بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد..
ذهب جمهور الفقهاء إلى جواز التأمين التعاوني الذي يخلو من الربا ويقوم على اشتراك المؤمن عليهم في تحمل الأخطار التي قد تعرض لأحدهم وذلك بتعويضه من المبالغ التي تجمع من الأعضاء، ويجوز استثمار هذه الأموال التي تجمع من الأعضاء بالطرق المشروعة بما يعود عليهم بالنفع، فالعقد يقوم على التبرع ومن ثم فليس فيه غرر أو مقامرة
وإليك فتوى مجمع الفقه الإسلامي:
قرر مجلس المجمع بالإجماع الموافقة على قرار مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رقم (51) وتاريخ 4 / 4 / 1397 هجرية من جواز التأمين التعاوني بدلا عن التأمين التجاري المحرم والمنوه عنه آنفا للأدلة الآتية:
الأول: إن التأمين التعاوني من عقود التبرع التي يقصد بها أصالة التعاون على تفتيت الأخطار والاشتراك في تحمل المسئولية عند نزول الكوارث، وذلك عن طريق إسهام أشخاص بمبالغ نقدية تخصص لتعويض من يصيبه الضرر؛ فجماعة التأمين التعاوني لا يستهدفون تجارة ولا ربحا من أموال غيرهم، وإنما يقصدون توزيع الأخطار بينهم والتعاون على تحمل الضرر.
الثاني: خلو التأمين التعاوني من الربا بنوعيه ربا الفضل وربا النسأ فليست عقود المساهمين ربوية ولا يستغلون ما جمع من الأقساط في معاملات ربوية.
الثالث: إنه لا يضر جهل المساهمين في التأمين التعاوني بتحديد ما يعود عليهم من النفع لأنهم متبرعون فلا مخاطرة ولا غرر ولا مقامرة بخلاف التأمين التجاري فإنه عقد معاوضة مالية تجارية.
الرابع: قيام جماعة من المساهمين أو من يمثلهم باستثمار ما جمع من الأقساط لتحقيق الغرض الذي من أجله أنشئ هذا التعاون سواء أكان القيام بذلك تبرعا أم مقابل أجر معين، ورأى المجلس أن يكون التأمين التعاوني على شكل شركة تأمين تعاونية مختلطة للأمور الآتية:
أولا: الالتزام بالفكر الاقتصادي الإسلامي الذي يترك للأفراد مسئولية القيام بمختلف المشروعات الاقتصادية، ولا يأتي دور الدولة إلا كعنصر مكمل لما عجز الأفراد عن القيام به وكدور موجه ورقيب لضمان نجاح هذه المشروعات وسلامة عملياتها.
ثانيا: الالتزام بالفكر التعاوني التأميني الذي بمقتضاه يستقل المتعاونون بالمشروع كله من حيث تشغيله ومن حيث الجهاز التنفيذي ومسئولية إدارة المشروع.
ثالثا: تدريب الأهالي على مباشرة التأمين التعاوني وإيجاد المبادرات الفردية والاستفادة من البواعث الشخصية، فلا شك أن مشاركة الأهالي في الإدارة تجعلهم أكثر حرصا ويقظة على تجنب وقوع المخاطر التي يدفعون مجتمعين تكلفة تعويضها، مما يحقق بالتالي مصلحة لهم في إنجاح التأمين التعاوني، إذ إن تجنب المخاطر يعود عليهم بأقساط أقل في المستقبل كما أن وقوعها قد يحملهم أقساطا أكبر في المستقبل.
رابعا: إن صورة الشركة المختلطة لا تجعل التأمين كما لو كان هبة أو منحة من الدولة للمستفيدين منه بل بمشاركة منها معهم فقط لحمايتهم ومساندتهم باعتبارهم هم أصحاب المصلحة الفعلية، وهذا موقف أكثر إيجابية ليشعر معه المتعاونون بدور الدولة ولا يعفيهم في نفس الوقت من المسئولية.
ويرى المجلس أن يراعى في وضع المواد التفصيلية للعمل بالتأمين التعاوني على الأسس الآتية: الأول: أن يكون لمنظمة التأمين التعاوني مركز له فروع في كافة المدن، وأن يكون بالمنظمة أقسام تتوزع بحسب الأخطار المراد تغطيتها وبحسب مختلف فئات ومهن المتعاونين كأن يكون هناك قسم للتأمين الصحي وثان للتأمين ضد العجز والشيخوخة.. إلخ أو يكون هناك قسم لتأمين الباعة المتجولين وآخر للتجار وثالث للطلبة ورابع لأصحاب المهن الحرة كالمهندسين والأطباء والمحامين… إلخ.
الثاني: أن تكون منظمة التأمين التعاوني على درجة كبيرة من المرونة والبعد عن الأساليب المعقدة الثالث: أن يكون للمنظمة مجلس أعلى يقرر خطط العمل، ويقترح ما يلزمها من لوائح وقرارات تكون نافذة إذا اتفقت مع قواعد الشريعة.
الرابع: يمثل الحكومة في هذا المجلس من تختاره من الأعضاء، ويمثل المساهمين من يختارونه ليكونوا أعضاء في المجلس ليساعد ذلك على إشراف الحكومة عليها، واطمئنانها على سلامة سيرها وحفظها من التلاعب والفشل.
الخامس: إذا تجاوزت المخاطر موارد الصندوق بما قد يستلزم زيادة الأقساط فتقوم الدولة والمشتركون بتحمل هذه الزيادة ويؤيد مجلس المجمع الفقهي ما اقترحه مجلس هيئة كبار العلماء في إقراره المذكور بأن يتولى وضع المواد التفصيلية لهذه الشركة التعاونية جماعة من الخبراء المختصين في هذا الشأن.
والله أعلم
مجمع الفقه الإسلامي