعد الأصولية المتداولة على وجه العموم، ومن بعضها على وجه الخصوص، بعض الحكم والأسرار التشريعية فيتكون كيان معرفي متجانس منهجيا موحد غائيا يمكن أن يسمى – على سبيل المثال – بكيان “القواعد الأصولية لفقه الأقليات”.

 نماذج من قواعد فقه الأقليات:
ومن النماذج التي يمكن تقديمها كأمثلة على ما تقدم:
أولا ـ قاعدة مآلات الأفعال:

فكثير من تلك الأحكام حينما تطبق في أوضاع الأقلية المسلمة التي تعيش في مجتمع إنما يحكمه سلطان قانون وضعي وضعه وينفذه غير المسلمين عليهم وعلى غيرهم، فإنها تؤول – عند التطبيق الواقعي – إلى عكس مقصدها، فإذا ما شُرع الحكم للمصلحة يؤول تطبيقه في هذا الوضع إلى مفسدة والعكس صحيح.

ثانيا ـ قاعدة الضرورات تبيح المحظورات:

فالضرورة في حياة الأقليات المسلمة يختلف تطبيقها عنه بالنسبة لحياة المسلمين في المجتمع الإسلامي، بل قد يتسع مفهومها أيضا بين الوضعين، إذ المسلمون في البلاد الأوروبية محكومون بقانون الوضع المخالف في كثير منه لأحكام الشرع، وهم ملزمون بأن ينفذوا ذلك القانون في حياتهم الاجتماعية.

ثالثا ـ قواعد الموازنة بين المصالح والمفاسد:

فالمجتمع الأوروبي الذي تعيش به الأقلية المسلمة لا تتمايز فيه بسرعة وجلاء مظاهر الفساد وآثاره، من مظاهر الصلاح وآثاره؛ لشدة تشابكه وتعقيده. ومجال الصلاح والفساد الذي نعنيه في هذا المقام هو مجال الحياة الاجتماعية بمعناه الشامل سياسة واقتصادا وتربية وعلاقات إنسانية، وهو أوسع بكثير من المجال الأخلاقي.

إن الهدف من هذه الورقة التأسيس لمنهج أصولي متميز ومتخصص يكون منهجا علميا شرعيا يعتمده النظر الفقهي في شأن الأقليات المسلمة، لينشأ منه فقه يعالج ذلك الشأن معالجة تبلغ به الآمال المعلقة عليه، تعريفا بالإسلام في الديار الغربية فيما يشبه دورة جديدة للتعارف الحضاري بين الإسلام والغرب، ولكنها دورة تتأسس على أسس علمية، هي هذه القواعد الأصولية المنهجية التي تؤسس لفقه الأقليات، وهي – في الحقيقة – تؤسس لتبليغ الإسلام بالدعوة الحضارية السلمية.
طالع أوراق الملف:

اقرأ أيضا: