يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي
أن التبني بمعنى أن يضم أحد الناس طفلا إلى نسبه، ويجعله كولده، ويعطيه اسمه ولقبه أمر حرمه الإسلام، وشدد في تحريمه، وأن التبني بهذا المفهوم لا يغير الحقيقة أبدا، ولا يلحق المتبنى بمن تبناه، وسيظل لهذا نسبه، ولذاك نسبه، أما النبني بمعنى رعاية الطفل دون إعطائه اللقب والإثم فهو جائز مشروع.
وإليك نص فتواه حيث يقول فيها :
التبني ـ كما نعلم جميعًا ـ حَرَّمه الإسلام، حرمه القرآن لأنه شئ يُخالِف الحقيقة ويُخالِف الواقع، وهذا هو نص القرآن: (… وما جَعلَ أدعياءَكمْ أبناءَكُمْ ذلِكُم قولُكم بأفواهِكمْ واللهُ يقولُ الحقَّ وهو يَهدي السبيلَ) (الأحزاب: 4).
لم يجعل الله ـ تعالى ـ (الدَّعِيَّ) ابنًا، لا شرعًا ولا قَدرًا. (ذلكم قولكم بأفواهكم): يعني هذا مجرد كلام باللسان، لا يُمكن أن تُغيِّر الواقع أو تُنشِئ حقيقة، لن تجري دمك في عروق هذا المُدَّعِي، ولن يَرث شيئًا من خصائصك وصفاتك الجسمية والعقلية والنفسية، بمجرد أن تقول: هذا ابني، فهي تزوير للحقيقة وللواقع؛ ولذلك رفضها القرآن وقال: (ادعُوهمْ لآبائهمْ هو أقسطُ عِنْدَ اللهِ فإنْ لم تَعلَمُوا آباءَهم فإخوانُكم في الدِّينِ ومَواليكم) (الأحزاب: 5) .
كانوا يُلحقون بأنفسهم أحيانًا مَنْ هو معروف النَّسَب، فضلاً عمن هو مجهول النسب، فزيد بن حارثة ـ مثلاً ـ كان له أهل مَعروفون، ومع هذا بَقِي (زيد بن محمد) حينما آثر المُقام مع النبي ـ ﷺ ـ على الرجوع مع أهله وعشيرته.
أَبطَل الإسلام هذا، أبطله بالقول، وأبطله بالفعل، أبطله بالقول بما مَرَّ من الآيات الكريمة من سورة الأحزاب، وبمفهوم قوله ـ تعالى ـ في المحرمات من النساء: (وحلائلُ أبنائِكمُ الذينَ مِن أصلابِكم…) (النساء: 23) فمفهومها أن الحلائل الأبناء المُدَّعَينَ أو المُتبنَّين لَسْنَ ممن حَرَّم الله زواجهن.
ثم أبطل الله ـ تعالى ـ ذلك بالفعل تأكيدًا للقول، وذلك حين كلف الله ـ سبحانه ـ رسوله ـ صلى الله عيه وسلم ـ أن يَتزوج مُطلقَة زيد: (زينب بنت جحش)، وكان هذا شديدًا على النبي ـ ﷺ ـ: (… وتُخفي في نفسك ما اللهُ مُبْدِيهِ وتَخشَى الناسَ واللهُ أحقُّ أن تَخْشَاه) (الأحزاب: 37) .
وهذا الأمر أحدثَ ضَجَّة ضخمة في المجتمع المدني؛ حتى ليُخيَّل إلي أن سورة الأحزاب كلها نزلت من أجل هذا، فمِنْ أولها: (يا أيها النبيُّ اتَّقِ اللهَ ولا تُطعِ الكافرينَ والمنافقينَ إنَّ اللهَ كان عليمًا حكيمًا. واتَّبِعْ ما يُوحَى إليك مِنْ ربك إنَّ اللهَ كان بما تَعلمون خبيرًا. وتَوكَّلْ على اللهِ وكفى باللهِ وكيلاً) (الأحزاب:1ـ3)
الآيات تُقَوِّي قلب النبي ـ ﷺ ـ وتَشُدُّ أزرَه في مواجهة ضغط المجتمع،
وما بعد ذلك: (الذين يُبلِّغُونَ رسالاتِ اللهِ ويَخشونَهُ ولا يَخشونَ أحدًا إلا اللهَ وكَفَى باللهِ حسيبًا. ما كان محمدٌ أبَا أحدٍ مِنْ رجالِكم…) (الأحزاب: 39ـ40)
الأمر كان شديدًا وشاقًّا على النبي الكريم، ولكن اللهَ كَلَّف النبي ـ ﷺ ـ أن يقوم بهذا الأمر الشاق عليه؛ ليُبطِلَ موضوع التَّبَنِّي، وصرح بذلك القرآن الكريم إذْ قال: (فلما قَضى زيدٌ منها وَطَرًا زَوَّجناكَها لكي لا يَكونَ على المؤمنينَ حَرَجٌ في أزواجِ أدعيائهم إذا قَضَوا مِنهنَّ وَطرًا وكان أَمْرُ اللهِ مفعولاً) (الأحزاب: 37)
العلامة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي