في واحدة من أغلى دول العالم حولت ربات البيوت اليابانيات الاقتصاد في الإنفاق لفن من فنون الحياة، والآن تحاولن خفض نفقاتهن بصورة أكبر لتسوية الأزمة المالية، بينما ينزلق الاقتصاد نحو ما يمكن أن يكون كسادا طويل الأمد.
وتكافح كثير من ربات البيوت في اليابان بالفعل لإدارة شئون منازلهن المالية بأجور أزواجهن التي تبلغ في المتوسط 270 ألف ين شهريا (حوالي 2900 دولار).
ومع تزايد حالات الاستغناء عن عاملين هوت ثقة المستهلك، وانخفض إنفاق الأسر الذي يمثل أكثر من نصف حجم اقتصاد البلاد بنسبة 3.8 في المائة خلال أكتوبر 2008 ليدخل في دائرة مفرغة؛ إذ تتضرر متاجر التجزئة؛ مما قد يعرض عددا أكبر من الوظائف للخطر.
وتقول أسوكا سوزوكي (27 عاما) التي تعيش مع زوجها على جزيرة هوكايدو الشمالية: إن الإبقاء على حجم إنفاقها الشهري على المأكل عند 19 ألف ين (205 دولارات) يحتاج تخطيطا ونظاما دقيقا.
وقالت سوزوكي في مقابلة مع “رويترز”: “أشعر بالإحباط أحيانا لعجزي عن شراء ملابس أو السفر أو ممارسة هوايات مكلفة، ولكن أمامي هدفًا وهو شراء منزل في يوم من الأيام؛ لذا أواصل المحاولة”.
وقبل أن تبدأ رحلة التسوق تبحث على الإنترنت عن أرخص الأسعار في المتاجر المحلية، وتقوم بجرد محتويات البراد وتضع قائمة الطعام الأسبوعية.
وحينئذ فقط تضع في محفظتها أقل مبلغ نقدي تحتاجه، ولا تحتفظ بأي بطاقات ائتمان، وفي حال سماح الأحوال الجوية تذهب إلى المتجر بدراجتها.
وصفات للزوجة المثالية
وسوزوكي واحدة من مئات من ربات البيوت اللائي نشرت قصصهن في مجلة “الزوجة المثالية” التي تقدم نصائح ووصفات لمن يحرصن على وضع ميزانية لنفقات المنزل من بينها إغلاق أجهزة التلفزيون لتوفير استهلاك الكهرباء، وإعادة استخدام الماء المستخدم في غسيل الأرز.
ومن النصائح الأخرى استخدام الملابس القديمة في صنع أغطية للوسائد وصنع بيوت لعبة للأطفال من صناديق الكرتون.
وكثير من الأسر اليابانية تنفق على الغذاء أكثر من أي شيء آخر، وحتى أكثر الزوجات اقتصادا يفخرن بتقديم وجبة مختلفة كل ليلة.
وتقول ساتوكو سوجيكي المحررة في المجلة عن أول لقاءاتها مع نساء مقتصدات كشفن عن عاداتهن في الإنفاق للمجلة “ذهلت في البداية”.
وتابعت: “ولكن الآن يبدو طبيعيًّا أن ينفق شخص عشرة آلاف ين (108 دولارات) على الغذاء في الشهر برغم أن الأمر يبدو مثيرا للدهشة عند التفكير فيه”.
وقد ينفق المتسوق الأقل حرصًا أكثر من عشرة آلاف ين لشراء ثمرة شمام واحدة تغلف كهدية من متاجر راقية في اليابان.
وبينما يدير المتسوقون ظهورهم لمثل هذه السلع باهظة الثمن تراجعت مبيعات المتاجر، وانخفضت المبيعات بنسبة سبعة بالمائة تقريبا في أكتوبر 2008، مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي لتسجل تراجعا للشهر الثامن على التوالي.
ويتسوق الناس في متاجر تبيع بأسعار رخيصة، وزادت مبيعات سلسلة متاجر يونيكلو للملابس بنسبة تتجاوز 30 في المائة في نوفمبر 2008.
العمل حل آخر
وقال دايرو موراتا محلل مبيعات التجزئة في كريدي سويس في طوكيو “يتسوق الناس في أماكن تمنحهم قيما جيدة مقابل نقودهم، ولكن الفائدة تعود على عدد قليل جدا من الشركات”.
وتبيع متاجر بيع الكتب دفاتر لتسجيل حسابات الأسرة للجيل الجديد من المستهلكين المقتصدين.
وبرغم اقتصاد ربات البيوت في نفقاتهن يقول بعض الخبراء: إن عددا كبيرا منهن ربما يضطررن للعمل خارج المنزل مع مواجهة الأسرة صعوبة متزايدة في تغطية الإنفاق من أجر واحد.
وقالت هاروكو أوجيوارا الصحفية المتخصصة في الشئون المالية والتي ألفت عدة كتب عن الاقتصاد ووضع ميزانية “حتى إذا كان الأجر 50 ألف ين (540 دولارًا) أو ستين ألف ين في الشهر فإنه سيسهم في تخفيف الضغط على ميزانية الأسرة”.
وقالت: إن وجود ربات البيوت في منازلهن طوال الوقت ربما يكون رفاهية لم تعد تطيقها اليابان، وتابعت “حتى إذا لم تتمكن كثيرات من رصد تفاصيل نفقات الأسرة فإن حالهن سيكون أفضل”.
وقالت سوزوكي إنها تفضل العمل لبعض الوقت إذا وجدت وظيفة قريبة من منزلها، ولكن في الوقت الحالي فإن المخاوف من عواقب التراجع يقود لمستويات جديدة من الاقتصاد.
وأضافت في المقابلة مع رويترز متحدثة عن شركة الغذاء التي يعمل بها زوجها “يساورني القلق من أن تفلس الشركة التي يعمل بها زوجي، ولم نرزق بأطفال بعد، ولكن هل سنتمكن من إنجاب أطفال وتنشئتهم، هل سنعيش بلا قلق حين تتقدم بنا السن؟”.
وقلص الزوجان الرحلات الترفيهية، وتحاول سوزوكي أن تطهو في المنزل قدر الإمكان.
وتقول: “زوجي متعاون جدا.. نجد متعة في الاقتصاد، ولا أجيد الطهي، ولكن زوجي يقول لي إن ما أقدمه له أفضل مما يقدم في المطاعم مما يساعدني على الاستمرار”.
وفي نهاية كل شهر تدقق في الفواتير للكشف عن أي نقاط ضعف، ولكنها تعترف بأن الطريق أمامها لا يزال طويلا كي تجاري بعض رائدات الاقتصاد.
وتكشف نظرة سريعة على الأعداد الأخيرة من مجلة “الزوجة المثالية” أن بعض الزوجات توفرن الغذاء لأسرة من أربعة أشخاص بمبلغ عشرة آلاف ين شهريا، وتقول كثيرات أنهن يستمتعن بالبحث عن سبل جديدة لتوفير النفقات إلا أن التدبير يظل أكثر من مجرد هواية، وتقول أوجيوارا “في واقع الأمر كثيرون في اليابان لا يملكون مالا كثيرا”.
5>