تحت ظلال الهيمالايا الهائلة.. تقع مملكة نيبال، التي كانت لفترة قريبة يسودها الظلام بمجرد اختفاء قرص الشمس، لكن الشمس آثرت أن تضيء نيبال نهارًا.. وليلا أيضًا؛ فقد أصبح استخدام الطاقة الشمسية كمصدر بديل للطاقة أمرًا مألوفًا في المناطق الريفية؛ حيث لا يوجد إمداد كهربائي. ووصلت الكهرباء مؤخرًا إلى حوالي 27 ألف منزل في مناطق ريفية نائية، بفضل المبادرة التي أخذتها الحكومة النيبالية والوكالات المانحة.
والآن تعمل حوالي 30 شركة إنتاج كهرباء شمسية مع هيئات حكومية لتوصيل الإنارة إلى العديد من القرى النائية والمختفية في أحضان جبال الهيمالايا الضخمة التي أعطت نيبال اسمها “مملكة الهيمالايا”.
غالية.. لكن متاحة
قد تجد من الغريب أن يفر الناس وبشكل متزايد في بلد مثل نيبال معروفة باستخدامها للقوة الكهرومائية كمصدر للطاقة -الذي يُعَدّ أرخص مصدر للطاقة المتجددة في العالم- إلى الطاقة الشمسية المعروفة كواحدة من أغلى مصادر الطاقة حتى اليوم، لكن هذا العجب سريعًا ما سيزول إذا علمت أنه كان البديل الوحيد المتاح أمام القطاع الأعظم من النيباليين، فـ60% من سكان نيبال ما زالوا مضطرين للعيش في ظلام بدون كهرباء أو طرق أو الكثير من الخدمات الأساسية العديدة الأخرى، و20% من النيباليين بين الـ40% المحظوظين الذين لديهم كهرباء إما يحصلون على الخدمة من محطة كهرومائية يملكها مجتمعهم الصغير أو عبر لوح صغير لاستقبال الطاقة الشمسية مثبت فوق أسطح منازلهم تتراوح قدرة البطارية التي يشغلها من 10 إلى 120 كيلووات، والـ 20% الباقية فقط هم من يعتمدون على الشبكات المنتظمة التي استطاعت الحكومة إمدادهم عن طريقها بالكهرباء رغم محاولاتها لزيادة هذا العدد على مدى أكثر من عقد.
ورغم أن محطات الطاقة الكهرومائية مألوفة في نيبال كأنظمة الإضاءة بالطاقة الشمسية؛ فإن سهولة التركيب والملكية الشخصية تجعل استخدام طاقة الشمس أكثر شعبية، وبالمقارنة بثمن الشبكات المنتظمة للإمداد بالكهرباء وهو 6 روبيات لكل واحد كيلووات من الكهرباء (0.08 سنت أمريكي) تتكلف الطاقة الشمسية من 15 إلى 20 روبية لكل كيلووات (0.19 إلى 0.26 سنت أمريكيّ)، لكن الناس ما زالوا يشترونها؛ لأنه ليس لديهم بديل. البديل الوحيد هو الكيروسين أو مصابيح الغاز غالية الثمن، والتي تتطلب النقل من المراكز الريفية، وهي عملية تحتاج إلى عدة أيام للوصول إلى القرى أعلى التلال الوعرة والهيمالايا. أما الطاقة الشمسية فتتطلب فقط استثمارا لمرة واحدة، وتحصل الأسرة بعدها على الكهرباء لقرابة عشر سنوات دون انقطاع.
فنظام “الطاقة الشمسية المنزلي” -كما يطلق عليه- ذو عمر افتراضي طويل، ومع الصيانة من وقت لآخر يمكن أن تصل قدرة اللوح الشمسي الإنتاجية إلى 90% حتى بعد مرور 25 عامًا. ويعتمد النظام بشكل أساسي على مدة عمل البطارية التي ترتبط بمنظم البطارية الذي قد يطول عمر استخدامه لمدة خمس سنوات دون صيانة. والشيء الوحيد الذي يحتاج النيبالي أن يحتفظ باحتياطي منه هو المصباح الفلورسنتي؛ لأنه قد يفسد في أي لحظة دون سابق إنذار.
طاقة شمسية.. مدعمة
ويُعَدّ الدعم الذي تقدمه الحكومة لنشر أنظمة الطاقة الشمسية المنزلية من أهم أسباب زيادة انتشاره؛ حيث يتراوح الدعم بين 8 و10 آلاف روبية (104 إلى 130 دولارًا) للمناطق الريفية سهل الوصول إليها، و12 ألف روبية (165 دولارًا) للمناطق النائية التي يتعذر الوصول إليها، وذلك لكل وحدة من أنظمة 30 إلى 40 كيلووات، والتي تصل تكلفتها الفعلية إلى أكثر من 25 ألف روبية (325 دولارًا).
ويتكلف نظام الطاقة الشمسية المنزلي (35 كيلووات) بين 25 و30 ألف روبية (325 إلى 390 دولارًا) وفقًا لنوعية المكونات المستخدمة. وأقل نظام هو 10 كيلووات، ويتكلف بين 12 و16 ألف روبية (بين 156 – 208 دولارات)، بينما تتكلف وحدة 120 كيلووات 65 ألف روبية (844 دولارًا).
