هل نحن بحاجة لفض الاشتباك بين الزمالة والصداقة والحب وتسوية علاقاتنا الاجتماعية؟ فقد تشابكت العلاقات الإنسانية في مجتمعاتنا حتى ضاعت الحدود الفاصلة فيما بينها، سواء عن عمد أو غير عمد، وأدى ذلك التشابك وعدم الوعي بحدود كل علاقة وضوابطها إلى ظهور مشكلات جديدة، كالزواج العرفي و”السري”، والعلاقات خارج إطار الزواج، بالإضافة إلى العلاقات المثلية والشاذة.. كما ضاعت قيم الزمالة والصداقة، وتوارى المعنى الحقيقي للحب وخفت.. فكان لابد من التدخل لإعادة ضبط العلاقات الاجتماعية بما يعيد للحياة توازناتها الطبيعية وإحداث فارق بين الزمالة والصداقة والحب.
تتنوع العلاقات بين البشر بصورة عامة.. سواء أكانوا من نفس الجنس أو من جنسين مختلفين، إلا أننا سنتحدث هنا عن شكل وضوابط العلاقة بين الجنسين، وتحديدًا في سن الشباب، والتي تتوزع أيًّا كان شكلها على أنواع ثلاثة تتراوح بين الزمالة والصداقة والحب.
أولا: الـزمـالـة
وتعني الوجود في مكان واحد لمصلحة ما.. فهؤلاء الموجودون معا يسمون زملاء؛ فهناك زمالة العلم: الوجود في المدارس والجامعات، وزمالة العمل: الوجود سويا في أماكن العمل المختلفة، وزمالة الجيران(الجيرة): وهي الوجود في المحيط السكني (نفس المبنى – نفس الحي)، وزمالة القرابة: الوجود في عائلة واحدة كأولاد العم – أولاد الخالة.
ونؤكد هنا على أن القرابة كـ”صلة” شيء، والعلاقة بين هؤلاء الأقرباء التي قد تقف عند حد الزمالة وقد تتطور لـ”الصداقة” شيء آخر، فالقرابة وحدها لا تكفي لإيجاد علاقة مميزة بين الأقارب.
والزمالة بحكم تعريفها يمكن أن تكون بين أفراد من نفس الجنس أو أفراد من جنسين مختلفين، يحكمهما قواعد ثلاثة لتصبح زمالة ملتزمة، وهي:
أ. غض البصر
ب. الالتزام في الملبس (الاحتشام والملبس المناسب).
ج. موضوع الحديث وطريقة الكلام المنضبطان.. فالمواضيع التي يتطرق إليها الزملاء هي مناسبة الزمالة، فإذا كانت زمالة علم فهي في الدراسة وأحوالها، وإذا كان في عمل فهي تخص العمل.. وبالنسبة لطريقة الكلام، فإن آية “فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض”… تجمع ذلك المعنى فلا تخنع ولا تكسر.
وبالطبع فإن فضل القول و زيادته.. بمعنى الحديث فيما لا طائل من ورائه لمجرد تمضية الوقت.. كل ذلك بالطبع مذموم و مرفوض.
ثانيا: الصداقة
نبدأ بتعريف الصداقة أو الصديق بأنه ذلك الشخص الذي نستريح له و نحب أن نراه و نلجأ إليه في الشدة، ونسعد عندما يشاركنا لحظات الفرح، وعندما يسأل عنا إذا غبنا، كما نستطيع أن نكون معه على طبيعتنا.
ضوابط الصداقة:
وبحكم هذا التعريف فإن الصداقة لا تكون إلا بين طرفين من جنس واحد.. لأنه إذا كانت هناك صداقة بين طرفين من جنسين مختلفين بينهما بالطبع الميل الفطري الغريزي بين الفتى والفتاة أو بين الرجل والمرأة… فإن الأمر هنا يتعدى الصداقة إلى الحب أو الرغبة حتى لو أنكر طرفا العلاقة الأمر في البداية أو لم يدركاه، أو حتى تصورا أنه تحت السيطرة، وبذلك تتحقق المعادلة..
الصداقة + ميل فطري = حب
و بالتالي يخرج الأمر من طور الصداقة المعروفة، إلى الحب، حتى ولو لم يعترف أصحابه بذلك، أو سموه صداقة لأغراض في أنفسهم.
الصداقة أيضا لها قواعد حتى تظل صداقة سوية طبيعية، ولا تتحول إلى علاقة مرضية غير سوية.. ومن هذه القواعد.
أ.التعدد:
فالصداقة يجب أن تكون متعددة ولا تكون أحادية.. و أقلها ثلاثة أصدقاء، ويجب أن يكون مبدأ التعدد واضحا لطرفي العلاقة (الصداقة) فإنه لا يوجد شيء اسمه أننا طالما صديقين فلا ثالث لنا.. هذا غير صحيح.. فجزء من ميثاق الصداقة منذ البداية أنها متعددة وأن أطرافها يعلمون ويقبلون بذلك.
ب. قبول الصديق على عيوبه:
فكل إنسان له مميزات وعيوب، ومن تصور صديقا بغير عيب فلن يكون له صديق.. وأن البراءة من كل عيب ليست شرطا في الصديق، ولا أن يكون نسخة بالكربون من صديقه؛ فالتنوع في الخصال والصفات مطلوب.. وبالتالي فالحديث عن الصديق الذي أخطأ و الذي خدع والذي فعل هو حديث من لا يريد أن يكون له صديق.. فأفضل الناس أعذرهم للناس.
ج. باقة الزهور:
وأقصد بها هنا أنني لن أجد في صديق واحد كل ما أريد .. فلماذا لا أكون مجموعة من الأصدقاء أحصل من كل منهم على صفة مما أريد؟.. لأن هذه هي طبيعة البشر؛ فستجد صديقا يصلح للمذاكرة والدراسة معه، ولكنه لا يحب التنزه والخروج، فأجعله صديق المذاكرة، وستجد آخر ماهر في اختيار أماكن النزهة وفي تخطيط الرحلات، ولو دعوته للمذاكرة ما فعلها؛ فاجعله صديق النزهة، و ستجد صديقا يحب مساعدة الآخرين ويهب لنجدتهم ولو دعوته للنزهة لما جاء فاجعله صديق الشدة… وهكذا… تجد نفسك وسط باقة من الأصدقاء المتعددين الذين تجدهم في مواقف مختلفة.
وهنا أيضا نقف ونرد على مقولة يكررها كثير من الشباب والشابات أن “هذا يعرفني من أجل مصلحته”.. و من قال إن المصلحة ضد الصداقة؟ .. إنها حالة من التفاعل بين البشر لتحقيق مصالحهم الاجتماعية .. إنها أخذ و عطاء هذه هي الحقيقة.
لذا فادعاء أن الصداقة هي العلاقة الخالية من المصالح والأهواء والأغراض هو ادعاء غير صحيح؛ لأن لجوءك إلى صديقك اليوم في شدتك سيتبعه لجوؤه لك عند شدته، و لن نقول عندها أنه يعرفني لمصلحته أو أعرفه لمصلحتي .. لأنه لو لم يكن صديقك ما لجأت إليه و لو لم تكن صديقه ما لجأ إليك .. فالرصيد من التعارف والتفاعل سيجعلكما مفيدين لبعضكما في موقف من المواقف.
د.القابلية للانقضاء:
من الأمور التي تجعل الصداقة تسير في مسار طبيعي دون أزمات أو اختناقات هو علم أطرافها أيضا أنها يمكن أن تنتهي في أي وقت.. لأن هذه طبيعة الأشياء فالخلود هو صفة الرحمن الخالق فقط.. وسيدنا جبريل قال لسيدنا محمد صلى الله عليه و سلم: يا محمد أحبب من شئت فإنك مفارقه.. فراق بسبب ظروف الحياة.. اختلاف الدراسة .. اختلاف العمل .. الانتقال لمكان جديد.. الزواج.. الموت.. حدوث خلافات…
لذا فإن التعدد و باقة الزهور تحل المشكلة.. لأن الصداقة الأحادية تجعل الإنسان في حالة قلق مستمر من فقدان الصديق في حين أنه في حالة وجود بدائل وأصدقاء عديدين يصبح الأمر عاديا.
ثالثا: الـحــب
وهو حالة عاطفية تنشأ بين طرفين من جنسين مختلفين تبدأ بالإعجاب وتتدرج إلى السعادة عند رؤيته، وافتقاده عند غيابه، والرغبة في عدم تركه، والغيرة عليه من الآخرين، وعلى ذلك يكون الارتباط هو المآل الطبيعي لهذه العلاقة.. الارتباط الشرعي بالزواج بخطواته المختلفة.
فالخطوة الأولى، وهي الإعجاب يمكن أن تبدأ أو تخرج من إطار الزمالة.. وعندها يبدي الطرفان إعجابهما يبعضهما، مع إبداء الرغبة في الارتباط، ووقتها يتم اختبار ظروفهما وتوافقهما العائلي والاقتصادي في إطار الزمالة، وليس خارجها وأمام الجميع.. حتى يصلا أو يقتنعا أنهما مبدئيا يصلحان للارتباط.
