لشهر رمضان طابع مميز في تعامل المرء مع نفسه، فكثير منا يحرص على الاستفادة القصوى من بركات هذا الشهر الكريم ورحماته في الارتقاء بعباداته وتربية نفسه وتهذيب أخلاقه وتحسين سلوكياته، لكنْ قليل منا من يلتفت إلى أهمية الاستفادة بأجواء رمضان المباركة في تربية أبنائه والارتقاء بهم وغرس بعض المعاني والقيم الطيبة في نفوسهم، وفي السطور التالية نعرض لبعض اللفتات التربوية التي نرجو أن تساعدنا على استثمار هذه الأجواء الرمضانية في تربية أبنائنا:
1- فعل الخير ومساعدة الآخرين
استثمر شهر رمضان في غرس حب الخير ومساعدة الآخرين في نفس طفلك، وساعده على ممارسة ذلك بصورة عملية، كأن يشترك معك بجزء قليل من مصروفه في شراء بعض التمر، ثم بتشجيعه على توزيع هذا التمر أمام البيت أو المسجد على من يمر به من الصائمين قبل أذان المغرب.
كذلك يمكنك إشراكه في توزيع ما تقوم به بعض الجمعيات الخيرية من تقديم مساعدات عينية للفقراء والمحتاجين، فكل ذلك يعمق في نفسه حب الخير ومساعدة الآخرين.
2- احترام مشاعر الآخرين
درب طفلك خلال شهر رمضان على الإحساس بالآخرين واحترام مشاعرهم، وذلك بأن توجهه -إن كان مفطرا لصغره على الصيام أو لأي سبب آخر- ألا يتناول أي مشروبات أو أطعمة أمام الصائمين، مراعاة لاحتياجاتهم واحتراما لمشاعرهم.
كذلك لو كان الطفل صائما وغيره مفطرا سواء من الكبار أو الصغار لعذر فلا بد أن تدعوه ألا يعيب عليهم ذلك وأن توضح له سبب الفطر وعذره.
ثم اغتنم تلك الأمور مدخلا للحديث مع طفلك عن احترام مشاعر الآخرين بشكل عام بما يناسب عمره وقدرته على الاستيعاب.
3- التدريب على الدعاء
يعد رمضان فرصة كبيرة لتدريب طفلك على عبادة الدعاء، ويمكنك ذلك بأن تجتمع مع أبنائك قبل أذان المغرب على الدعاء، ثم بتشجع كل واحد منهم أن يدعو الله بما يحبه ويرجو تحقيقه، كأن يدعو أحدهم أن يرزقه الله بدراجة أو بملابس يحبها أو غير ذلك من احتياجاته المهمة بالنسبة له والمحببة إلى نفسه، ففي ذلك صورة من صور الترابط الأسري الذي يمنح الطفل شعورا بالاستقرار النفسي من ناحية، ويدربه على الدعاء وعلى الارتباط بالله تعالى من ناحية أخرى.
4- تعديل السلوكيات الخاطئة
استثمر أجواء رمضان في معالجة بعض السلوكيات غير المقبولة لدى طفلك، كالتلفظ ببعض الكلمات النابية أو الشجار مع إخوته أو أقرانه، ويساعدك على ذلك أن تجمع أبناءك وتشرح لهم ضرورة الالتزام بالأخلاق الطيبة، واشرح لهم بطريقة مبسطة حديث النبي “فإن سابه أحد أو قاتله فليقل إني امرؤ صائم”.
واعقد معهم اتفاقا على الالتزام بذلك طوال الشهر، وارصد مكافأة كل أسبوع لمن يلتزم بذلك بمعدل يتم الاتفاق عليه معهم، ويمكنك كذلك توجيههم لكتابة وتعليق بعض الشعارات التي تدعوهم لذلك.
5- المحافظة على الصلاة
استثمر أجواء رمضان الإيمانية في غرس حب الصلاة والانتظام في أدائها لدى طفلك، ويساعدك في ذلك أن تضرب له المثل والقدوة في المحافظة عليها، وأن تصحبه معك في كل صلاة تؤديها في المسجد، وأن تكافئه بين الفترة والأخرى بشراء شيء يحبه بعد أداء الصلاة مباشرة، ثم امتدح فيه هذا السلوك خاصة أمام الآخرين من الأقارب والأصدقاء والجيران.
6- اللعب مع الأبناء
يكثر في رمضان التقاء أفراد الأسرة بصورة منتظمة وقضاؤهم لبعض الوقت معا، فاحرص على أن تخصص جزءًا من هذا الوقت للعب مع أبنائك، خاصة ما يحبونه ويميلون إليه من الألعاب، فذلك يدخل السرور والبهجة عليهم، ويساعد الذين يتدربون منهم على الصيام ألا يشغلوا تفكيرهم بالجوع والعطش، كما أنه يوثق الصلة ويقرب المسافات بينك وبينهم، ويساعدك بشكل عام على حسن التواصل معهم.
