لا يوجد ما يمنع عقلا ولا عادة ولا شرعا من العثور على سد يأجوج ومأجوج، يقول الشيخ الدكتور عبد الله قادري الأهدل- من علماء اليمن -: نعم، يمكن اكتشافه عقلا،وعادة،وشرعا.
أما عقلا: فلا مانع مطلقا من السير في أرض الله والوصول إلى كل بقعةفيها بالوسائل المتاحة. وأما عادة: فقد اعتاد الناس الأسفاروالانتقال من مكان إلى آخر في الأرض،بَعُدَ أوقربَ،وفي تلك الأسفار تمت اكتشافات كثيرة لما كان مجهولا من الأرض،ومنها قاراتكبرى،كأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية، واستراليا،كما اكتشفت أماكن دقيقة وصغيرة في البحار والأنهار والجبال والشعاب.
واستخدم الناس لتلك الاكتشافات كل الوسائل المتاحة لهم،من المشي على الأقدام،إلى الركوب على الدواب بأنواعها،واستخدام آلات النقل البرية،من العربات التي تجرها الدواب،كالخيول،إلى الدراجة العادية،فالنارية،فالسيارة،فالمراكب القادرة على السير في المسالك الوعرة-جبلية أو مستنقعات وأوحال أو غيرها-كالدبابات والمصفحات..
كما استخدموا وسائل النقل البحرية والنهرية الصغيرة والكبيرة السريعة والبطيئة. وجاء دور الوسائل الجوية من المناطيد إلى الحوامات الصغيرة والكبيرة إلى الطائرات العملاقة،عسكرية ومدنية. ثم المراكب الفضائية،وما زُوِّدت بها تلك المراكب كلها من آلات تصوير مدهشة،تصور أدق التفاصيل في أصغر الكائنات الممكن تصويرها.
هذه الوسائل وغيرها جرت العادة باستخدامها لاكتشاف غالب ما يظهر في المعمورة،ومعنى هذا أن اكتشاف سد يأجوج ومأجوج ممكن عادة،ولا يوجد مانع عادي يمنع من اكتشافه.
وأما شرعا: فلا يوجد نص شرعي-لا من القرآن ولا من السنة-يدل على كونه من الأمور الغيبية التي لا يطلع عليها الناس،بل يستفاد من نصوص الشرع عكس ذلك،وهو معرفة الناس للسد ومعرفتهم ليأجوج ومأجوج، ومن الأدلة على ذلك ما يأتي:
الدليل الأول:أن قبيلتي يأجوج ومأجوج كانتا معروفتين للقبائل التي شكت من اعتدائهما عليها إلى ذي القرنين، (قالوا يا ذا القرنين إن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض…)،الكهف:94.
الدليل الثاني:أن ذا القرنين بلغ المكان الذي كان يأجوج ومأجوج يعيثون فيه فسادا،وهو الذي بنى السد بإعانة أهل البلد المتضررين: (فأعينوني بقوة أجعل بينكم وبينهم ردما) الكهف:95
الدليل الثالث:أن خروج يأجوج ومأجوج من أمارات الساعة وعلاماتها،وأمارات الساعة تظهر للناس،وخروجهم يكون من ذلك السد فلا بد أن يرى الناس خروجهم والمكان الذي يخرجون منه،وأخبر الله تعالى إن يأجوج ومأجوج ستُفتَح-أي يُفتَحُ السد الذي كان يحول بينهم وبين الخروج-كما قال تعالى: (حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون واقترب الوعد الحق.. ) الأنبياء:96، 97 وفتحه من أمارات الساعة،وأمارات الساعة ليست كالساعة التي لا يعلمها إلا الله،ولو كانت لا تظهر للناس ولا يطلعون عليها لما صح أن تكون أمارات.