بعد ذلك يدخل الشاب من الباب ويتقدم للخطبة.. وإذا كان لديه أعذار تجعله غير مناسب للتقدم، فالعلاقة منتهية لا كلام.. ويعودان إلى الزمالة الملتزمة بهدوء و بدون حساسيات.. أو تتم الخطبة الديناميكية المتحركة التي يتعرف فيها كل طرف على ما يحبه في الطرف الآخر.
وهنا يبدأ الحب العذري تحت ظلال الشرعية، ومعه يتم عقد الزواج لتنكسر الحواجز ويعيش الطرفان قصة الحب الرومانسية ليصلا للنقطة التي لابد أن يجمعهما فيها بيت واحد؛ فتكون ليلة الزفاف تتويجا لهذا الحب و لتصبح الهمسة و اللمسة لغة حوار بين الأزواج.
الحب المرضي
مما سبق يتبين أن هذا الحب بكل جزيئاته وأبجدياته لا يصلح إلا بين الرجل و المرأة.. بين الفتى والفتاة عندما يحين الوقت المناسب، وبالتالي فلا يصلح لهذا الحب أن يكون وصفا للعلاقة بين طرفين من جنس واحد سواء أكانا رجلين أم امرأتين .. شابين أو فتاتين .. و هو ما نراه في بعض الأحيان.. فإذا أخذنا الفتيات كمثال، سنجد أن الفتاة:
* تطلب ممن تدعي أنها صديقتها .. ألا تعرف أحدا غيرها.. وتغار إذا رأتها تتحدث مع فتاة أخرى، وتغضب منها إذا عاملت فتاة أخرى بصورة أفضل منها.
- تبعث لها برسائل الحب والغرام التي تستخدم فيها ألفاظا لا تصلح إلا بين حبيبين في مرحلة العقد والزواج، وليس حتى الخطبة فتستخدم كلمات من نوعية حبيبتي وغرامي وعشيقتي.
- يصل بها الأمر إلى علاقة جسدية، فنجدها تكثر من تقبيلها واحتضانها تحت ادعاء الحب، وأنها تريد أن تلتصق بها أكبر وقت وبأشد صورة.
- تطاردها في كل وقت بالهاتف والرسائل ولا تقوم بأي عمل من دونها .. ولا يكاد يفصل بينهما إلا النوم وربما تذهب لتبيت عندها في بعض الأحيان.
- قد تكون العلاقة من طرف واحد من ناحيتها.. وقد تكون من الطرفين.. وقد تقف عند حالة الالتصاق والقبل والأحضان والرسائل الملتهبة .. وقد تتطور في كثير من الأحيان إلى علاقة جسدية صريحة أو غير صريحة.
بمعنى أنها تتم بالتواطؤ والسكوت، حيث يشعر الطرفان بنوع من الإثارة الجنسية، ولكنهما يظهران عدم الفهم لما يحدث أو أنهما يتصارحان، وتتطور العلاقة لحالة من السحاق فيزداد لمس الأجزاء الحساسة من الصدر، وغيرها حتى تصل إلى علاقة جنسية كاملة بين الطرفين في لقاءات منتظمة، فيصبحان هنا في قمة حالة الشذوذ الجنسي.
هذا الشذوذ الذي بدأ بالشذوذ العاطفي.. وهذه هي الحقيقة التي ترفض البنات اللائي في حالة حب مرضي الاعتراف بها، حيث تتحدثن فقط عن الصداقة.. وهي بالطبع بريئة تماما من هذه الصورة الغريبة من العلاقات.. فليس فيها كلمات حب ملتهبة ولا رسائل غرام ولا غيرة ولا رغبة في الانفراد بالصديقة، ولا سيطرة على حياتها ولا الالتصاق الذي لا ينقطع ليل نهار.
فالصديقات يلتقين ويفترقن … ويتحدثن في المواضيع المختلفة، ولهن صديقات أخريات ولا تسير بينهن المشاحنات التي تسير بين المحبين.
وأيضا نجدهن يتحدثن عن الحب في الله .. وهذا أشد الجرم لأن الله بريء من علاقة إذا مدت على استقامتها أوصلت أصحابها إلى الشذوذ.. إن الحب في الله هو اللقاء على طاعة الله .. فنحب الشخص لطاعته لله، و ليس لذاته أو لشكله ولا نرتبط به هذا الارتباط اللصيق المريض.. فعندما تكون هناك طاعة وعمل يجمعنا، ولكن إذا جمعتنا طاعة الله بأحد آخر فلا بأس.