7- حب صلاة التراويح
اصطحب أبناءك معك في صلاة التراويح، واجعلها مناسبة تجتمع عليها الأسرة، وأتبعها بأجواء احتفالية كأن تتناول معهم بعض المشروبات أو الأطعمة التي يفضلونها، ويفضل أن تخرج معهم لصلاتها في مكان بعيد عن البيت كأنكم في نزهة عائلية، فهذا يشعرهم بالسعادة ويوثق العلاقة بينك وبينهم، كما أنه يغرس فيهم حب صلاة التراويح.
8- القصص والحكايات
استثمر فرص تواجدك والتقائك مع أبنائك خلال شهر رمضان في أوقات منتظمة بأن تقص عليهم بعض القصص التي تتميز بالمتعة والإثارة، والتي تساعدك بشكل مؤثر في غرس بعض القيم الإيجابية وتعديل بعض السلوكيات الخاطئة التي تصدر منهم.
ومما يمنح القصة متعة للطفل وتأثيرا عميقا في نفسه أن تسرد أحداثها بطريقة واضحة وبسيطة، وأن تغير نبرات صوتك تبعا لنوعية الحدث، وأن تجعل له دورا إيجابيا كأن تقول: “تفتكر البطل هيعمل إيه…”، واحرص على الاقتراب منه وامسح على شعره، فكل ذلك يجعله يشعر بالأمان النفسي والراحة الوجدانية، فتتغلغل القصة في أعماقه وتختلط بكل ذرة في نفسه.
9- حب القرآن والارتباط به
احرص على غرس حب القرآن والارتباط به في نفس طفلك خلال شهر القرآن، ويساعدك على ذلك أن تكون قدوة له في هذا، وأن تفتح المصحف وتقص عليه بعض قصص القرآن بطريقة تناسب عمره، وأن تنظم مسابقة لحفظ القرآن على مستوى أسرتك تتناسب مع قدرات أبنائك، مع الحرص على مدح طفلك والثناء عليه كلما صدر منه سلوكا طيبا تجاه القرآن كحفظ بعض الآيات أو كرفع شيئا سقط على المصحف وغير ذلك من مظاهر حب القرآن وحسن التعامل معه، فكل ذلك يؤكد حب القرآن في نفس طفلك، ويعمق الارتباط به.
10- صلة الرحم
اغتنم فرص التواصل بين الأهل والأقارب في رمضان في غرس قيمة صلة الرحم لدى طفلك، وذلك بتلبية دعوة الأهل والأقارب للإفطار معهم، ففي ذلك تطبيق عملي يتعلم منه أن يصل رحمه، ويؤكد ذلك في نفسه أن تتحدث معه عن صلة الرحم بصورة تناسب عمره ويدرك من خلالها ما يعود عليه من خير نتيجة تواصله مع ذوي رحمه، ويساعدك كذلك أن تدعو ذوي رحمك إلى تناول الإفطار لديك، مع إظهارك السرور والبهجة بذلك، فهذا الشعور ينتقل لطفلك بصورة تلقائية ويوثق العلاقة بينه وبين ذوي رحمه.
11- إصرار الطفل على الصيام
إذا وجدت طفلك في نهار رمضان مجهدا إجهادا شديدا وهو يصر على إكمال الصيام، فشجع فيه هذا الإصرار وامتدحه ببعض الكلمات التي ترفع معنوياته وتخفف عنه، ففي ذلك تأكيد لقيم الصبر وتحمل المشاق والإصرار على النجاح لديه.
أما إذا كان هذا يضر بصحته، فاشكر له هذا الإصرار وتناقش معه بهدوء، وأخبره أن الله سيعطيه مثل أجر الصائمين لأنه يعلم ما نفسه من إصرار على الصيام، ثم اتفق معه على أنه بمجرد أن يزول السبب الذي يضر بصحته سيعود للصيام، وامنحه نفس المكافأة التي كنت ترصدها له في حالة إكماله لصيامه.
12- لا تحرمه من القدوة
تجنب أن تكون منغلقا على نفسك ومبعدا لأبنائك عما تقوم به من عبادات وأعمال خيرية في رمضان بقصد الحرص على الخشوع وعدم الانشغال بهم؛ لأنك بذلك تحرمهم من فرصة التعلم بالقدوة، والتي تلعب دورا كبيرا ومؤثرا في تعلم الطفل واكتسابه للقيم والسلوكيات الطيبة؛ ولذا فاحرص على إشراكهم في كل ما تقوم به مع الاتفاق معهم على بعض القواعد التي تساعدك على التوازن بين الاستفادة مما تقوم به من عبادات وطاعات وعلى تعليم أبنائك وتدريبهم على القيام بها أيضا.