الحمى القلاعية تهدد بعض الأنواع النادرة من الماشية بالانقراض.. تحطيم غابات البامبو يهدد حيوان البندا.. إضراب صيادي هولندا بسبب غلق شواطئ للصيد.. انتقادات حادة لصيادي النرويج لاصطياد الثعالب رغم القوانين..

تتوالى مثل تلك الأخبار عن الانقراض Extinctionفي وكالات الأنباء العالمية بشكل شبه يومي، فلماذا كل هذه الضجة؟ خاصة إذا علمنا أن الانقراض ( أي الاختفاء كلية من فوق الأرض) جزء طبيعي وربما ضروري في منظومة الحياة.. وأنه سمة من السمات الثابتة لها؟؟.

يبدو أن الأمر أخطر مما نتخيل.. فالانقراض اليوم يتم بمعدل أكبر 40 مرة من معدل الانقراض الطبيعي المتعارف عليه سابقا.. حيث كان الانقراض في الماضي يتم خلال مئات الآلاف أو الملايين من السنين .. أما الانقراض اليوم فيكفيك أن تعلم أننا فقدنا مئات الآلاف من الأنواع خلال الأعوام الخمسين الماضية فقط، ولو استمر هذا المعدل الإفنائي؛ لفقدنا النصف من كل أنواع الكائنات الحية في خلال القرن القادم، هذا إذا أخذنا في اعتبارنا أن 98% من كل الأنواع التي عاشت على الأرض قد انقرضت بالفعل حسب إحصائيات عام 1999.. والكثير الآن مهدد بالانقراض.

تاريخ الانقـراض

الانقراض بدأ مع الحياة منذ ما يقرب من أربعة بلايين سنة.. ويقدر علماء الحفريات أن هناك ما يقرب من خمسة انقراضات كبيرة حدثت منذ بداية الكون، وهي غالبًا إما أن تحدد نهاية حقبة من الزمان أو بداية أخرى..

وتتم الدراسات عادة على بقايا حفريات الكائنات البحرية.. والتي تؤكد للعلماء.. أن في كل مرة من تلك الانقراضات.. يموت من ربع إلى نصف الأنواع الحية جميعها خلال عدة ملايين من الأعوام.

وكان أكبر انقراض حدث منذ 240 مليون سنة.. اختفى فيها 80 إلى 96% من كل الأنواع الموجودة.. ومن قبله كان الانقراض الذي حدث منذ 435 مليون سنة.. وآخر منذ 360 مليون سنة مات فيه عشرات الآلاف من المخلوقات خاصة الكائنات الدقيقة.

وكان هناك انقراض آخر من 205 ملايين سنة.. قضى على كثير من أنواع الزواحف والبرمائيات؛ مما أدى إلى ظهور عصر الديناصورات، أما أحدث انقراض فقد حدث منذ 65 مليون سنة.. حينما اختفت الديناصورات.. وظهر عصر الثدييات الذي نعيش فيه الآن.

الانقراض الحالي مدمر

العالم.. ينقرض من حولك

وحيد القرن الذي يتعرض للصيد الجائر لبيع قرنه

يؤمن علماء البيولوجي أن جميع أنوع النبات والحيوان على الأرض (ما يقرب من 100 مليون) تعمل على تحقيق منظومة بيئية مناسبة لجميع ساكني هذا الكوكب.. وفقدان الأنواع يومًا بعد يوم يضعف قدرة البيئة على دعم الحياة.. بل إن فقدان النوع الواحد قد يؤدي إلى انقراض آخر، مثال ذلك العصفور الناقل لحبوب اللقاح من زهرة إلى زهرة.. فإذا فُقد هذا العصفور فإن ذلك يؤدي يومًا ما إلى فقد النبات.

ويعترف العلماء بأن دراسة الانقراض تواجه كثيرًا من التعقيدات، وأنها تعتبر من العلوم الحديثة نسبيًّا، ويتفقون جميعًا على أن الانقراض لم يترك كائنا على سطح الأرض بداية من الكائنات الدقيقة إلى الثدييات العملاقة.. مرورًا بالنباتات والأسماك وهو يغطي البيئات المختلفة من أنهار وبحيرات إلى صحاري وغابات ممطرة.

ولدراسة الانقراض في بيئة ما، يركز العلماء على منطقة معزولة أو مجموعة من الكائنات مجتمعة في مكان محدد كعينة للدراسة، ويتم تجميع المعلومات ومحاولة رسم صورة للانقراض حول العالم على اعتبار أن المؤثرات عادة ما تكون متشابهة.

كما أن هناك نوعا أخر من الدراسة عن طريق العلاقة بين النوع والمساحة Species relationship – area؛ حيث يقرر العلماء بعملية حسابية بسيطة أنه إذا قلت أي برية إلى النصف فإن 15% من أعداد الأنواع بها تموت.. وهكذا.

وإليك بعض الإحصائيات المسجلة عن الانقراض علها توضح لنا بعض أبعاد المشكلة:

  1. تمثل الثدييات ما يقرب من 4300 نوع.. 60 منها انقرضت منذ القرن التاسع عشر و650 نوعا مهددا بالانقراض.
  2. الزواحف حوالي 4700 نوع، انقرض منها عشرون، وهناك 210 نوعًا مهددًا بالانقراض.
  3. البرمائيات، والتي بدت أكثر حظًا من غيرها؛ حيث انقرض منها 5 أنواع فقط من إجمالي 4000 نوع من الضفادع، إلا أن هناك انخفاضًا ملحوظًا في أعداد مجتمعاتها منذ السبعينيات.
  4. أما الطيور فقد انقرض منها ما يقرب من 75 نوعًا من إجمالي 10.000 نوع أشهرها الحمام الزاجل، ومهدد ما يقرب من 1100 نوع منها بالانقراض في خلال عشرات السنين القادمة، أي 10% من إجمالي الأنواع وهو رقم أكبر عشر مرات من رقم القرن التاسع عشر ..

