تثير الأغذية المهندسة وراثيا جدلاً واسعًا سواء في الأوساط العلمية أو على مستوى الأشخاص العاديين، خاصة بعد بدء تطبيق تلك التقنية بشكل واسع في المحاصيل الزراعية، وما زال أمامنا الكثير من الوقت حتى يمكن للأبحاث أن تحسم هذا الجدل..
وفي إطار الجدل المحتدم حول الأغذية المهندسة وراثيا ومدى ضررها أو نفعها للإنسان والبيئة، أعلنت مؤخرا الأكاديمية الأمريكية الدولية للعلوم اعتزامها إصدار تقرير تدين فيه وزارة الزراعة الأمريكية USDA، وتتهمها فيه بتبني قواعد غير واضحة في الهندسة الوراثية تفتقد إلى الدليل العلمي.. خاصة فيما يتعلق بمخاطر البيئة غير المعلومة من جراء استخدام الطعام المهندس وراثيا، وفيما يتعلق بجزئية مقاومة النبات للحشرات التي تبدو سطحية للغاية. بل ذهبت إلى أبعد من ذلك حين اتهمتها بإخفاء أسرار عديدة عن تعمد. وقد علقت جمعية “السلام الأخضر” بقولها: إن الولايات المتحدة تهتم بالتقنية الحيوية Biotechnology أكثر من اهتمامها بالبيئة والصحة العامة.
أمراض بلا تفسير
وكان الجدل قد اشتعل من جديد بعد أن أشارت إحصائيات عام 2000 إلى أن نسبة الأمراض المتعلقة بالطعام قد زادت من 2 إلى 10 أضعاف بالمقارنة بما قبل 1994، وهي السنة التي انطلق فيها استخدام الأطعمة المعدلة وراثيا في أمريكا على مصراعيه؛ فقد تم رصد 250 مرضًا بنهاية عام 2000، وفي كل مرة يكون السبب مجهولاً. أما الأعراض فهي عادة ما تكون الإسهال والقيء.. ويتبعها أعراض أخرى أكثر خطورة مثل: تسمم الدم، الإجهاض، دم البول، العدوى، ثم الموت، أو حدوث اضطرابات مزمنة في القلب، والجهاز العصبي أو الجهاز الهضمي.
76 مليون حالة سنويًا من جراء الأمراض المتعلقة بالطعام تسجل في أمريكا كل عام، منها 14 مليون حالة معروفة المصدر والباقي سببه مجهول. قبل عام 1994 كانت الأعداد تتراوح بين 6 إلى 33 مليون حالة مرضية كل عام، وفي دراسة مقارنة سويدية أوضحت أن السويد وأمريكا كانتا متماثلتين في الأرقام في عام 1994، إلا أن الفجوة بدأت تتسع، وزادت الأرقام الأمريكية عشرة أضعاف عن السويد التي لم تحذُ نفس الحذو في مجال الهندسة الوراثية.
ويحذر المختصون من أن هذه الإحصائيات قد تشير إلى احتمالية تواجد فيروسات وبكتيريا طورت حديثا من جراء ظهور جينات جديدة غير معلوم عواقبها في المحاصيل المعدلة وراثيًا نتجت عن اتحاد الجينات في اللعبة الوراثية.
ماذا وكيف يهندسون؟
تعرف التقنية الحيويةBIOTECH على أنها استخدام وسائل الصناعات الحديثة كالتقنيات والآلات في مجال العلوم البيولوجية. أما الهندسة الوراثية التي تُعد إحدى تطبيقات BIOTECH فهي تشير إلى دخول نوع من معالجة جينات الـ DNA للكائن؛ فينشأ عن ذلك ظهور جينات جديدة لم تكن لتظهر في الطبيعة لولا تدخل الإنسان.
عملية نقل الجينات قد تحدث بين النوع الواحد، أو بين الأنواع المختلفة، أو حتى بين الممالك المختلفة؛ مثل نقل جين من الحيوان إلى النبات. ويشير الطعام المهندس وراثياً إلى أي منتج به مكونات من أي كائن آخر طور وراثيا.
لا.. للهندسة الوراثية
“لا”.. هي كلمة أطلقها كل من يؤمن بأن التكنولوجيا المستخدمة في هذا المجال حديثة، وتظهر نتائج جديدة يوما بعد يوم؛ فحتى الآن لم تظهر أي أبحاث مؤكدة أو ضمانات محددة لاستخدام الطعام المهندس وراثيا؛ لذا فتأثيرها على المدى البعيد غير معروف.
ومن ضمن تلك التأثيرات:
تأثّر الحياة البرية نتيجة للتحكم الزائد في الحشرات والنباتات غير المرغوب فيها؛ حيث يستحيل اكتشاف وجود خطأ جيني إلا بعد فترة طويلة، بعدما يكون قد استشرى في الأجيال، ومع التأثيرات المعاكسة وظهور الطفرات قد يؤدي إلى وجود كائنات أخرى غير مرغوب فيها فتتسبب في وباء بيئي.
انتقال بروتينيات جديدة وغير معروفة من طعام إلى آخر واتحادها مع بعضها البعض قد يسبب سموما غير متوقعة في الطعام الجديد، وهذه السموم تكون مسببة للحساسية التي تؤدي بدورها إلى مشاكل غير متوقعة يصعب اكتشافها؛ لأنها تتطور على المدى البعيد، وربما يتعرض الإنسان لسموم في طعامه العادي، إلا أن الكميات المركزة الناتجة عن الطعام المطور هندسيا تشكل خطراً وتهديداً أعمق بكثير، خاصة أنه يصعب تتبع المريض الذي يتناول الطعام المهندس وراثياً، كما أن احتمالية حدوث سرطانات لتناول هذا الطعام كبيرة، ولا يوجد ما يؤكد عكس ذلك.
وفي النهاية لا توجد أبحاث حتى الآن مؤكدة، تثبت بشكل قاطع أن الهندسة الوراثية تغير من المكونات الغذائية للطعام فتجعله أغنى في مواده الغذائية غير المشاكل الاقتصادية الناتجة عن مافيا الشركات المحتكرة.. والحقوق المحفوظة.. والتراخيص.
نعم.. للهندسة الوراثية
أما “نعم”.. فأطلقها آخرون يؤمنون بأن الهندسة الوراثية تقلل من استخدام المبيدات الحشرية والعشبية؛ وهو ما يساعد على زيادة الإنتاج لحل مشكلة الغذاء، كما أنها تعمل على رفع القيمة الغذائية للمنتج بزيادة البروتينات والفيتامينات في مكوناته وتجعله أشهى مذاقاً، وبعكس ما يقول المعارضون؛ فهي تساعد على تقليل استخدام الكيماويات الزراعية.
ويؤكد المؤيدون للأطعمة المهندسة وراثيًا أنه يتم تفحص جميع الأطعمة المعدلة وراثيًا للتأكد من خلوها من السموم.. مع الوضع في الاعتبار أن الطعام العادي نفسه غير آمن 100%، ولا نضمن سلامته من السموم ومسببات السرطانات، بل ومن خلال الهندسة الوراثية يمكن إزالة مسببات الحساسية من المنتجات المعروفة بذلك مثل: السوداني، الدقيق، اللبن، السمك والبيض… وغيرها، كما أنها تساعد على إعطاء الخضار والفاكهة حياة أطول وقدرة على تحمل النقل والمبردات “الفريزر”.
ومما يشيدون به ما أحدثته الهندسة الوراثية من ثورة بتطوير ما يُسمى بـ”النبات المصل”، وفيه تعدل الفاكهة والخضر جينيًا لإنتاج لقاحات لبعض الأمراض المستعصية في العالم الثالث والدول النامية. (مثل الموز الجيني المضاد للإسهال، الطماطم المضادة لداء الكلب، الأرز المضاد للعمى والتبغ المضاد للتسوس).
ويحتدم الجدل…
يقول د. إيرون المسمى بـ”أبي البيولوجيا الجزيئية” Molecular Biology: إن التلوث الجيني Genetic pollution يسبب تهديدا للعالم أكبر من التلوث النووي أو الكيميائي؛ ذلك أنه لا يمكن تصحيحه بسهولة، وسيكلف الأجيال القادمة عواقب جسيمة ليس لهم فيها يد.
وتتهم جمعية “السلام الأخضر” الشركات العملاقة باحتراف الكذب وتطوير هذا النوع من الطعام؛ للإفادة المادية الكبيرة التي تعود عليها من جراء ترويج الكيماويات والبذور والأطعمة لهذه الهندسة الوراثية، وأيضا للتحكم في الإنتاج العالمي للطعام.
ويحتدم الجدل يومًا بعد يوم.. فيؤثر الإنسان البسيط السلامة، ويؤثر ما يعرف على ما لا يعرف، ويرفض بفطرته تناول طعام طالته اليد الآدمية العابثة.
نهى سلامة5>