مدحت الأزهري

الطحالب.. تلتهم مخلفات الصناعة

الطحالب أمل في بيئة أفضل

التخلص من المخلفات الصناعية واحدة من كبرى المشاكل البيئية، تُبذل جهود مكثفة وتُنفق أموال طائلة على مستوى العالم للتقليل من آثارها المدمرة على كافة العناصر البيئية بما فيها صحة الإنسان دون جدوى تذكر؛ إذ ترفض الدول الصناعية الكبرى -لاسيما الولايات المتحدة- الالتزام بما تتوصل إليه المؤتمرات العالمية من اشتراطات بيئية، وترفض التوقيع على المعاهدات الدولية؛ للتهرب من الالتزام بما تفرضه تلك المعاهدات من أعباء مالية وقيود بيئية.

كذلك تسقط المنشآت الصناعية في الدول النامية من حساباتها معالجة مخلفاتها الصناعية لتقليل ما تحويه من مواد عالية السمية وشديدة الخطورة مثل الزنك والرصاص والكاديوم والكروم والزئبق لأسباب أخرى تتعلق بضيق ذات اليد والأسعار الباهظة للمواد الكيميائية اللازمة لعمليات المعالجة، فضلا عن تقنيات المعالجة المعقدة التي قد لا تتوفر لديها.

لذا تعمد مثل تلك الدول للتخلص منها بتصريفها في مياه الصرف الصناعي دون معالجة، والتي غالبا ما يتسرب الجزء الأكبر منها إلى مياه الآبار والأنهار والبحار القريبة منها، بل وقد تعمد لتصريفها في مياه البحار والأنهار مباشرة دون معالجة رغم ما تحمله من أضرار صحية بالغة لمواطنيها ولكافة شعوب الأرض.

الطحالب هي الحل

ولحل تلك المعضلة البيئية كان لا بد من البحث عن وسيلة طبيعية آمنة صحيا ولا تمثل عبئا جديدا على البيئة المثقلة بالملوثات، وفي نفس الوقت زهيدة الثمن بسيطة التجهيز لا تمثل عبئا ماليا أو فنيا يضاف لتكاليف الإنتاج.

وقد وجد الدكتور عبد الحميد علي حمدي أستاذ كيمياء الطحالب البحرية بقسم المنتجات الطبيعية والميكروبية بالمركز القومي للبحوث بالقاهرة ضالته المنشودة في الطحالب البحرية، لإنتاج خليط منها يعمل على تنقية مياه الصرف الصناعي تماما من المعادن الثقيلة مهما ارتفعت درجات تركيزاتها في المياه، معتمدا على ما تحويه الطحالب البحرية من مواد كربوهيدراتية ذات قدرة عالية على إدمصاص المعادن الثقيلة.

وتتميز المادة التي قام بتحضيرها من خليط من أنواع الطحالب المختلفة بإمكانية استخدامها بذات الكفاءة لمرات متعددة تصل إلى عشرين مرة فضلا عن إمكانية انتزاع المعادن الثقيلة منها واستخلاصها لإعادة تدويرها في العملية الإنتاجية. وقد نالت أبحاثه المنشورة في هذا المضمار بالدوريات العلمية العالمية تقدير الدوائر العلمية العالمية والمحلية على السواء، حيث حصل على جائزة الدولة التشجيعية في العلوم التكنولوجية المتقدمة لعام 2002 تقديرا لجهوده وأبحاثه في هذا المجال.

وتنتمي الطحالب للمملكة النباتية، وهي ذات مجموعة خاصة لا تتميز أجزاؤها إلى جذور أو سيقان أو أوراق، كما يوضح الدكتور عبد الحميد حمدي، وتنمو بصورة طبيعية في البيئة المائية في مستعمرات كبيرة المساحة على الشعب المرجانية. وتتنوع أشكالها وألوانها وأحجامها ويصل أطوال بعضها في المحيطات إلى نحو أربعين مترا، حتى ليخيل لمن يتجول بينها تحت الماء أنه وسط حديقة وارفة متعددة النباتات. وقد تعارف العلماء على تقسيم الطحالب إلى ثلاثة فصائل رئيسية طبقا لألوانها التي تميز بينها، حيث يوجد منها طحالب خضراء وحمراء وأخرى بنية اللون.

