تعتبر مشكلة الكتلة المفقودة من أعقد المشكلات التي تواجه علماء الفلك، ويطلقون على هذه الكتلة اسم المادة القاتمة، فهي معتمة ولا يمكن رؤيتها رغم أنها تمثل 90% من كتلة الكون المفترضة.
فحسب تقديرات العلماء يضم الكون المنظور حوالي 100 ألف مليون مجرة، وكل مجرة تحوي على الأقل 100 ألف مليون نجم، ولكن هذا كله لا يشكل سوى 10% من الكتلة المفترضة للكون، وفي ظل هذا الوضع تُعَدُّ كثافة الكون طبقًا للمتوقع المرصود قليلة جدًّا عن الكثافة الحرجة، وهي نموذج محدد بالحسابات الرياضية مقداره من 3 – 4 ذرات هيدروجين لكل متر مكعب من الفضاء، حتى يمكن للمادة بهذا المقدار الحفاظ على مستوى من الجاذبية لوقف تمدد الكون.
ولكن كثافة الكون الحالية لا تزيد عن 1 – 2 ذرة هيدروجين في المتر المكعب من الفضاء الكوني، وهذا يعني أن هناك كتلة مفقودة في الكون، ولا نعلم عنها شيئًا، قد تكون كما يقول الباحث نبيل عبد الفتاح في كتابه “الكون ذلك المجهول” عبارة عن جسيمات أو عناصر كيمائية لا نعلم عنها شيئًا، ولا تخضع لقياس الأجهزة الحالية المستخدمة في قياس العناصر الكيمائية أو نظائرها؛ لأنها مصممة أصلاً طبقًا للنظرية الذرية الحديثة.
ولا أحد يعرف طبيعة تكوين هذه المادة القاتمة، فبعض العلماء يقول: إنها باردة إلى الحد الذي لا تطلق معه أية إشعاعات أو أضواء يمكن رصدها مثل النجوم والمجرات التي تموج بالتفاعلات النووية، مصطلح الجسيمات الباردة في علم الفيزياء يعني أنها جسيمات بطيئة الحركة، فإذا كانت كذلك فلا يمكنها بالتالي جمع ملايين النجوم في المجرات، وجمع آلاف المجرات في تجمعات ضخمة.
أما إذا كانت المادة القاتمة ساخنة فهذا يعني أن جسيماتها سريعة الحركة، وأنها حقًّا تقوم بالمهمة، ويتولد عنها جاذبية كبيرة تشدُّ النجوم داخل المجرات، وتعمل على توازن الكون، ولكن لو كان هذا صحيحًا لتَمَّ اكتشاف جسيمات هذه المادة بما يخرج منها من إشعاعات وحرارة، وهذا لم يحدث، وهنا وجد العلماء أنفسهم أمام مأزِق.
أعاد العلماء حساباتهم بالنسبة لكتلة مادة الكون المنظور، فأضافوا إليها المادة الموجودة في الثقوب السوداء المنتشرة في الفضاء الكوني، والمادة الناشئة عن انفجار النجوم بين المجرات، وجسيمات النيوترينو السابحة في الكون، وكذلك الأشعة الكونية، وبعد هذه الإضافات لم تزد كتلة الكون المنظور عن 30% في أحسن الافتراضات من الكتلة التي ينبغي أن يكون عليها الكون؛ حيث هناك 70% من الكتلة مفقود.
وأمام استمرار هذا المأزق اقترح بعض العلماء تفسيرًا لطبيعة تكوين المادة القاتمة، مفاده وجود جسيمات من نوع جديد تدخل في تركيبه، وتعرف باسم الجسيمات الثقيلة ضعيفة التفاعل weakly interactive massive paticles التي تعرف اختصارًا باسم WIMP، ولكن هذه الجسيمات لم تُكتشف بعد بكافة الأجهزة المتاحة.
واقترح علماء آخرون أن هذه المادة قد تكون نوعًا من الأربطة الكونية Cosmic Strings، وهي تشبه إلى حد ما الأشرطة الطويلة للحامض النووي DNA التي تحمل العوامل الوراثية للجنس البشري داخل كل خلية، فكذلك الأربطة الكونية تربط بين المجرات وبين النجوم داخل المجرات.
ومنذ أوائل الثمانينيات أخذ العلماء في البحث عن أشياء غير مألوفة لنا قد تدخل في تركيب هذه المادة القاتمة، وترتب على ذلك ظهور نظرية الثقوب البيضاء White Holes على أساس أن كل مجرة تحوي في قلبها ثقبًا أبيض ذا كثافة عالية جدًّا تعمل على مَدِّ المجرة بالمادة، ولكننا لا نرى هذه الثقوب أو نلاحظها بعكس الثقوب السوداء التي نلاحظها خاصة الإشعاعات العارمة التي تنطلق عند حافتها عند ابتلاعها لنجم عملاق مجاور.
فالثقوب البيضاء لا نراها ولا نلاحظها؛ لأن كثافتها لا نهائية تأسر الضوء، ولكنها تمد المجرة بالتوازن والاستقرار والجاذبية اللازمة للاحتفاظ بالنجوم في مجالها، ولكن المشكلة أن هذه النظرية لم تشرح لنا كيف تكونت الثقوب البيضاء مثلما نعرف عن الثقوب السوداء.
وتبقى مشكلة المادة القاتمة والكتلة المفقودة لغزًا لا زال يحير علماء الفلك ويبحثون عن تفسير له.
خالد يونس