بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فخلاصة ما قاله العلماء في الشريعة وفي الأدب الإسلامي هو اختلاف الرأي في القضية ، فهناك من منع اقتباس القرآن في الشعر ،وأن هذا لم يكن عمل الصحابة ولا التابعين ، ومنهم من أجازه ،ولكن بشروط أهمها: أن تكون هناك ضرورة للاقتباس ، وألا يكون في الاقتباس امتهان لكتاب الله ، وألا يكون الاقتباس في آية كاملة ، فيمكن اقتباس كلمتين أو أكثر.
وإليك نص الفتاوى :
جاء في قرار مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف :
إن الاقتباس من القرآن الكريم غير جائز في المجالات الآتية :
1- حديث الله عن نفسه ، فلا يجوز لإنسان أن ينسبه إلى نفسه.
2- مواطن الاستخفاف والاستهزاء والسياق الهزلي.
3- استخدام النص القرآني لغاية مخالفة لهدايته ومقاصده.
أما إذا كان الاقتباس من القرآن الكريم لا يوهم إسناد الآيات القرآنية إلى غير الله ، فهو جائز، أما إذا كان الاقتباس موهما يكون حراما .انتهى
ويقول الأستاذ الدكتور أحمد طه ريان – أستاذ الفقه بجامعة الأزهر – :
إن القرآن لا يجوز اتخاذه في مثل هذه الأشكال كأن يكون مقدمة لبيت كامل في قصيدة شعر, وأن القرآن وضع الشعراء في قوله «..والشعراء يتبعهم الغاوون» ونفي عن النبي – صلي الله عليه وسلم – صفة الشعر واستثني الذين آمنوا وكانوا يتقون الله فيما يقولون.
و الاقتباس من الممكن ولكن بإشارة إلي آية أو إشارة إلي حكم أو واقعة, وإن اضطر فكلمة أو اثنتان في إطار من الاحترام لكتاب الله.انتهى
ويقول الأستاذ الدكتور مصطفى رجب عميد كلية التربية، جامعة سوهاج بمصر :
من الضروري أن توجد معايير فنيَّة أخلاقية لضبط عمليات الاقتباس القرآني، مثل:
1 ـ ألاَّ يأتي الاقتباس في إطار يصادم العقيدة أو الشريعة التي هي جزء أساسي من ثقافة المتلقي، والجرأة في مثل هذا ليست من الفنِّ في شيء، ولا تعدو كونها وقاحة.
2ـ أن يكون الاقتباس ضرورة فنيَّة تضيف ولا تضعف العمل الفني.
3ـ ألاَّ يكون الاقتباس بتضمين نصِّ قرآني بصورة مباشرة.
4ـ يمكن أن يتفرّع الاقتباس القرآني إلى نوعين:
أ- اقتباس دِلالاتٍ قصصية.
ب- اقتباس تعابير أو تراكيب لغوية.انتهى
ويقول الأستاذ الدكتور مصطفي الشكعة – أستاذ الأدب الإسلامي :
إن القرآن الكريم له وضعه المتميز المتسامي حيث لا يعامل معاملة الأشياء الأخري مثل بيت شعر أو معني حديث شريف.
و الشعر مدان حكمًا إلا في حالات الاستثناء, كما أن وضع قاعدة للاستثناء شيء مرفوض. فالقرآن كلام المولي عز وجل ويجب أن يكون في موضع التنزيه بعيدًا عن النقائص
و لا ينبغي الاقتباس من القرآن، والذين يضمّنون آيات كاملة يكونون قد حرّفوا القرآن وأهانوه بما لا يتفق مع مقامه. انتهى
ويقول الأستاذ الدكتور خالد فهمي – الأستاذ بقسم اللغة العربية بجامعة المنوفية :
يعتبر كتاب :«الاقتباس من القرآن الكريم» لأبي منصور الثعالبي المتوفي 421 هجرية وثيقة هامة في هذا الموضوع ، ومنهج الرجل في كتابه هو تقسيم الاقتباسات في القرآن الكريم علي مستوي العالم العربي القديم.. و الثلاثة عشر قرنًا الماضية لم يتجرأ أحد علي النص القرآني وساوي بينه وبين كلام البشر, وأصبحت المسألة عائمة إلا خلال الخمسين سنة الماضية بفعل بعض الحداثيين الذين تجرءوا علي إلغاء الفاصل الذي كان موجودًا..
و الشعر له قوانين في كتابته وأن ذلك يستلزم أمرين:
الأول: الفواصل القولية عند الاقتباس مثل «ومن الذكر الحكيم» أو «ومن كتاب الله» وإن لم يكن مثل هذه الفواصل القولية فلتكن فواصل خطية, وأن علماء الترقيم فرقوا بين كلام الله وباقي أنواع الكلام باستخدام الأقواس العزيزية واليوم باستخدام الحاسوب يمكن التمييز باستخدام الأبناط لتمييز كلام الله بل وأنواع مختلفة من الخطوط. وحتي نقبل الاقتباس لابد من الفواصل.
ثانيًا: مراعاة الاحترام والتقدير والتبجيل لكلام الله أو استلهام التراث في الموافقة والتأييد وعدم أخذ الاقتباس الذي يوحي بالامتهان أو السخرية أو التمرد أو اقتباس يحتمل أخفاء أفكار أيديولوجية أو ازدراء من المحظورات الأساسية.
و تاريخ الشعر العربي لم يشهد علي الإطلاق اقتباسا زاد علي كلمتين كقول الشاعر :
فلو أن المفرط كان حيًا …….توفي الباقيات الصالحات
و قائل هذا البيت صالح عبد القدوس أكثر من اشتهر بالمجون بل واتُهم بالكفر والزندقة والإلحاد وقُتل في عهد أحد الخلفاء. انتهى
ويقول الأستاذ الدكتور الطاهر مكي – أستاذ الأدب الإسلامي والأندلسي بكلية دار العلوم جامعة القاهرة:
لا مانع من التضمين والاقتباس إذا كانت القضية والمناخ الذي قيلت فيه تعالج مبدأ اتُفق علي احترامه ولا تمس جلال القرآن وعظمته مع وضعها بين علامتي تنصيص.. كما أنه لا مانع أن يصل الاقتباس إلي آية كاملة .
ويشترط أن يكون المقام الذي يسمح به العروض ولابد من انسجام الآية مع الشعر.انتهى
ويقول الأستاذ الدكتور إبراهيم الخولي – أستاذ البلاغة بجامعة الأزهر :
التضمين من الممكن أن يشير إلي الأحداث التاريخية أو تضمين آيات القرآن في النثر وهو أيسر ولكن لا تطوع المُضمن ، لأنه ليس ملكًا للأديب, لكن تضمين القرآن مرفوض رفضًا باتًا.
ويجب ألا يختلط النص بما ضمنه ولا يحدث أي نوع من التعديل أو التغيير وإلا عُدَّ تحريفًا, ويري أن هذا بدايات التحريف في الكتب المقدسة.
واعتبر من جاء بأكثر من كلمتين – مثل شاعر جاء بآية كاملة من كتاب الله – وضاقت عليه معاجم اللغة وعجز عن الصياغة واضطر إلي تضمين بهذه الصورة ليس شاعرًا وأشار إلي أن السلف لم يبدأوا شعرهم بكلام الله فتظن أنه سيتلون قرآنًا ويفاجئك فيغير كلامًا من عنده وهذا مرفوض.
والله أعلم