انضمت بلدة هسكينسون الساحلية الأسترالية الصغيرة الواقعة على حافة خليج جيرفيس المزينة بالحدائق العامة ذات الحالة الجيدة إلى الحرب العالمية ضد الأكياس البلاستيكية. المستوطنة السابقة لصيد الحيتان التي تعد مياهها عنصر جذب كبيرا للغواصين ومشاهدي الدلافين هي واحدة من بين عدد متزايد من البلدان في أرجاء العالم المختلفة التي تحظر وتحد من استخدام الأكياس البلاستيكية. فأستراليا البالغ عدد سكانها 20 مليون نسمة تستهلك وحدها 7 مليارات من الأكياس البلاستيكية سنويا.
يستخدم المتسوقون على مستوى العالم عشرات المليارات من الأكياس البلاستيكية سنويا. ويقول المعنيون بشئون البيئة: إن الأكياس البلاستيكية العادية قد تحتاج إلى ما يصل إلى ألف عام لتتحلل، غير أن الجماعات الصناعية تجادل بأن الأكياس لا تشكل إلا نسبة ضئيلة من الفضلات في العالم.
غير أن المهتمين بشئون البيئة يقولون: إن المشكلة المتنامية التي يمثلها التلوث من جراء الأكياس البلاستيكية لا يمكن تجاهلها بعد الآن. حتى التلال النائية الواقعة تحت سفح جبال الهيمالايا مليئة بآلاف الأكياس المستعملة، وفي جنوب أفريقيا أصبحت منظرا معتادا مزعجا للعين، ويطلق عليها اسم “زهرات الربيع المزروعة على جانب الطريق”؛ وهو ما أدى إلى تنظيم حملة لإبادة “الزهرة القومية”.
الزهرة القومية.. تقتل الحيوانات
وقد قتلت بقرات من تلك التي تتجول في شوارع الهند -وهي مقدسة لديهم- من جراء مضغ الأكياس التي تحتوي على بقايا طعام بينما تنفق الآلاف من السلاحف والطيور والحيوانات البحرية الأخرى سنويا بعد تناولها ملايين الأكياس في محيطات العالم بطريق الخطأ اعتقادا منها أنها حبار أو قنديل البحر.
وقال جون دي من جماعة “بلانيت أرك” البيئية: “لدينا أكياس بلاستيكية منذ الستينيات، لقد كانت تبدو في البداية فكرة رائعة؛ فهي خفيفة الوزن، وصناعتها تحتاج إلى طاقة منخفضة، ثم نجد الحيوانات الميتة وقد قذفت إلى الشواطئ”.
لكن الأكياس البلاستيكية التي يجري التخلص منها تفعل ما هو أكثر من مجرد قتل الحيوانات. ففي بنجلاديش ينحى عليها باللائمة في سد المصارف في العاصمة دكا؛ وهو ما يسهم في حدوث الفيضانات المميتة في البلاد ذات الأرض المنخفضة. وحظرت الحكومة منذ ذلك الحين ملايين الأكياس البلاستيكية التي تستخدم يوميا في البلاد في محاولة لتخفيف حدة المشكلة.
وقال تشاندرا بوشان -المدير المساعد بمركز العلوم والبيئة في الهند-: “التخلص من الأكياس يسبب دمارا في المناطق الحضرية. فمن وجهة النظر البيئية البلاستيك أنسب للمنتجات ذات العمر الطويل مثل خطوط الأنابيب”.
وطالبت الحكومة الأسترالية المتاجر الكبيرة بتخفيض استخدام الأكياس البلاستيكية إلى النصف بحلول عام 2005. وإلى جانب بنجلاديش فرضت دول أخرى من بينها أيرلندا وتايوان حظرا أو ضرائب على هذه الأكياس.
عشرات الدول الأخرى من الصين التي تكافح كميات هائلة من “التلوث الأبيض” إلى فنلندا وفرنسا وبريطانيا تبذل جهودا لخفض عدد الأكياس المستخدمة والعثور على بدائل عملية ورخيصة الثمن.
الضرائب والبدائل.. حل ممكن
وثبت نجاح فرض ضرائب أو رسوم على استخدام الأكياس البلاستيكية؛ حيث تفرض أيرلندا رسما قدره 15 يوروسنت (0.19 سنت أمريكي) على الكيس الواحد؛ وهو ما أدى إلى انخفاض عدد الأكياس المستخدمة بنسبة 95%، وجمع ملايين الدولارات للحكومة لتنفقها على مشروعات بيئية.
وفي تايوان حيث تحصل معظم المتاجر على دولار تايواني واحد (34 سنتا) مقابل الكيس.. انخفض الاستخدام بنسبة 80% بعد أن منعت المتاجر ومطاعم الوجبات السريعة والعاملين في مجال صناعة الأغذية والمشروبات تدريجيا من إعطاء أكياس للمستهلكين مجانا.
وفي بريطانيا حيث يستخدم المستهلكون ما يصل إلى 20 مليار كيس سنويا.. تعطي المتاجر الكبرى للمستهلكين بدائل قابلة للتحلل بيولوجيا، فيما يفكر علماء أستراليون في استخدام بلاستيك طبيعي مصنوع من السكروز أو الحبوب التي يمكن أن ينتهي بها الأمر على أكوام السماد.
كما صنعت مؤسسة “سيمفوني بلاستيك تكنولوجيز” البريطانية بديلا للأكياس البلاستيكية العادية، وذلك بإضافتها محسنا إلى البوليثيلين يستمر بحالة جيدة لفترة طويلة، غير أنه يتحول إلى ماء وثاني أكسيد الكربون وتراب بعد تحلله.
وقال الرئيس التنفيذي للمؤسسة مايكل لوريير: “الفائدة التي تعود ستكون عالمية. أوربا لديها الكثير من مشاكل مخلفات البلاستيك، ويبذل الكثير من العمل في الاتحاد الأوربي لحل تلك المشكلة. ما تراه هو بداية تغير كبير للغاية”.
لكن التكاليف العليا تظل مشكلة بالنسبة لكثير من المنتجات القابلة للتحلل، ويقول منتقدون: إن بعض المنتجات البديلة تتحول إلى مئات الرقائق التي يمكن أن تضر بالحياة البرية لنعود ندور في حلقة مفرغة.
وتستخدم بعض الدول أساليب جديدة؛ حيث تتطلع مدينة بنجالور في جنوب الهند إلى استخدام خليط من البيتومين واللدائن المعاد تدويرها في إقامة الطرق.
غير أن التوعية البسيطة للمستهلكين هي واحدة من بين أكثر الطرق فاعلية؛ حيث تفيد المتاجر الكبيرة في أستراليا بحدوث ارتفاع كبير في مبيعات الحقائب المصنوعة من القماش؛ إذ بدأت حملة لحث الزبائن على التخلي عن استخدام الأكياس البلاستيكية في تحقيق شعبية.
ومن غير المدهش أن يكون رد الفعل الجماعي تجاه الأكياس البلاستيكية خطيرا بالنسبة للمصنعين؛ إذ يقع كثيرون منهم تحت وطأة ضغوط بسبب الواردات رخيصة الثمن من آسيا؛ حيث يتحول المستهلكون من الحقائب الرقيقة المصنوعة من البولي إيثيلين ذات الاستخدام الواحد إلى البدائل المصنوعة من الورق أو البلاستيك المقوى وما إلى ذلك.
وقالت جمعية صناعات البلاستيك والكيماويات: إن إحدى الشركات الأسترالية التي تصنع الأكياس البلاستيكية اضطرت إلى تسريح بعض العاملين بها كنتيجة مباشرة.
وقال إكسيل كيستينماخر مدير الشئون البيئية بشركة “بلاستيكس يوروب”: “حظر (استخدام) جزء من تيار الفضلات لن يحل مشكلة القمامة. حينذاك سيعثر على بديل وسط تيار الفضلات. إذا كانت الأكياس بلاستيكية اليوم فستكون ورقية غدا”.
صوفي هيرس – وكالة رويترز – شارك في التغطية سوجيتا كاتيال من نيودلهي، وجودي هوا من بكين، وتيفاني وو من تايبه، وإدوارد ستودارد من جوهانسبرج، وأنيس أحمد من دكا، ولورا فينها من هلسنكي. 5>