وغالبًا ما تكون التأثيرات مماثلة على النبات والثدييات والأنواع الأخرى.. فلو افترضنا جدلاً أننا سنفقد 10% من كل الـ100 مليون نوع التي تعيش على الأرض القرن القادم، إذن فنحن نفقد 10.000 نوع كل عام أو 30 نوعًا يوميًا.

ولم تكن النباتات بمنأى عن ذلك.. وتهديدها يعد أمرًا خطيرًا؛ حيث يستمد الإنسان 90% من سعراته الحرارية من 100 نوع منها فقط.. في القرن الجنوبي الإفريقي كمثال منطقة متميزة تسمى Fynbols بها ما يقرب من 8.500 أنواع متميزة من النباتات، انقرض منها 26.. وهناك 600 نوع مهدد بالانقراض.. كما أن 4 إلى 5% من نباتات أمريكا انقرضت بالفعل.

انقراض الأسماك

التطور الهائل الذي حدث في أجهزة الصيد منذ الخمسينيات والستينيات كان نكبة على ثرواتنا السمكية.. فقد دخلت أجهزة الرادار والسونار.. مدعومة بالأقمار الصناعية ومعلوماتها عالم الصيد، بل استخدمت حبال للصيد ذات أحجام وأطوال كبيرة تصل إلى 8 كم بها آلاف من الخطاطيف تحمل الطعوم للأسماك. بهذه الإمكانيات استطاع الصيادون اصطياد من 40-80% من مختلف أنواع الأسماك في المحيطات والبحار خلال عقدين..

وقد ظن العلماء أن الأسماك يتزايد إنتاجها؛ لأنها سريعة الإخصاب مما يحميها من الإبادة، لكن هذا الاعتقاد كان خاطئا.. ولم تستطيع البيئة البحرية أن تعوض المفقود أولاً بأول، بل إن فقدان الأسماك يعرض الثدييات العملاقة التي تتغذى عليها كالحيتان للمجاعة. لقد انقرض بالفعل40% من أسماك المياه العذبة في شمال أمريكا القرن الماضي.. وستفقد أمريكا معظم أحياء مياهها العذبة إذا استمر الحال بهذا المعدل؛ حيث وجد أن 51% من أحيائها تقل أعدادها بشكل كبير. والأنواع المهددة بالانقراض حول العالم لا حصر لها؛ حيث يتوقع العلماء كمثال أن ينقرض 26% من بين 1021 نوعًا من الأسماك خلال هذا القرن.

الأسباب العلمية لزيادة معدل الانقراض

الإنسان هو المتهم الأول دائمًا، فهو يتسبب في المشكلات العميقة ثم يجلس في حيرة يفكر في الحلول، وكلما زاد معدل السكان جار الإنسان على البيئات المحيطة به في رحلته للبحث عن قوته، مجحفًا بالتوازن الذي خلقه الله في كونه.

فجزر هاواي التي بقيت بيئة ثابتة لآلاف السنين فقدت مئات من الأنواع من النبات والحيوان والطير منذ اكتشافها من 2000 عام، واختفى الطائر آكل العسل المميز وسط مائة نوع أخرى من الطيور . بل إن 2000 نوع من الطير اختفت في جزر المحيط الهادي جميعها منذ وجود الإنسان.

ومن أخطر الأشياء التي يفعلها الإنسان هو تحطيم بيئات الغابات الاستوائية، والتي تعتبر من أهم البيئات للحفاظ على تطور الحياة وتجددها وهى مأوى لأنواع لا حصر لها من النبات والحيوان والطير.. ورغم هذا فهي من أكثر الأماكن تهديدًا؛ حيث يجير عليها الإنسان، ويقلل من مساحتها الشاسعة، وينهب ثرواتها دون هوادة.

ومن بعض الحيوانات المهددة بالانقراض بسبب أفعال الإنسان هي الأفيال وبعض أنواع القرود بسبب تحطم بيئات معيشتها وصيدها لحدائق الحيوانات، والنمور التي ما زالت تعيش في آسيا، وحيوان الشيتا الذي يعيش الآن في بعض مناطق أفريقيا وآسيا والتمساح الأمريكي بسبب تحطم بيئاتها وصيدها للرياضة، والنمور الثلجية البيضاء بسبب جلودها، وحيوان البندا الذي لا يوجد منة الآن إلا 1000 حيوان حول العالم.

وهناك أسباب أخرى للانقراض يحددها العلماء، مثل:

  • التغير في مناخ العالم، والذي اعتبر من أهم أسباب الانقراض عبر العصور الماضية، مثل: الجفاف، والحرارة الشديدة، وانخفاض مستوى البحار، وهبوط درجة الحرارة، وتمدد الثلوج الذي يسبب انخفاضًا في المحيطات الدافئة التي تعيش بها معظم الكائنات، كما أن الأنشطة البركانية أيضًا تعد سببا هامًا وراء الانقراض.
  • بل إن إحدى نظريات انقراض الديناصورات كانت نظرية اصطدام الأرض بالكويكبات التي تقذف بلايين الأطنان من الأتربة.

ويحاول الإنسان جاهداً أن يضع القوانين الصارمة لحماية البيئات من حوله كان أولها قوانين تحمي الحياة البرية في شمال أمريكا في القرنين السابع والثامن عشر، إلا أنه تارة يحالفه بعض النجاح، وتارة يشعر أنه يدور في دائرة لا نهاية لها، فكلما سد ثغرة فيها فتحت علية آلاف الجبهات.

نهى سلامة