كيف تتجنب الشجار والغضب في رمضان؟ وهل يستطيع الصائم أن يتجنب هذا الأمر في الشهر الكريم؟ فإذا اعترى الصائم غضب وانفعال وتوتُّر ازداد إفراز الأدرينالين في دمه زيادة كبيرة، وقد يصل إلى 20 أو 30 ضعفًا من معدله العادي أثناء الغضب الشديد أو العراك، فإن حدث هذا في أول الصوم أثناء فترة الهضم والامتصاص اضطرب هضم الغذاء وامتصاصه زيادة على الاضطراب العام في جميع أجهزة الجسم؛

ذلك لأن الأدرينالين يعمل على ارتخاء العضلات الملساء في الجهاز الهضمي، ويقلل من تقلص المرارة، ويعمل على تضييق الأوعية الدموية الطرفية، وتوسيع الأوعية التاجية، كما يرفع الضغط الدموي الشرياني، ويزيد كمية الدم الواردة إلى القلب وعدد دقاته.

كيف تتجنب الشجار والغضب في رمضان؟ ولكن ماذا لو حدث الشجار و الغضب في رمضان، خاصة في منتصف النهار أو آخره أثناء فترة ما بعد الامتصاص تحلل ما تبقَّى من مخزون الجليكوين في الكبد، وتحلل بروتين الجسم إلى أحماض أمينية، وتأكسد المزيد من الأحماض الدهنية، كل ذلك يرفع مستوى الجلوكوز في الدم، فيحترق ليمد الجسم بالطاقة اللازمة في الشجار والعراك.

وبهذا تستهلك الطاقة بغير ترشيد، كما أن بعض الجلوكوز قد يفقد من البول إن زاد عن المعدل الطبيعي، وبالتالي يفقد الجسم كمية من الطاقة الحيوية الهامة في غير فائدة تعود عليه، ويضطر إلى استهلاك الطاقة من الأحماض الدهنية التي يؤكسد المزيد منها، وقد تؤدي إلى تولد الأجسام الكيتونية الضارة في الدم.

الغضب في رمضان وصعود الأدرينالين

كما أن الشجار والغضب في رمضان، يؤدي إلى الازدياد الشديد للأدرينالين في الدم يعمل على خروج كميات كبيرة من الماء من الجسم، بواسطة الإدرار البولي (Diuresis) كما يرتفع معدل الاستقلال الأساسي (Bassal Metablic) عند الغضب والتوتر؛ نتيجة لارتفاع الأدرينالين والشد العضلي.

وارتفاع الأدرينالين قد يؤدي لنوبات قلبية، أو موت الفجاءة عند بعض الأشخاص المهيئين لذلك، نتيجة لارتفاع ضغط الدم، وارتفاع حاجة عضلة القلب للأكسجين، من جراء ازدياد سرعته، وقد يتسبب الغضب أيضًا في النوبات الدماغية لدى المصابين بارتفاع ضغط الدم وتصلب الشرايين.

كما أن ارتفاع الأدرينالين نتيجة الضغط النفسي في حالات الغضب والتوتر يزيد في تكون الكوليسترول من الدهني البروتيني منخفض الكثافة، والذي قد يزداد أثناء الصيام، وثبتت علاقته بمرض تصلب الشرايين.

لهذا، ولغيره مما عُرف، ومما لم يُعرَف بعد وصى النبي -- الصائم بالسكينة، وعدم الصخب، والانفعال، أو الدخول في عراك مع الآخرين.

وعن مسألة الشجار والغضب في رمضان، وعن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله --: “إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني صائم” متفق عليه.

الغضب في رمضان..التغلب على النفس في الطعام فقط

وعموما فإن الصائم الذي يتغلب على نفسه في الطعام والشراب ولا يتغلب على كبح جماح الغضب لا يكون صائما حقا ولا يكون له الثواب كاملا، وقد يكون هذا الغضب داخل الأسرة أكثر، فالأمر بالمعاشرة بالمعروف قائم طوال السنة وفي رمضان أولى٬ فالزوج هو الصاحب بالجنب الذي أوصى القرآن الكريم به خيرا، فإذا كان الصوم يوجب معاملة الغرباء معاملة حسنة فهو أولى نحو الزوج والأسرة.

فالغضب في رمضان بمثابة الداء الذي يصيب الكثير من الصائمين، وهذا الأمر لا يتوافق مع الغاية من الصيام، فما جعل الله الطاعة إلا لتقويم السلوك وتهذيب الأخلاق والسمو فوق نوازع النفس ودوافعها، وما فرض الله فرضا على عباده إلا ليتحقق لهم الخير من خلاله، فالصوم تدريب عملي على تربية النفس حتى تصبح لينة طيعة لا تجمح إلى الشر ولا تدنو إلا إلى الخير، والفائدة الروحية للصائم لم تجعل الصائم يمتنع عن الطعام والشراب فقط، وإنما قصدت تهذيب كل جوارحه، والنبي قال: “من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه.

فالغاية من الصيام ليست منعا للطعام والشراب فقط ولكن تهذيبا لكل الجوارح والمقصود منه تربية المسلمين٬ أما الذين تتحول سلوكياتهم في رمضان إلى ضجر وضيق ولا يحسنون التعامل مع الناس بحجة أنهم صائمون، نقول لهم ليس ذلك من الصيام في شيء ونبينا علمنا أنه حتى لو شتمك أحد لا ترد عليه بل تقول إني صائم إني صائم، فما بالنا بمن يكثر غضبه في رمضان.


د.عبد الباسط محمد سيد