حازم يونسمشاركة الموظفين باتخاذ القرار من أهم الوسائل للنجاح الإدارييؤمن بأن العناية بالإنسان تمثل أهم مقومات نجاح أي مؤسسة، فحرص على تطبيق ذلك في كل عمل يوكل إليه حتى صارت حياته رحلة طويلة مع النجاح.. إنه يحيى حسين رئيس مجلس إدارة شركة الأزياء الحديثة (بنزايون- عدس- ريفولي)، والذي تتحدث عنه الأوساط الاقتصادية بعد نجاحه في إعادة هذه المؤسسة للحياة بعد سنوات قضتها في حالة احتضار وكادت تشرف على الموت.
ما حكاية هذا النجاح؟
كان هذا أول سؤال وجهته للأستاذ يحيى حسين والذي ابتسم بتواضع جم وقال: الإجابة على ذلك السؤال تقتضي أن أعطيك فكرة مبسطة عن الوضع عند استلامي لإدارة الشركة؛ لأن ذلك يعطي صورة عن أوجه النقص، ويساعد ذلك بالطبع على توضيح وسائل العلاج.
وبدأ يحكي فصول الكارثة التي أصبح المسئول الأول عن التعامل معها، فقال: جئت إلى الشركة لأجدها مدينة بـ 290 مليون جنيه للبنوك، وهو رقم يحبط أي مسئول، وبدأت أتحرى أسباب ذلك فعلمت أن سببه الرئيسي هو الاندفاع نحو البيع بالتقسيط لدرجة أن هناك 48 مليون جنيه للشركة عند زبائن تعثروا في السداد.
هذا بالإضافة إلى قلة حركة البيع بالشركة لدرجة أن هناك فروعا لا يصل العائد الذي تحققه إلى المستوى الذي يسمح بتغطية إيجار الفرع.
مشاركة العاملين في اتخاذ القرار
وكانت أولى خطوات العلاج في رأيه هي مشاركة العاملين بالشركة باتخاذ القرار فيقول: بدأت أبحث في وسائل العلاج فطلبت أن أجتمع بمديري الفروع، فقال لي موظفو الإدارة: إن ذلك لم يحدث منذ سنوات طويلة… فأكدت على ضرورة تحقيق ذلك في أسرع وقت. وفي اجتماعي بهم لاحظت أن معظم مديري الفروع لا يعرفون بعضهم البعض، وهذا أول طريق الفشل، ولذا قررت أن هناك اجتماعا دوريا سيعقد كل 3 أشهر لتقييم أداء كل فرع ومدى ما حققه من نجاح، ثم طلبت منهم أن يعددوا أسباب أزمة الشركة فانحصرت إجابتهم في كلمة واحدة فقط وهي “نقص السيولة”.. فقلت لهم: إنه سبب هام ولكن من الضروري أن هناك أسبابا أخرى تقف وراء الأزمة، فطلبت منهم أن يعطي كل واحد سببا آخر غير نقص السيولة، فبدأت أكتب عدة أسباب أخرى منها ما يتعلق بالحوافز والمكافآت وجودة البضاعة وقلة عدد موردي البضاعة.
الاستفادة بتجارب الآخرين
ولأنني أؤمن بأن الإنسان لا بد أن يستفيد من خبرات الآخرين -تابع أستاذ يحيى- طلبت الخطة التي كانت الإدارة السابقة قد وضعتها لحل مشكلة السيولة؛ لأن حلها يجعلني أتفرغ للمشاكل الأخرى التي أشار إليها مديرو الفروع في اجتماعي معهم.. فاكتشفت أن الخطة الموضوعة أقل ما يقال عنها إنها ليست خطة تطوير بقدر ما هي خطة إغلاق، فقد كانت الخطة تتركز في محورين:
الأول: إغلاق نصف عدد فروع الشركة ويكون معيار الغلق هو تحقيق خسائر بعد المصروفات المباشرة.
والثاني: الاستغناء عن 600 موظف بنظام المعاش المبكر؛ وهو ما يجعل العامل في حالة قلق وعدم استقرار؛ وهو ما يؤثر على أدائه بالعمل.
استطلاع الرأي
وكانت أولى المشاكل التي بدأ بحلها مشكلة المعاش المبكر، ويضيف هذا المدير المتميز شارحًا طريقته بالحل: “لقد رأيت ضرورة عدم إجبار أي موظف على المعاش بالأساليب (التطفيشية) التي كانت تنوي الإدارة السابقة اتباعها، واهتديت إلى عمل استطلاع لرأي العمال والموظفين بحيث لا يحال للمعاش المبكر إلا من يطلب ذلك، أما من يرغب في الاستمرار معنا فلن نستغني عنه، وقد ترك ذلك انطباعا جيدا عند العاملين ساعدني في استكمال خطة التطوير التي أنوي تنفيذها.
