ربما يأتي اليوم الذي يخبرنا فيه العلماء أنه من الأفضل لنا ألا نتنفس ولا نأكل ولا نشرب بسبب كثرة الملوثات البيئية التي أصبحت تلمس جميع مناحي الحياة. فآخر الأبحاث العلمية تشير إلى أن الأطفال الرضّع يصلهم عبر ألبان أمهاتهم نوع من أنواع الكيماويات الملوثة للبيئة التي تؤثر على نمو مخ الرضيع وتوازنه الهورموني.
تُسمّى هذه الكيماويات PBDE اختصارا لـ Polybrominated Diphenyl Ethers وهي إحدى الملوثات الدائمة للبيئة، أو ما يعرف بـ POPs- يوجد مساعي دولية لمنع استخدامها- وهي تضاف كمثبط لهب flame retardant إلى البلاستيكات الحرارية التي تستخدم في الأجهزة الكهربائية وأجهزة التلفاز والكمبيوتر، بالإضافة إلى أقمشة التنجيد والأجزاء الداخلية من السيارات والأتوبيسات والطيارات.
وقد قامت مجموعة من العلماء بمعهد كارولينسكا بالسويد بتحليل ألبان مخزنة بالمعهد منذ أوائل السبعينيات وحتى أواخر التسعينيات لمعرفة مدى ازدياد كميات الـ PBDEs في اللبن على مدى السنين منذ بداية زيادة استخدام تلك الكيماويات صناعيا. وكشفت التحاليل أن كمية الـPBDEs داخل اللبن كانت تتضاعف كل خمس سنوات!
تصل مثل هذه الكيماويات إلى البيئة أثناء إنتاج أو التخلص من المصنّعات التي تحتوي عليها، بالإضافة إلى تبخرها من تلك المصنعات نفسها أثناء فترة استخدامها. وتتراكم هذه الكيماويات حيويا داخل الكائنات الحية، خاصّة الأسماك، وتصل إلى الإنسان إما كنتيجة لتناول لحوم ملوثة بها أو تنفس الهواء داخل غرفة يوجد بها أجهزة تدخل الـPBDEs في صناعتها.
قامت العديد من الدراسات بالبحث عن تلك الكيماويات داخل جسم الإنسان، وبالفعل وجدتها في الكثير من الأنسجة، خاصة في الدم، وداخل الدهون، ولبن الأم. هذا بالإضافة إلى أن إحدى الدراسات قد وجدت أن إعطاء كميات ضئيلة منها إلى الفئران حديثة الولادة قد أدى إلى حدوث تلف بأنسجة المخ، وهو ما أدى إلى تأخُّر قدرة الفئران على التعلم وإلى نشاط حركي زائد عن الطبيعي، كما وجدت علاقة بين هذه الكيماويات وبعض أنواع السرطان إلى جانب اختلال هورمونات الغدة الدرقية.
المبيدات الحشرية تسبب العقم
وعلى صعيد آخر، اكتشف فريق فرنسي- أرجنتيني أن مبيدات الحشرات الزراعية قد يكون لها علاقة مباشرة بازدياد حالات العقم لدى الرجال! فقد قام الفريق بدراسة حالات 225 رجلا يشتكون من العقم ويقطنون بإحدى المناطق الزراعية الخصبة بالأرجنتين، وتوصل الفريق إلى أن التعرض للمبيدات الزراعية، بالإضافة إلى بعض العوامل الأخرى المساعدة، قد أدى إلى عدم قدرة هؤلاء الرجال على الإنجاب، كما أدى تعرض هؤلاء الرجال للمبيدات الزراعية، بالإضافة إلى انخفاض أعداد الحيوانات المنوية داخل السائل المنوي، إلى زيادة نسبة الأستروجين في الدم.ونشر الفريق بحثه في العدد الحالي من مجلة Human Reproduction.
من المعلوم أن الأرجنتين من أكثر الدول استخداما للمبيدات الزراعية منذ أربعينيات القرن الماضي.
يذكر أن بحثا نشره فريق دانمركي عام 1992 قد أثار الذعر في مجتمع الرجال، والذي مفاده أن نسب الحيوانات المنوية داخل السائل المنوي للرجال على مستوى العالم في انخفاض مستمر!! والذي كان من شأنه بداية سباق محموم داخل الأوساط الطبية للكشف عن أسباب تلك الظاهرة الخطيرة.
الأمان الكيماوي.. هل يتحقق!
جدير بالذكر أن منظمة الصحة العالمية بالاشتراك مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة العمل العالمية والمركز الكندي للصحة والأمان المهني في محاولة منهم للتسهيل على الدول والمنظمات الحصول على المعلومات اللازمة للوفاء بالتزاماتها التي أخذتها على نفسها في مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة والتطور- قاموا بتوفير جميع ما لدى البرنامج العالمي للأمان الكيماوي من معلومات بالمجان على الإنترنت؛ حيث يعرض الموقع جميع المعلومات اللازمة من أجل التعامل الآمن مع الكيماويات من أجل بيئة أنظف، ويبقى السؤال: هل سنحصل على هذه البيئة النظيفة؟!.
د. نادية العوضي5>