حسام الدين محمد**
من منا لا يريد أن يكون من محترفي إتمام الصفقات التجارية على أن يخرج بعد عملية التفاوض بأكبر مكاسب، وأقل تكاليف ممكنة يمكن أن يتحملها؛ فهناك العديد من الخبرات في هذا المجال، ولكن دعنا نمزج بين العلم والخبرة العملية في هذا الموضوع بالذات حتى يتسنى تحقيق أكبر فائدة ممكنة عند تعرضك إلى إتمام إحدى الصفقات التجارية.
بداية: التفاوض التجاري هو موقف قائم بين طرفين أو أكثر حول قضية من القضايا يتم من خلاله عرض وتبادل وتقريب ومواءمة وتكييف وجهات النظر واستخدام كافة أساليب الإقناع للحفاظ على المصالح القائمة أو للحصول على منفعة جديدة بإجبار الطرف الآخر بالقيام بعمل معين أو الامتناع عن عمل معين في إطار علاقة الارتباط بين أطراف العملية التفاوضية التجارية تجاه أنفسهم أو تجاه الغير.
هذا التعريف ينطوي على عدة عناصر، منها: أطراف التفاوض التجاري التي تكون في العادة بين اثنين، وقد يتسع الأمر ليشمل أكثر من طرفين نظرا لتشابك المصالح وتعارضها بين الأطراف المتفاوضة. كما أنه لا بد من وجود هدف أساسي تسعى إلى تحقيقه وأنت تتفاوض حول أي صفقة وتضع من أجله الخطط والسياسات؛ فبناء على الهدف يتم قياس مدى تقدم جهود التفاوض.
غير أن العنصر الأهم في العملية التفاوضية هو المفاوض؛ حيث لا بد أن يمتلك خصائص تساعده على القيام بعقد أي صفقة تجارية. ومن أبرز المهارات المطلوبة للمفاوض التجاري ما يلي:
– القدرة على الرد السريع.
– إمكانية التفكير السريع وتعطيل الطرف الآخر من خلال الأسئلة.
– الحزم في التعامل مع إظهار اللين عند الحاجة.
– اللباقة، والحنكة، والإلمام الكامل بأكثر المسائل التجارية تعقيدا.
– القدرة على المباغتة والمهاجمة بالأدلة والبراهين.
– هدوء الأعصاب في حالة استفزازه.
خطوات إتمام الصفقات
وللتفاوض التجاري خطوات عملية يتعين القيام بها، وهذه الخطوات تمثل سلسلة تراكمية تتم كل منها بهدف تقديم نتائج محددة تستخدم في إعداد وتنفيذ الخطوة التالية. ومن أبرز هذه الخطوات:
1- تشخيص الصفقة التجارية، حيث يتعين معرفة وتحديد الصفقة المتفاوض بشأنها ومعرفة كافة عناصرها وعواملها المتغيرة والثابتة، فمثلا يمكن أن يكون هدفك من إبرام صفقة هو الحصول على بضاعة لمصنعك بسعر معين يحقق لك مكاسب محددة، ومن ثم فإن عليك أن تدرس بائع البضاعة ومدى احتياجه لبيعها في هذا الوقت بالتحديد، ومواصفات البضاعة وجودتها، وهل أمامك بدائل لبضاعات أخرى بأسعار أقل أم أكبر… وهكذا.
2- قبول الطرف الآخر للصفقة؛ فالمفاوضات التجارية تكون أكثر يسرا خاصة مع اقتناع الطرف الآخر بأن التفاوض التجاري هو الطريق الوحيد، بل والممكن لحل النزاع القائم أو للحصول على المنفعة المطلوبة أو لجني المكاسب والمزايا التي يسعى إلى الوصول إليها.
3- التمهيد لعملية التفاوض التجاري الفعلية والإعداد لها تنفيذيا، وذلك من خلال ما يلي:
– اختيار أعضاء فريق التفاوض التجاري وإعدادهم وتدريبهم على القيام بعملية التفاوض التجاري المطلوبة وتلقينهم مهارات التفاوض الشخصية.
– وضع الإستراتيجيات التفاوضية التجارية واختيار السياسات التجارية المناسبة.
– اختيار مكان التفاوض التجاري.
4- بدء جلسات التفاوض التجاري الفعلية: حيث تعد هذه الخطوة من العمليات الأساسية التي لا يتم التفاوض التجاري إلا بها، وتشمل:
– اختيار التكتيكات التفاوضية المناسبة في التجارة من حيث تناول كل عنصر من عناصر الصفقة التجارية أثناء التفاوض على الصفقة وداخل كل جلسة من جلسات التفاوض.
– الاستعانة بالأدوات التفاوضية التجارية المناسبة وبصفة خاصة تجهيز المستندات والبيانات.
– ممارسة الضغوط التفاوضية في التجارة كالوقت، فهل الطرف الآخر يحتاج إلى هذه السلعة في هذا الوقت أم يمكنه تأجيله، كما أن هناك ضغوطا على صعيد التكلفة، والجهد، فضلا عن الضغط الإعلامي، والنفسي.
5- الوصول إلى الاتفاق الختامي وتوقيعه:
لا قيمة لأي اتفاق من الناحية القانونية إذا لم يتم توقيعه في شكل اتفاقية موقعة وملزمة للطرفين المتفاوضين. ويجب الاهتمام بأن تكون الاتفاقية شاملة وتفصيلية تحتوي على كل الجوانب ويراعى فيها اعتبارات الشكل والمضمون، ومن حيث جودة وصحة ودقة اختيار الألفاظ والتعبيرات وألا تنشأ أي عقبات أثناء التنفيذ الفعلي للاتفاق التفاوضي التجاري.
إستراتيجية تعاونية أم صراعية؟
ثمة طريقتان أو منهجان للتفاوض يتفرع عنهما إستراتيجيات وأساليب عديدة في التفاوض التجاري، أول طريقة هي التعاون التكاملي، وتقوم على تطوير العلاقة بين طرفي التفاوض التجاري إلى درجة أن يصبح كل منهما مكملا للآخر في كل شيء، بل قد يصل الأمر إلى أنهما يصبحان شخصا واحدا مندمج المصالح والفوائد والكيان القانوني أحيانا، كما قد يكون التفاوض بغرض الوصول إلى تطوير المصلحة المشتركة بين طرفي الموضوع، بهدف تعظيم الاستفادة من الفرص المتاحة أمام كل منهما.
وتبدو هذه المفاوضات التجارية، إذا كان هناك تجار مثلا في قطاعات مختلفة اقتصادية ويريدون عمل مشروع مشترك كل يسهم فيه، فحينها يصبح التفاوض تكامليا.
وطرق الوصول إلى الشكل التعاوني في التفاوض محددة وواضحة، وهي:
1. مرحلة الاتفاق في الرأي حول المكاسب التي سيحققها كل طرف.
2. مرحلة تنفيذ المنفعة المشتركة.
3. مرحلة اقتسام العائد أو الدخل، أي تقسيم أعباء الصفقة بحسب نسبة المكاسب.
أما الطريقة الأخرى للتفاوض التجاري فهي الصراعية، ويجب أن يعيها كل من يعمل في الحقل التجاري؛ ففيها إذا حصل طرف على مكاسب، فيعني ذلك خسائر للطرف الآخر.
وتعتمد هذه الإستراتيجية على منطق “القدم في الباب”، والذي يتم فيه دفع الطرف الآخر في عملية التفاوض إلى أفعال معينة حتى يخسر، دون أن يتم طلب ذلك صراحة أو التنويه عنه مطلقا للطرف الآخر، وذلك في اتجاه مرغوب فيه بالنسبة للطرف الأول.
ومن الأساليب الإستراتيجية الشهيرة لتحقيق هذه الطريقة التفاوضية:
1- الإنهاك، عن طريق استنزاف الوقت وتطويل فترة التفاوض لتغطي أطول وقت ممكن دون أن تصل المفاوضات التجارية إلا إلى نتائج محدودة لا قيمة لها. كما يتم استنزاف جهد الطرف الآخر إلى أشد درجة ممكنة، عبر تكثيف وحفز طاقاته واستنفار كافة خبراته وتخصصاته وشغله بعناصر الصفقة الشكلية التي لا قيمة لها عن طريق إثارة العقبات القانونية المفتعلة حول كل عنصر من العناصر.
أيضا من أساليب تحقيق الإنهاك، استنزاف أموال الطرف الآخر، وذلك عن طريق زيادة معدلات إنفاقه وتكاليف إقامته وأتعاب مستشاريه طوال عملية التفاوض، فضلا عما يمثله ذلك من تضييع باقي الفرص المالية والاقتصادية البديلة التي كان يمكن له أن يحصل عليها لو لم يجلس معنا إلى مائدة التفاوض التجاري وينشغل بها.
2- التشتيت: وتقوم هذه الإستراتيجية على فحص وتشخيص وتحديد أهم نقاط الضعف والقوة في فريق التفاوض التجاري الذي أوفده الطرف الآخر للتفاوض وتحديد انتماءاتهم وعقائدهم ومستواهم العلمي والفني والطبقي، وكل ما من شأنه أن يفتت أعضاء الفريق التفاوضي للطرف الآخر إلى شرائح وطبقات ذات خصائص محددة مقدما.
وبناء على هذه الخصائص يتم رسم سياسة خبيثة لتفتيت وحدة وتكامل الفريق التجاري ليصبح فريقا مفتتا متعارضا تدب بين أعضائه الخلافات والصراعات، ومن ثم يصبح جهدهم غير منسجم، وبالتالي يسهل الحصول على الصفقة التجارية.
3- الإجبار: وتقوم هذه الإستراتيجية على حشد كافة الإمكانيات التي تكفل السيطرة الكاملة على جلسات التفاوض التجاري، بحيث يضطر الطرف الآخر إلى التسليم بالطلبات المقدمة إليه.
4- الغزو المنظم: وفقا لهذه الإستراتيجية يتم استخدام التفاوض التجاري التدريجي خطوة خطوة ليصبح عملية غزو منظم للطرف الآخر حيث تبدأ العملية التفاوضية باختراق حاجز الصمت أو ندرة المعلومات بتجميع كافة البيانات والمعلومات الممكنة من خلال التفاوض التمهيدي.
يلي ذلك معرفة أهم المجالات التي يمتلك فيها الطرف الآخر ميزات تنافسية خطيرة تهدد منتجاتنا، وأن التفاوض معه على أن يترك لنا المجال فيها وأن يتجه إلى مجالات أخرى تستغرق وتستنزف قدراته وإمكانياته. وفي الوقت نفسه جعله ينحسر تدريجيا عن الأسواق التقليدية التي كان يتعامل معها إلى أن يفقد أسواقه الخارجية بشكل كامل وينحصر عمله فقط في داخل بلاده.
وفي المرحلة التالية يتم اختراق السوق ببلده عن طريق عقود التصنيع المشتركة التي تتضمن توريد كافة المكونات الخاصة بالسلعة المصنعة أو المجمعة عن طريقنا، ويقتصر عمله هو فقط على إقامة بعض خطوط التجميع.
وفي مرحلة لاحقة يصرف نظره عن هذه الخطوط ليقتصر عمله هو فقط على التوزيع ثم في مرحلة لاحقه نقوم نحن بالتوزيع. ويتطلب التفاوض التجاري وفقا لهذه الإستراتيجية قدرات غير عادية من فريق المفاوضين.
يظل أن ما سبق هو مجرد خطوط عامة تساعد أي إنسان على إدراك خريطة التفاوض التجاري، غير أن الممارسة العملية هي الكفيلة بأن تحول هذه الخريطة إلى مهارة يسلكها الإنسان دون عناء، ولعلنا صادفنا في حياتنا أناسا أو تجارا لم يتعلموا طرق التفاوض التجاري هذه، لكنهم استطاعوا عقد صفقات بنجاح كبير؛ فالخبرات المتراكمة في التفاوض التجاري تجعل أي إنسان لا يخسر أي صفقة، إذا درس جيدا منافسيه وثغراتهم وأعد منهجه في التفاوض.. وفحص هذه النماذج الواقعية وسبر أغوارها يستلزم تناولا آخر.. فانتظرونا.
اقرأ أيضًا:
- حي على الفشل..!
- معجزة معكوسة
** خبير مالي.