وردت كلمة اللبن في القرآن الكريم في قوله تعالى: “وَإِنَّ لَكُمْ فِي الأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِين” (النحل: 66).
وقال تعالى في وصف الجنة: “مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفَّى…” (محمد: 15).
وذكر رسول الله (ﷺ) فضل اللبن (الحليب) على غيره من الطعام فقال: “من أطعمه الله طعامًا، فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وأطعمنا خيرًا منه، ومن سقاه الله لبنًا فليقل: اللهم بارك لنا فيه، وزدنا منه، فإنه ليس شيء يجزئ من الطعام والشراب غير اللبن” (رواه أحمد وأبو داود)
اللبن هو إفراز الغدد الخاصة لإناث الحيوانات الثديية، واللبن سائل أبيض شفاف مائل إلى الصفرة، ذو رائحة خفيفة، حار المذاق.
خواص اللبن الطبيعية والكيميائية: من خواص اللبن الطبيعية والكيميائية سرعة امتصاصه للغازات والروائح والجراثيم القريبة منه؛ وذلك لاحتوائه على المواد الدهنية، والسكرية، والزلالية، كما أنه قابل للاختمار بسرعة إذا تُرك مدة، وينسب ذلك إلى تكاثر بعض أنواع البكتريا عليه فتصيره حمضيًّا، حتى إذا ما ارتفعت فيه درجة الحموضة تجمد، وقد يتجبن أيضًا من تلقاء نفسه بدون وجود أثر للحموضة فيه، وينسب ذلك إلى الحالات الصحية للحيوان.
وإذا تُرك اللبن بدون حركة على درجة الحرارة العادية فإن أجسامًا صغيرة من الدهن تطفو وتكون طبقة “القشدة”، وإذا سخن اللبن لدرجة 50ْ سنتجراد أي 102ْ ف يتكون فوق سطحه قشرة رقيقة من الزلال المتجمد، وبعض عناصر اللبن قبل درجة الغليان. وبياض لون اللبن يرجع إلى العدد العظيم من الكرات الدهنية المعلقة به، ومن وجود المواد الكبريتية والمعدنية.
تركيب اللبن الكيميائي: يتركب اللبن من: الماء، والدهن، ومركبات البروتين، وسكر اللبن، والمواد المعدنية (الرماد)، والفيتامينات، ومواد أخرى بكمية قليلة كالغازات، والإنزيمات، والمواد الملونة، وبعض الأحماض، وتختلف نسبة هذه المركبات بعضًا على بعض تبعًا لتأثير عوامل مختلفة، منها تغيير أوقات الحلب، واختلاف نوع الحيوان، وسنه، واختلاف المرعى، والسلالات، على أن الدهن هو أكثر المركبات تغييرًا.
مركبات اللبن وخواصها
1 – الماء: ونسبته في اللبن من 80 -90%، وهو يحمل المركبات الأخرى، إما على حالة تعليق أو ذوبان، ويمكن فصله عن المركبات الأخرى بالتجفيف، كما في مستحضرات الألبان لغذاء الأطفال.
2 – الدهن: ويسمَّى أيضًا بالدسم، وهو موجود على حالة تعليق على شكل كرات دقيقة شفافة مختلفة الأحجام سابحة في اللبن على حالة مستحلب، وتختلف نسبته على حسب نوع الحيوان وسلالته؛ ففي البقر يكون بين 3 – 5%، وفي لبن الجاموس من 6 – 9% وبالدهن أحماض طيارة قابلة للذوبان في الماء مثل حمض البيوتريك… إلخ. ويُنسب إلى وجودها طعم ورائحة اللبن والزبد وغيرها، وبه أيضًا أحماض غير طيارة وغير قابلة للذوبان في الماء مثل حامض الإستياريك.
ويتحلَّل دهن اللبن من تأثير بعض الكائنات الحية الدقيقة، فتنفرد بعض الأحماض كحامض البيوتريك مثلاً، وهو المسبب للرائحة في الجبن والزبد.
والدهن أقل كثافة من المواد التي باللبن؛ ولذا كان معرضًا للطفو على سطحه، فإذا تُركت كمية من اللبن مدة 24 ساعة مثلاً أمكن فصل الطبقة الطافية المسماة بالقشدة، وباختراع الفرَّازات أمكن التغلب على فصل معظم الدهن الذي في اللبن، ويسمَّى في هذه الحالة بـالكريمة”.
3 – المواد البروتينية: ونسبة هذه المادة في اللبن تتراوح بين 2.5 – 4.2%، وأهمها الكيزين؛ إذ يبلغ نحو 80% من مجموعها، ويليه زلال اللبن المسمى بالألبيومين.
(أ) الكيزين: يوجد في اللبن متحدًا بعنصر الكالسيوم على حالة جزئيات جيلاتينية دقيقة سابحة فيه على حالة تعليق، وليست على حالة ذوبان، وهو لا يتأثر بالحرارة، ولكن يتأثر بالمنفحة والأحماض؛ ولذا كان أهم المركبات في صناعة الجبن.
(ب) الألبيومين: وهو نوع من البروتين على حالة ذوبان في اللبن يتجمد بالحرارة، ولكنه لا يتجبَّن بتأثر المنفحة أو الحمض؛ فإذا أزيل الدهن والكيزين، فإنه يتبقى سائل أصفر مائي يحتوي على المواد الغذائية، ويُسمَّى “مصل اللبن” أو “سيرم اللبن” أو “الشرش”.