الدليل الرابع: أن الرسول ﷺ قد أخبرنا قبل موته أن رَدْمَ يأجوج ومأجوج-الذي قال الله تعالى فيه،بعد أن بناه ذو القرنين: (فَمَا اسْطَاعُوا أَن يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا) الكهف:97-قد نُقِب وفُتِحَ شيء يسير منه،وهذا الفتح اليسير هو بداية ما أخبر الله به في سورة الأنبياء أنه سيحدث،ففي حديث زينب بنت جَحش،رضي الله عنها،أن النبي ﷺ،دخل عليها فَزِعا يقول: (لا إله إلا الله ! ويل للعرب من شر قد اقترب،فُتِحَ اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثلُ هذه) وحَلَّقَ بإصْبَعِه الإبهام والتي تليها.قالت زينب:ابنة جحش:فقلت:يا رسول الله ! أنهلِك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم إذا كَثُر الخَبَث). وهو دليل على أن يأجوج ومأجوج قد استطاعوا أن يحدثوا في السد من النَّقْبِ ما يتمكنون به من الخروج منه.
من هم يأجوج ومأجوج؟
إن يأجوج ومأجوج قبيلتان من بني آدم،وهم من ذرية يافث بن نوح عليه السلام،كانوا متوحشتين احترفوا الإغارة والسلب والنهب والقتل والظلم من قديم الزمان،وكانوا يقطنون الجزء الشمالي من قارة آسيا،شمالا وغالب كتب التاريخ تشير إلى أنهم منغوليون تتريون،وأن موطنهم يمتد من التبت والصين جنوبا إلى المحيط المتجمد الشمالي،وأنهم عاصروا قورش الذي بنى سد دانيال.
كما ذُكِرَ أنهم مروا في إفسادهم في الأرض بسبعة أدوار،كانت بدايتها قبل (5000آلاف سنة) وآخرها:هجوم جنكزخان على الحضارة الإسلامية،فهم أسلافه.
وقد ذكر بعض المؤرخين حكايات غريبة عن يأجوج ومأجوج،والصحيح أنهم كبقية بني آدم في الطول والقصر وغير ذلك.
وقد بنى الصينيون سورهم العظيم لحماية أنفسهم من هجمات القبائل المغولية التي لا زالت تقطن في شمال الصين وشمال غربه إلى الآن،وقد احتلوا الصين فترة من الزمن كما هو معروف.
وهذا يدل على أن يأجوج ومأجوج ليسوا هم الصينيين،ولكن ذلك لا ينافي تكاثر قبيلتي يأجوج ومأجوج واستيلائهما على الصين وغيرها من البلدان المجاورة في آخر الزمان،ويكون خروجهم جميعا وفسادهم الأخير في الأرض عند نزول عيسى عليه السلام، ويكون الصينيون وغيرهم معهم،ويكون إطلاق يأجوج ومأجوج على الجميع من باب التغليب،إما لكثرتهم وغلبتهم على سواهم،وإما لكونهم القادة عندئذ،وهذا أسلوب معروف في اللغة العربية،هذا مع العلم أن كثيرا من التتر والمنغول-الذين هم أصل يأجوج ومأجوج-أصبحوا من قوميات الصين الآن.
من هم الذين شكوا إلى ذي القرنين من إفساد يأجوج ومأجوج وطلبوا منه بناء السد لحمايتهم منهم؟
أما القبائل التي استنجدت بذي القرنين لحمايتهم من يأجوج ومأجوج، فقد أشار القرآن الكريم على أنهم في جهة مشرق الشمس،وأنهم ضعفاء متأخرون في الحضارة،إذ لم يكن لهم من البنيان ما يسترهم من وهج الشمس،وأنهم لا يكادون يفقهون ما يقال لهم-ولكن الله هيأ لذي القرنين من الأسباب ما يجعلهم يفقهون عنه ويفقه عنهم-.
ويرى بعض المؤرخين أنهم كانوا يقطنون في شمال أذربيجان وجورجيا وأرمينيا…ويطلق عليهم اليونانيون اسم: (كولش).
والله أعلم.
( نقلا عن موقع علماء الشريعة، وقد نشرت على الموقع بتاريخ -11/6/1428هجرية)5>