هؤلاء المدعيات بحب الله تجدهن يرفضن تماما أن يعملن إلا مع بعضهن حتى و لو كانت المهمة تقوم بها واحدة.. لابد أن تصاحبها الأخرى، وربما رفضت العمل تماما إذا لم تكن الأخرى موجودة وتجد أيضا هذه المبالغة في التقبيل والأحضان من دون داع، والرسول الكريم كان سباقا للنهي عن هذه المبالغة في المشاعر بصورة عامة و بين طرفي الجنس الواحد.. وعندما سألوه كيف يسلم الرجل على الرجل عندما يلقاه قال بيده، ورفض أن يعتنقه إلا إذا كان قادما من سفر بعيد و بعد مدة طويلة.
ما سبق ينطبق على المرأة أيضا فلا دليل على اختلاف هذه الصورة من العلاقة بين الرجل والمرأة.. كما نهى الرسول الكريم أن يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد أو غطاء واحد وكذلك المرأة.. فحتى لو اضطرت الظروف الفتاة؛ لأن تبيت مع زميلتها للمذاكرة أو في رحلة أو ما شابه، فإن لكل منهن غطاءها الخاص، ويجب أيضا أن يكون ملبس النوم محتشما حتى ولو كن فتيات مع بعضهن البعض.. فالرسول نهى أن تنظر المرأة إلى عورة المرأة، وإن كان الفكر يتجه إلى العورة المغلظة، وهذا أيضا مهم فإن أيضا مفاتن المرأة ومحاسنها تدخل في هذا النهي.. فالاحتشام واجب حتى لا تحدث الفتنة.
بالتالي فيجب أن تراعي الفتاة عند تغيير ملابسها وخلعها ألا تتعرى أمام زميلتها أو عند الاستحمام في سكن الطالبات، فلابد من الحفاظ على الحياء.. حيث كان الرسول الكريم أشد حياء من البكر في خدرها.. فما بالنا بفتياتنا… لابد من إغلاق كل الأبواب التي تؤدي إلى حدوث المصائب.
سبل الوقاية
بالطبع فإننا ذكرنا الفتيات كمثال فالأمر ينطبق على الفتيان، والعلاقة بينهم بنفس القدر والصورة، حيث احتمالات تطور العلاقة للشذوذ أخطر وأكثر شيوعا و انتشارا.. و تكون الوقاية من ذلك بما يلي:
– الالتزام بحدود الصداقة التي ذكرناها من التعدد و تقبل الإنهاء وعدم التجاوز في الألفاظ و الأوصاف واعتبار ذلك علامة خطر يجب أن تنتبه لها الفتاة أو الفتى بمجرد صدورها من صديقتها.
- – السلام والمصافحة باليد وحصر القبلات في حالة الغياب الطويل بعد السفر أو عند التهنئة مثلا ليلة العرس حيث المناسبة خاصة.
- – التوقف عن المزاح باستخدام اليد ولمس الأجزاء الحساسة من الجسم والتفوه بالعبارات الجنسية المثيرة أو ذات الإيحاءات الخاصة.
- – عدم الإفضاء في غطاء واحد بين صديقتين أو صديقين مهما كانت الظروف، والالتزام بالاحتشام في ملابس النوم وعدم الاطلاع على العورات، سواء أثناء خلع الملابس أو الاستحمام.
- – الانتباه لقيام أي علاقة جسدية وحدوث إثارة جنسية بين أي فتاتين أو شابين و قطع ووقف هذه العلاقة فورا دون أي تسويف أو تبريرات غير صحيحة.
وفي النهاية يمكننا أن نلخص الأسباب الحقيقية لظاهرة الحب المرضي بين الفتيات فيما يلي:
1. عدم الفهم الصحيح لطبيعة العلاقة بين الزمالة والصداقة والحب فتختلط الأمور وتنحرف العلاقات.
2. أن فترة المراهقة تكون فترة أساسية لتكوين الذاتية والهوية الجنسية، ولذا فإن أي حالة إثارة في غير الاتجاه الصحيح تؤدي لحدوث الشذوذ والانحراف.
3. عدم وجود المتنفس الطبيعي للعلاقة بين الجنسين؛ حيث تسود حالة اللاعلاقة والتحريم والمنع حتى للعلاقات العادية بين الزملاء والزميلات، فيؤدي ذلك الكبت للميول الطبيعية بين الجنسين إلى تحولها إلى ميل شاذ نحو نفس الجنس.
وفي النهاية، فإن العلاج الصحيح لهذه الظاهرة وفض الاشتباك نهائيا بين الزمالة والصداقة والحب هو رسم الخريطة الطبيعية للعلاقة بين الجنسين، وإدراك أن هناك ميلا طبيعيا موجودا، كل ما فيه أنه مؤجل لحين أن يتطور بشكل طبيعي إلى الحب عند الارتباط والزواج، و لكن هذا لا يمنع من وجود مساحة الزمالة الملتزمة بين الجنسين التي تقي من الوقوع في الانحراف والتطرف في العلاقة.
د.عمرو أبو خليل5>