لجنة العصف الذهني
لجنة العصف الذهني هي الوسيلة التي اعتمدها أستاذ يحيى للبت في موضوع إغلاق الفروع والمعيار الذي وضعته الإدارة السابقة للغلق، وعن طريقة عمل تلك اللجنة يخبرنا أستاذ يحيى فيقول: شكلت لجنة سميتها بلجنة العصف الذهني، واتفقت معهم على أن نفكر بشكل جماعي في وضع معايير تقييم من خلالها نقيم فروع الشركة؛ بحيث لا يكون معيار تحقيق خسائر بعد المصروفات المباشرة هو المعيار الوحيد، وبعد عدة اجتماعات اتفقنا على وضع 18 معيارًا تم تطبيقها على الفروع لإعطاء كل فرع درجة من مائة، ومن هذه المعايير متوسط الربحية في 3 سنوات، ورقم المبيعات الإجمالي، ونسبة تصريف البضاعة، ونسبة المبيعات النقدية إلى إجمالي المبيعات، ومساحة الفروع، ومدى قرب الفرع من عاصمة المحافظة ونوع الحيازة “تمليك أم إيجار”، وفي نهاية عمل اللجنة اتفقنا على أن هناك 20 فرعًا واعدا، منهم 10 فروع تدار بمشاركة من القطاع الخاص، و41 فرعا غير واعد، لكن لا يجب التسرع في التخلص منها؛ لأنها فروع كانت تحقق أرباحًا من 3 سنوات، ويمكن أن تتطور وتصبح واعدة، و12 فرعا يجب التخلص منها.
الاهتمام بالإنسان
وبعد الانتهاء من إعادة هيكلة الشركة من خلال لجنة العصف الذهني بدأ يحيى حسين تطبيق أيديولوجيته الخاصة في الإدارة، والتي تتركز في خمسة محاور، أولها وأهمها محور الإنسان، فهو يؤمن بأن راحة العامل ستكون نتيجتها إنتاجا أفضل، وفي هذا الإطار بدأ ينفذ بعض القرارات، ومنها اتباع سياسة الباب المفتوح.
ويضيف موضحا لهذه السياسة: “مكتبي أصبح مفتوحًا لكل العاملين بالشركة من أكبر موظف حتى أصغر عامل، وهذا يجعل دائمًا الرئيس ملتزما بعدم ظلم المرؤوس؛ لأنه يعلم تمامًا أن أي شكوى ستصلني فورًا وسأحقق فيها بنفسي”.
وقام بإقرار نظام جديد للحوافز يشجع العاملين، ويرتكز هذا النظام على زيادة حافز البائع كلما حقق نسبًا أعلى من المبيعات بعد أن كان هناك نظام عقيم يضع حدًّا أقصى للحافز لا يتجاوزه العامل حتى لو باع كل البضاعة الموجودة بالقسم الذي يعمل به.. كما بدأ يرقي العديد من العاملين الذين لم يترقوا منذ فترة طويلة، ووضع نظاما جديدا لمكافآت تصرف وقت المناسبات للعاملين؛ وهو أمر لم تشهده الشركة منذ 10 سنوات مضت.
أربعة محاور أخرى
بدأت الشركة تجني ثمار الاهتمام بمحور الإنسان من خلال زيادة ملحوظة في المبيعات؛ وهو ما شجع يحيى حسين على بدء التفكير في تنفيذ المحاور الأخرى لأيديولوجيته في الإدارة، والتي تتركز في الاهتمام بالبنيان، وإعادة رسم سياسة التعامل مع الموردين، وإعادة رسم سياسة التعامل مع العملاء، وإنشاء وحدة للتحليل ودعم اتخاذ القرار.
فعن محور البنيان بدأ يخطط للاهتمام بفروع الشركة طبقًا للمعايير التي وضعها مسبقًا؛ فالفروع الواعدة سيعطيها إبهارا في العرض والشكل الخارجي، أما الفروع غير الواعدة فسيهتم بها في حدود الحد الأدنى المطلوب لمتجر. أما عن سياسة التعامل مع الموردين فبدأ يعيد بعض كبار الموردين من ذوي السلع التي تلقى قبولا عند الزبائن من خلال التعاملات المادية التي تقوم على السرعة في سداد المستحقات المالية لهؤلاء الموردين.
وعن سياسة التعامل مع العملاء أدخل يحيى حسين لأول مرة في تاريخ الشركة نظام تدريب العاملين بالبيع؛ حيث يتم تدريبهم بشكل دوري على كيفية التعامل مع الزبون وجذبه للبضاعة وذلك تحت إشراف متخصصين.
وأخيرا.. يخطط -حاليًّا- لإنشاء وحدة التحليل ودعم اتخاذ القرار التي توفر له معلومات يومية عن مبيعات كل فرع حتى يستطيع معرفة مدى التطور الذي يشهده كل فرع، وحدد –أيضًا- نوعية السلعة الملائمة له.
اقرأ أيضا:
- تدريب البشر.. صناعة لا نعرفها
- شركات تتعثر والسبب “الموارد البشرية”
- أخطاء مدير حسن النية