4 – سكر اللبن “لكتوز”: وتختلف نسبته في اللبن ما بين 4 – 6% من مجموع عناصر اللبن، ويوجد على حالة محلول يشبه في التركيب السكر العادي، ولكنه أقل حلاوة وذوبانًا، ويتحلل بسهولة بتأثير بكتريا حمض اللكتيك إلى حمض اللكتيك، وبمجرد تكوين كمية كافية من هذا الحمض تقدر بنحو 0.8 – 1%، فإن اللبن يتجبَّن، ويصير قليل الفائدة.
5 – أملاح اللبن (الرماد): توجد أملاح اللبن بكميات صغيرة، ولكنها عظيمة الأهمية في صناعة الجبن، ونسبتها في اللبن قد تصل إلى 9%، ومنها جزء ذائب وجزء على حالة تعليق، وأهمها أملاح الكالسيوم، والبوتاسيوم، والصوديوم، والمغنيسيوم، والكلور.
6 – الفيتامينات: وهي موجودة باللبن بجميع أنواعها؛ ولذا اعتبر اللبن من الأغذية الواقية لعظم أهميتها، ويؤدي نقصها باللبن للإصابة بأمراض مختلفة، كالكساح في الأطفال، والبلاجرا، والأسقربوط في الكبار… وغيرها، وتتأثر مادة الفيتامين بالحرارة، فتتحلل وتفقد خواصها نهائيًّا؛ ولذا كان استمرار الأطفال على التغذية باللبن المغلي أو المجفف الذي فقد الفيتامين يولِّد فيهم الكساح، ويوقف نموهم؛ ولذا يجب تعويض هذا النقص بإعطائهم عصير الفاكهة الغنية بالفيتامين.
القيمة الغذائية للَّبَن: غذاء كامل لاحتوائه على مقادير من البروتين، والدهن، وسكر اللبن، والمواد المعدنية، وجميع القوى الفعَّالة في الحياة بنسب متوازنة؛ ولذا يمكن للإنسان أن يقصر غذاءه عليه زمنًا طويلاً، وخصوصًا الأطفال؛ لسهولة هضمه بدرجة لا تضارع.
غش اللبن: يُعَدُّ اللبن مغشوشًا إذا نُزِع جزء من مركباته أو أضيف إليه مركب خارجي يغير تركيبه الكيميائي الحقيقي، ويلجأ بائعو اللبن إلى غشه؛ نظرًا لوجود الصعوبات في تحديد تركيب اللبن الطبيعي، فمثلاً الدهن، وهو أهم المركبات تتغير نسبته في المواشي كما ذكر سابقًا، وكثافة اللبن النوعية يمكن تعديلها بسهولة بنزع الدهن، وإضافة الماء والمواد التي تزيد في كثافته. كذلك يمكن حفظه من التلف حتى يظهر للمستهلك كأنه طازج، وذلك بغليه أو إضافة بعض المواد التي توقف عمل البكتريا.
طرق غش اللبن
1 – تقليل نسبة الدهن: (أ) بإضافة الماء. (ب) بنزع القشدة. (جـ) بإضافة الماء ونزع القشدة. (د) بإضافة اللبن الفرز.
2 – إضافة مواد تزيد في الكثافة مثل: النشا – الطباشير – الزلال – بياض البيض – الصمغ – الدقيق – صفار البيض – الغراء – الجيلاتين.
3 – إضافة مواد ملونة: مثل الدكستورين (السكر المحروق)، أو الملونات الصناعية كالانوتو وهو غير ضار، أو أصباغ الأنيلين وهو سام، ويجب اجتناب استعماله بتاتًا.
4 – إضافة مواد حافظة: مثل بيكربونات الصوديوم أو البوركس أو الفورمالدهين أو حمض السلسيك، وهذه المواد حافظة، إلا أن جميع الحكومات تحذر استعمالها لضررها على صحة الإنسان.
اختبار اللبن
يختبر اللبن في المعامل بعدة طرق، وباستعمال أدوات خاصة؛ ولذا لا يمكن إجراء هذه التجارب في المنزل.
طرق اختبار اللبن في المنزل:
يمكن ربة المنزل اختبار اللبن بإحدى الطرق الآتية:
1 – يُصَبُّ مقدار ملعقة من اللبن في زجاجة بيضاء صغيرة، ثم يسكب ما بها من اللبن فإذا انصب ببطء وترك أثرًا على جدران الزجاجة دل على احتوائه على مادة الدهن.
2 – توضع نقطة من اللبن على سطح أملس كالظفر، فإن تفرطحت وشغلت مسطحًا كبيرًا كان اللبن قليل الدهن. أما إذا شغلت شكلاً كرويًّا كان اللبن كثير الدهن.
3 – وضع بعض نقط من اللبن في راحة اليد، ثم فركها جيدًا براحة اليد الأخرى حتى تجف، فإن كثر لمعان سطح راحة اليد دل ذلك على كثرة الدهن، والعكس بالعكس.
4 – تغمس قطعة من النشاف في اللبن، ثم تنزع وتترك في الهواء حتى تجف، ثم تعرض لحرارة متوسطة، فإذا ظهرت بقع دهن كبيرة كان اللبن غزير الدهن.
د. سلوى عبد الله أمين