لم يصح أن الرسول ـ ﷺ ـ التقى ببحيرا الراهب إلا وهو شاب صغير عندما كان مع عمه في بعض أسفاره للتجارة ولم يلتق به النبي ـ ﷺ ـ بعد ذلك.
كما أن الأحاديث لم تتأثر بموت بحيرا أو بحياته ولكنه التدرج في التشريع والتدرج في تربية هذه الأمة وهذا يصدق على القرآن الكريم كما يصدق على السنة المطهرة.
وماذا عند الراهب بحيرا كي يعطيه للنبي ـ ﷺ ـ الذي جاء بشريعة من عند الله تصوب التحريف الذي لحق بالكتب السماوية السابقة وتنسخ معظم أحكامها وتهيمن عليه
إن هذه تهم ساقطة وحجج داحضة يريد أن يلحقها المستشرقون وغيرهم بدين الله عز وجل (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون)
جاء في باب القضايا الظالمة في موقع دار الإفتاء نفي هذه الشبه وإليك نص ما جاء بصددها:
أما عن محاولة إيجاد علاقة بين النص القرآني وبين الاستعانة بعناصر يهودية أو مسيحية فهذه أسطورة يكذبها الواقع التاريخي الذي نزل فيه القرآن ، حيث كان المشركون من أهل مكة يحاولون بشتى الصور أن يجدوا سببا أو علاقة أو دليلا ما على شيء يكذبون به محمداً ـ ﷺ ـ ويشككون في صدقه ، ولو صح لديهم أو حتى لو شاع عندهم أنه كان يستعين بعناصر يهودية أو نصرانية لكانت تلك فرصتهم وحجتهم القوية على أنه غير صادق فيما يدعيه من أن الوحي يأتيه من السماء . لكن الثابت في كافة المصادر التاريخية - عربية أو أجنبية -أن اتهامات الكفار والمشركين واليهود كذلك له لم يكن فيها أنه استعان بعناصر يهودية أو نصرانية وكانت الفرصة أمام اليهود والنصارى سانحة ليتهموه بأنه ـ ﷺ ـ أخذ القرآن عنهم , لكنهم لم يفعلوا ، وليس هناك أي مصدر تاريخي يشير إلى ذلك ، فثبت أن هذه المقولات من أكاذيب المحدثين ، وأنها كاذبة لا تمت إلى الحقيقة بأي صلة .
ولو افترضنا جدلا أن هذا الإدعاء لم يكن أهل مكة يعرفونه ، فالمفروض أن مصدر الاستعانة - لو صح - وهم اليهود والنصارى كانوا موجودين في الجزيرة ، وقد جاءته بعض وفودهم ولم يعلن أي منهم أن محمداً أخذ عنهم أو استعان بهم . وأكثر من هذا أن محمداً ـ ﷺ ـ بعد الهجرة كانت بينه وبين اليهود نزاعات ومشكلات انتهت بإجلائهم عن المدينة ، ويقينا - وبالنسبة لهم - فهذه كانت فرصة ذهبية لإعلان كذبه فيما يدعيه من أن الوحي يأتيه من السماء ، م هم الذين علموه القرآن ، أو على الأقل ساعدوه في تأليفه ، وهذا ما لم يحدث وما لم يوجد في أي مصدر تاريخي قديم وعليه فهذه المقولة أكذوبة مستحدثة كما أشرت .
وإذا كان من القواعد المسلمة في النقد الأدبي أن أسلوب الرجل هو الرجل ، فإن الشمائل والصفات التي عرف بها محمد ـ ﷺ ـ في صباه وشبابه بأنه الصادق وأنه الأمين وأنه الرجل الذي كان في شبابه أحد الشخصيات ذات المكانة في المجتمع بدليل ما هو ثابت من أنه في شبابه كان يدعي لمجالسة رؤساء القبائل الموقرين من أعضاء حلف الفضول وهو حلف كان يبذل ما يمكن تسميته بالمساعي الحميدة في مساندة الضعفاء ورد المظالم وإقرار السلام بين القبائل والتصدي لمن يحاول العبث به .
وعند سن الخامسة والثلاثين أراد القدر أن يكون هو الرجل الذي يطفئ نزاعا أوشك أن تشتعل بسببه الحرب بين القبائل بعد ما بنوا الكعبة واختلفوا على من ينال شرف وضع الحجر الأسود في مكانه . وكان اتفاقهم على تحكيم أول داخل ، وكان الداخل هو محمد ـ ﷺ ـ الذي بسط رداءه ووضع الحجر عليه ودعا رؤساء القبائل إلى أن يأخذ كل بطرف من الرداء ويرفعوا الحجر إلى المستوى المطلوب ، فأخذه بيديه ووضعه بين رضى الجميع وموافقتهم فلو كان محمد ـ ﷺ ـ كذابا أو مفتريا أكانت تكون له هذه المكانة ؟
إن شخصية بهذه الشمائل لا يمكن لصاحبها أن يفتري الكذب أو أن يدعي ما ليس له .