تكنولوجيا بسيطة تمنع البلاء

الطحالب.. تلتهم مخلفات الصناعة

طحالب بنية

وقد تبين للدكتور عبد الحميد من خلال أبحاثه ودراسته المتعمقة لكيمياء الطحالب التي تواصلت على مدى عشرين عاما أن جميع أنواع الطحالب البحرية بألوانها المختلفة لها نفس القدرة على إدمصاص المعادن الثقيلة. وإن كانت توجد بعض الاختلافات في قدرة بعض الطحالب على إدمصاص معادن بعينها أكثر من الأنواع الأخرى.

لذا عمد إلى انتخاب أفضل الطحالب من كل نوع من الأنواع الثلاثة البنية والخضراء والحمراء لإدمصاص أكبر كمية من المعادن الثقيلة؛ حتى توصل لخليط منها تصل قدرته وفاعليته إلى إدمصاص جميع المعادن الثقيلة تماما بنسبة 100% من مياه الصرف الصناعي بتركيزاتها المختلفة.

وتقوم فكرة الأبحاث التي قام بها الدكتور عبد الحميد على ما هو ثابت علميا من إطلاق المعادن الثقيلة الذائبة في المياه لشحنات كهربية موجبة، بينما تنتج مجموعات الكبريتات والكربوكسيدات والسلفاهيدريل الموجودة في المواد الكربوهيدراتية والبروتينية التي توجد في الطحالب شحنات سالبة، وهو ما يؤدي إلى جذب المعادن الثقيلة لهذه المكونات والتصاقها بها واتحادها معها وبالتالي انتزاعها من المياه وتنقيتها منها.

ويقول الدكتور حمدي: إن تحضير المواد الفعالة في عملية الإدمصاص لا يحتاج لتكنولوجيات خاصة، حيث إنه يتم استخدام الطحالب في صورتها الطبيعية ولا تستخلص منها المواد الفعالة لتقليل التكلفة، ويتم ذلك بطحن الطحالب بعد تجفيفها ووضعها في وعاء أسطواني على هيئة عامود يتم تصميمه حسب حاجة المنشأة الصناعية، ونوع المعادن الثقيلة التي تحتويها مخلفاتها ودرجة تركيزها وكمية المياه التي تصرف بها مخلفاتها، ويتم ذلك بتحليل عينات من مياه الصرف للمنشأة قبل التنقية وبعدها، وتمرر مياه الصرف الصناعي عبر العامود الذي يتم وضعه بشكل رأسي لتخرج المياه من الجانب الآخر خالية تماما من المعادن الثقيلة.

إعادة التدوير بدل الإهدار

وبعد تشبع العامود بالمعادن التي تم إدمصاصها يمكن رفعه وغسله بحامض الهيدروكلوريك أو حامض النيتريك أو حامض الكبريتيك لاستخلاص هذه المعادن وإعادة تدويرها في العملية الصناعية، ويعاد استخدام العامود المحشو بالطحالب بعد غسله بالحامض بنفس الكفاءة لمرات متعددة.

ويتوقف عدد المرات التي يعاد فيها استخدام العامود المحشو بالطحالب على نوع المعادن التي ينتزعها من المياه وتركيزاتها، فضلا عن نوعية وتركيز الحامض الذي يغسل به؛ فكلما قلت تركيزات المعادن الثقيلة في المياه يكون معدل الإدمصاص أفضل. وقد أكدت التجارب العملية ثبات كفاءة مخلوط الطحالب الذي توصل إليه الدكتور عبد الحميد حمدي لإدمصاص المعادن الثقيلة من مياه الصرف الصناعي بنسبة 100% حتى المرة العشرين من استخدامه، وقد انخفضت كفاءته نحو عشرين بالمائة فقط بعد ذلك.

ويعد استخدام الطحالب في تنقية مياه الصرف الصناعي عديم التكلفة مقارنا بالأجهزة والتجهيزات والمواد الكيميائية التي تستخدم حاليا لهذا الغرض، والتي تتمتع بتكلفة عالية لا تشجع المنشآت الصناعية على استخدامها، فضلا عن مخاطرها الجانبية على البيئة بما فيها صحة الإنسان، خاصة عند استخدامها بتركيزات عالية.

بينما تنمو الطحالب في المياه بطريقة طبيعية، ويعد التخلص من الكميات الهائلة من هذه الطحالب التي تلقيها المياه على الشواطئ أحد المشاكل البيئية. كما يمكن استزراعها إذا دعت الحاجة لذلك في سهولة ويسر.

اقرأ أيضًا:

  • مخلفات حيوانية.. تشفط بقع البترول
  • تنقية المياه.. بقشر السمك والجمبري
  • تجربة مصرية لاستثمار المخلفات الزراعية