تمنح الحكومة دعمًا يصل إلى 75% من إجمالي قيمة تركيب النظام في المناطق النائية إذا تم تركيبه في مدارس أو لأغراض صحية أو في دور عبادة أو مزارع تربية الحيوانات أو فصول تعليم الكبار.
ويقول “ساروج راي” منسق مشروع الطاقة الشمسية بقطاع الطاقة في برنامج المساعدات: إن الدعم يقدم للأهالي من خلال صندوق تمويل الكهرباء الريفية المؤقت الذي تموله الحكومة بنسبة 10% ووكالة المساعدة الدانماركية دانيدا بنسبة 90%.
والصندوق يقدم الدعم للقرى والمنازل التي لا يوجد فرصة لحصولها على المد الكهربائى المنتظم، سواء من شبكة كهرباء منتظمة أو من خلال وحدة طاقة كهرومائية في السنوات الخمس القادمة.
الأرقام تؤكد.. الشمس تكسب
بدأ تقديم خدمة استخدام الطاقة الشمسية في نيبال أثناء الخطة الخمسية السابعة عام 1989 عندما تم تأسيس 3 أنظمة جماعية لاستخدام الطاقة الشمسية بمساعدة الحكومة الفرنسية في بحربيش بشرق نيبال وسيميكوت وجمجادى بوسط غربها.
إلا أنه بمبادرة الحكومة والوكالات المانحة عام 1993 أكسبت تركيب أنظمة الطاقة الشمسية في المنازل الريفية شعبية في نيبال بأكملها. وفي عام 2001 تم إنشاء صندوق الكهرباء الريفية المؤقت لتشجيع استخدام الطاقة البديلة في البلاد.
ووفقًا لبرنامج المساعدة بين عامي 1993 و2001 قبل تأسيس البرنامج تم تركيب حوالي 6 آلاف وحدة أنظمة طاقة شمسية منزلية. إلا أنه بين 2001 و2003 تم تركيب 20 ألف و360 وحدة في 67 منطقة و1100 لجنة تنمية قروية تمثل العديد من القرى المتفرقة متناثرة السكان.
والأرقام السابقة تمثل فقط الوحدات المدعمة. ويوجد أكثر من 30 محطة ضخ طاقة شمسية أهلية تستخدم للري. كما تشتري شركات النقل والاستراحات بالطرق والمقاهي وطرق السريعة قطع غيار البطاريات، ووحدات الإنارة المحمولة لتركيب الإضاءة وأنظمة التبريد المستخدمة في الأغراض الصحية.
وتخطط الحكومة للإقلال من الدعم كل عام بنسبة 10%، ولكن هذه الخطة تم تطبيقها حتى الآن فقط على القرى التي من الممكن الوصول إليها. أما القرى في المناطق النائية فما زالت تتلقى الدعم الكامل.
ووفقًا لمصادر برنامج المساعدة فإن الأموال المخصصة للاستخدام في هذا الغرض حتى عام 2004 تم صرفها؛ لأن الحكومة لم تكن تود أن تحبط أي متحمس يريد استخدام نظام الطاقة الشمسية المنزلي. وكانت النتيجة أنه حتى وكالات التمويل مثل دانيدا تخطط لتطلب من وكالات مانحة أخرى الدخول في اتحاد مالي من أجل إيجاد أموال أكثر والاحتفاظ بها في صندوق تمويل لتدعم تركيبات جديدة في المناطق النائية؛ لأن الحكومة تعتبر الطاقة خطوة تمهيدية لمحاربة الفقر.
وقد أطلق برنامج المساعدة الحرية للمصنعين والمستهلكين في إجراء مفاوضات حول الأسعار. إلا أنه يجب التأكد من مستوى التصنيع عبر كبار المهندسين والفنيين من برنامج المساعدة. كما لا يتطلب الأمر الذهاب خصيصًا لبرنامج المساعدة لطلب الدعم؛ حيث إن المصنعين يعتنون بالأمر. فهم يقدمون الاستمارة لعشر أسر، ثم يحصلون على الموافقة على دعمها. ويبقى فقط أن يدفع القرويون الفرق للشركة.
إلا أن شركات القطاع الخاص تضع شرطًا أساسيًّا هو أن يوجد على الأقل 10 أنظمة طاقة شمسية في منطقة تستغرق 3 ساعات سيرًا على الأقدام في المناطق النائية حتى يصبح من الممكن السفر لإجراء صيانة.
وبعيدًا عن الأنظمة الشخصية التي تم تركيبها في المنازل؛ فإن أنظمة الطاقة الشمسية ستنتشر في نيبال خلال السنوات الخمس القادمة؛ لأن اللجنة الأوروبية وافقت أن تقدم الأموال اللازمة لتركيب أنظمة طاقة شمسية لأكثر من 250 جمعية تنمية قروية أخرى.
ورغم أنه -وفقًا لساروج (من برنامج المساعدة)- لا تلقى مشروعات الجمعيات القروية تشجيعًا في نيبال.. فإن أمثلة جيدة للمشاركة الجماعية ظهرت في مجالات الحفاظ على الغابات الأهلية والتنمية المحلية الذي يقدمه برنامج أنابورنا للصيانة، ويمكن تكرارها بسهولة لشيء ضروري مثل الكهرباء الجماعية.
* الكاتب: بركاش خانال صحفي نيبالي متخصص في العلوم والبيئة، ومحرر مجلة العلوم المصورة روناست، وسكرتير عام نقابة الكتاب العلميين في نيبال.
** ترجمة: راشدة رجب
5>