ومما لا يختلف عليه أحد أن ثمة قيما وفضائل إنسانية ارتضتها البشرية وتعارفت على احترامها والتزامها وهي قيم الحق والعدل والخير والجمال والفضيلة وغيرها . كما أن ثمة أمورا رفضتها البشرية كذلك وتعارفت على نبذها ومقاومتها وهي الباطل والظلم والشر والرذيلة وكل إفساد في الأرض ، وهذا الذي ارتضته أو رفضته البشرية بهدي الفطرة – وحصاد التجربة لم تنكره الأديان السماوية جميعها ولم تناقضه بل أكدته وقننته ووضعت له التشريعات الأخلاقية التي تحدد المثوبة لما هو خير والعقوبة لما هو شر مع التفريق الحاسم بين الخبيث والطيب وبين الحلال والحرام .
من هنا لا يجوز أن يتهم محمد ـ ﷺ ـ بأنه لفق رسالته من عناصر جاهلية لمجرد أنه كان قد أثنى - بعد البعثة - على حلف الفضول أو حلف المساعي الحميدة الذي اشترك فيه فترة شبابه ، ومن هنا أيضا لا يجوز اتهام أية رسالة سماوية بالتلفيق هي أقرت قيمة فاضلة ونبذت الشر والرذيلة .
كما أنه لا يصح بصفة خاصة اتهام القرآن بأن محمداً ـ ﷺ ـ لفقه من الكتب السابقة يهودية كانت أم نصرانية لما يأتي:
أولا : لما سبق تقريره عن القيم التي أقرتها البشرية وتعارفت على قبولها إن كانت خيرا أو رفضها إن كانت شراً مما جاءت الرسالات السماوية لتؤكده . ولو صح اتهام القرآن بالتلفيق لصح الاتهام بالنسبة للتوراة والإنجيل كذلك .
ثانيا : من الثابت أن الرسالات السماوية كانت تعبر كل منها عن مرحلة من مراحل التطور الإنساني وما يقابله من تطور الرسالات ، ويقول الإمام محمد عبده - رحمه الله – لما كانت الأديان السماوية الأولى وعلى رأسها اليهودية قد ناسبت طفولة البشرية فخاطبت الحس حيث لا يعرف الإنسان إلا ما يقع تحت حسه . فلما نما وجدان البشرية جاءها دين النصرانية يتحدث عن الزهادة والصفاء وملكوت الله فى مواجهة حرص اليهود على متاع الدنيا وإن أهدرت فى سبيله القيم ، فلما بلغت البشرية حالة اكتمال تطورها جاءها دين الإسلام ينظم الشئون كلها ويرعى الحس والعاطفة ويعنى بالقلب والعقل وينظم للناس شئون دنياهم وأخراهم
ثالثا : لهذا كان دور القرآن باعتباره الرسالة الخاتمة و المهيمنة على كل ما سبقه من رسالات يؤكد ما هو صحيح فيها ويصحح ما هو خطأ وهو إن اتفق مع الكتب السابقة أو اختلف معها ليس ملفقا منها ولا مأخوذا عنها . لكنه التعبير الدقيق عن تكامل الرسالات السماوية واكتمالها كما تحدث القرآن نفسه عن ذلك .
رابعا : الدراسات المقارنة للكتب الثلاثة الأخيرة التوراة والإنجيل والقرآن تؤكد بوضوح كما يعترف الغربيون أن الحق دائما هو ما يقرره القرآن سواء فى قضية الألوهية أو قضية المسئولية الفردية أو الدستور الأخلاقي أو الواقعية فى التعامل مع الإنسان بشقيه الروح والجسد ، ثم إنه -دون تعصب – فليس في الرسالتين السابقتين ما كان محمد ـ ﷺ ـ بحاجة لأخذه منهما في شئون الدنيا أو الآخرة . ومع هذا كان من عظمة القرآن أنه اعتبر إيمان المسلم غير صحيح ما لم يؤمن بكل ما سبق القرآن من كتب .
يبقى بعد هذا أن ثمة حاجزا حصينا بين محمد ـ ﷺ ـ وبين فرصة أي اطلاع على هذه الكتب :
أولا : لأنه كان أميا لا يعرف القراءة ولا الكتابة .
ثانيا : حتى لو سلمنا بالزعم بأنه قرأ أو كان يقرأ فإن هذه الكتب كالتوراة والإنجيل كانت مكتوبة بلغة غير عربية وهي العبرية فمن أين يأتي التلفيق ؟ وكيف يتاح له ـ ﷺ ـ أن يتعرف عليها حتى يأخذ منها ويلفق منها كتابه كما زعموا ؟