روما – “حمزة روبرتو بيكاردو” أحد أبرز القيادات المسلمة في إيطاليا ومن أوائل الإيطاليين الذين اعتنقوا الإسلام في سنوات كان فيها الإسلام شبه مجهول في شبه الجزيرة الإيطالية المنغلقة على ميراثها المسيحي الكاثوليكي.
غير أن “بيكاردو” الذي اعتنق الإسلام -كما يقول في حوار مع شبكة “إسلام أون لاين.نت”- في الصحراء الجزائرية لم يكن مسلما أو معتنقا عاديا للإسلام، حيث اضطلع بمهمة ترجمة للقرآن للإيطالية، فضلا عن دفاعه عن حقوق مسلمي إيطاليا.
وعمل بيكاردو ضمن الجمعيات المسلمة ليضطلع في فترة معينة من حياته بمهمة رئاسة “اتحاد المنظمات والأقليات الإسلامية في إيطاليا”، والتي تعتبر من أكثر المنظمات المسلمة تأثيرًا في أوساط مسلمي إيطاليا.
طالع أيضا:
- ظاهرة بلجيكية إسلامية.. جون فرنسوا باستان!
وفي هذا الحوار الخاص مع “إسلام أون لاين.نت”، يرسم بيكاردو “بورتريه” عن نفسه، فضلا عن رؤيته لواقع الإسلام والمسلمين في إيطاليا اليوم، حيث يؤكد في هذا الصدد على أن عدم وجود ممثلية للمسلمين حتى الآن في إيطاليا يشكل عائقا أمام التعامل مع المسلمين في البلاد.
وفي ما يلي نص الحوار:
*اعتنقت الإسلام سنة 1974 وتعد من الرعيل الأول من المعتنقين للإسلام في إيطاليا، فكيف كان لقاؤك بالإسلام؟
– كنت في قلب الصحراء الجزائرية ما بين منطقتي تمرناست ومنطقة أقاديز في النيجر، نزلت للتو من الشاحنة الكبيرة التي كانت تعبر بنا الصحراء تحت لفحات شمس تنذر بالمغيب، وكان هناك أشخاص في الشاحنة من بينهم جزائريون لهم زوجات من نساء الطوارق جئن لزيارة عائلاتهن في الصحراء.
نزلنا من الشاحنة ونزل معنا هؤلاء الأشخاص الذين بدءوا في القيام بأشياء لم أفهم مدلولاتها، فقط كانوا يضربون بأيديهم على رمال الصحراء (التيمم) وبعدها شرعوا في القيام بحركات لم أفهم معناها (صلاة المغرب).
ظللت صامتا أرقبهم من بعيد، حيث بدا لي أن الرمال التي بقيت لاصقة بجباههم عند كل قيام من السجود كانت تضيء من بعيد، وبدا لي أن جباههم فعلا تضيء نورا. فهمت على الفور أن ما يقومون به شيء ينتمي إلى عالم الروحانيات وتيقنت حينها أن هؤلاء الأشخاص ينتمون إلى عالم آخر، الله موجود فيه فعلا، ويعيش حركاتهم وسكناتهم.
منذ ذلك اليوم لم أتوقف عن سؤال المسلمين عن دينهم ومنذ أن عدت إلى إيطاليا اشتريت الكثير من الكتب، وشعرت فعلا بأني أصبحت مسلمًا، ولكن في ذلك الوقت لم يكن هناك الكثير من المسلمين في إيطاليا بل أكاد أقول إنه لا يوجد فعلا في المنطقة التي أعيش فيها أي مسلم وهذا الأمر استمر حوالي 9 سنوات حتى 1984 عندما التقيت بمسلم مثقف وملتزم بدينه، وهو الذي علمني أشياء كثيرة، وجعل لي صلة بطائفة من المسلمين الإيطاليين حينها.
* ارتبط اسمك بترجمة للقرآن الكريم إلى الإيطالية، حدثنا عن هذا العمل وما الفرق بين ترجمتك والترجمة الأكاديمية التي قام بها قبلك الباحث الايطالي “بوساني”؟
– الاختلاف الكبير بين ترجمتنا وترجمة “بوساني” للقرآن أن العمل الذي قمنا به هو عمل قام به مسلمون من أجل المسلمين وهو مختلف عن عمل بوساني الذي ينتمي إلى الطائفة البهائية، وهذا الأمر بالذات دفعنا إلى كتابة ترجمة جديدة للقرآن للغة الإيطالية.
العمل الذي قمنا به دام حوالي خمس سنوات، وتطلب مرور الترجمة على خمس لجان مراقبة، وضعت للتأكد من صحة الترجمة والحاشية التي رافقتها واللغة والبرمجة النهائية للصفحات.
قمنا بإصدار الطبعة الأولى للترجمة سنة 1994 عن طريق دار نشر خاصة أنشأتها في ذلك الوقت وفي سنة 1996، وبإذن منا صدرت طبعة أخرى اقتصادية من قبل دار نشر مختصة وحتى الآن قمنا ببيع 150 ألف نسخة، وهو عمل متواصل نقوم من خلاله باستقبال الملاحظات وتحسين الصياغة ونقبل كل الانتقادات الواردة ونعمل بمقتضاها.
والحمد لله بفضل ترجمتنا للقرآن أعرف الكثير من الإيطاليين الذين اعتنقوا الإسلام بعد الاطلاع على هذه الترجمة، وبصرف النظر عن مسألة المعتنقين للإسلام، فأعتقد أنه من الضروري أن يجد الآلاف من الإيطاليين نص ترجمة للقرآن واضحا ودقيقا وسهل القراءة.
*وبعد ثلاثين سنة من حياة الإسلام في إيطاليا كيف ترى وضع المسلمين اليوم في البلاد؟
– الإسلام في هذا الإطار شيء والمسلمين شيء آخر، وإذا تحدثنا عن وضع المسلمين في إيطاليا أستطيع القول إنه في الوقت الحاضر ومنذ بداية التسعينيات بدأت الرموز الإسلامية في الظهور في الشارع الإيطالي، قبلها كانت هناك بضعة قاعات للصلاة يديرها طلبة مسلمون في المدن الجامعية الكبرى.
ومع مجيء مهاجري شمال إفريقيا تغيرت الوضعية وأصبح المسلمون يمثلون حقيقة اجتماعية معتبرة ومنظمة.
في سنة 1992 بدأت التضييقات وعمليات الطرد للأئمة والقيادات المسلمة، وتواصل الأمر بأكثر ضراوة بعد سنة 2001، حيث سجلت كل أربعة أشهر تقريبا عملية من عمليات ما سمي “مناهضة الإرهاب” غير أن 95% من هذه العمليات لم تكن إلا وسيلة إعلامية غير مستندة على حقائق فيما شاب الشك صحة الـ5% من العمليات المتبقية والتي حوكم فيها مسلمون بدون أدلة قطعية.
ومع ما حصل أثناء 11 سبتمبر أصبحت الوضعية لا تطاق وخاصة مع العداوة التي تبرزها وسائل الإعلام ضد المسلمين، وشاهدنا كيف أن العشرات من الإخوة نأوا بأنفسهم عن المساجد خشية الترحيل والطرد من إيطاليا.
ما نطالبه في الوقت الحالي يتعلق فقط بتطبيق المادة الثامنة من الدستور الإيطالي والتي تقول: “كل المعتقدات والأديان حرة ومتساوية أمام القانون وكل الأديان إضافة إلى الديانة الكاثوليكية لهم الحق في التنظم بحسب نظامهم الخاص بشرط ألا يتعارضوا مع النظام القانوني الإيطالي وعلاقتهم مع الدولة محددة من قبل القانون تحت قاعدة التشاور مع ممثليهم بكل احترام”.
غير أن عدم وجود ممثلية للمسلمين حتى الآن يشكل عائقًا أمام التعامل مع المسلمين في إيطاليا.
* لكن ما هي الأسباب التي برأيك تشكل عائقا أمام وجود ممثلية لمسلمي إيطاليا؟
– بعض العقليات من مسلمي إيطاليا ما زالت مرتبطة بشكل أو بآخر ببلدانهم الأصلية، وبالتالي بمصالح هذا البلد أو ذاك، وهذا ما يدفع بعض البلدان إلى مراقبة مواطنيها الموجودين هنا وأخص بالذكر هنا المملكة المغربية حيث توجد كثافة كبيرة من المغاربة في إيطاليا.
ولا أغفل كذلك أن هناك دوائر في جهاز الدولة ذاتها لا تريد للإسلام في إيطاليا أن ينتظم، وباختصار فإنه وبالرغم من القرآن يقول أنتم “أمة واحدة”، فالواقع مختلف تماما والمسلمون هنا شديدو الاختلاف فيما بينهم.