بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد: فيجوزللخاطب أن يرى مخطوبته في زيها الشرعي الذي تخرج به على غير محارمها، ويجوز له أن يجلس معها في غير خلوة ، وليعلم أنها ما زالت أجنبية عنه حتى يعقد عليها عقدا شرعيا صحيحا.
يقول فضيلة الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي: هذا سؤال مهم ، والناس في ذلك جد متناقضين . ففريق من الناس لا يبيح للفتى مجرد رؤية الفتاة المخطوبة فحسب، بل يبيح له أن يتأبط ذراعها، وأن يذهب بها إلى هنا أو هناك، وأن يدخل بها الأحفال والسينيمات، ليعرفها ويختبر أخلاقها … إلى آخر مايقال في هذا المجال: وبعد ذلك تكون مآس وتكون فضائح فقد يترك الفتى الفتاة بعد أندخل عليها وخرج بها أمام الناس . دخل بيتها وخرج معها وسافر معها وتنزه معها، هنا لكي يصبح عرض الفتاة مضغة للأفواه . هذا صنف من الناس، من عبيد الحضارة الغربية.
وفي مقابل هؤلاء صنف آخر: أولئك الذين يحرمون الخاطب أن يرى الفتاة مجرد رؤية عابرة، يمنعون الفتاة من خاطبها حت ىيدخل وحتى يبني بها ويتزوج . وهؤلاء هم عبيد تقاليد عتيقة أيضًا، كما أن أولئك عبيد تقاليد محدثة مبتدعة وكلا الطرفين مذموم.
والأفضل من ذلك بل الطريق الصحيح بين هؤلاء وهؤلاء، هو ما جاءبه الشرع وما أمر به النبي ﷺ أن يرى الخاطب مخطوبته، فقد جاءه أحد المسلمين يقول: إني خطبت امرأة من الأنصار فقال: أنظرت إليها ؟ قال: لا . قال: فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئًا.
وجاء المغيرة بن شعبة يستأذن النبي ﷺ أويخبره بأنه خطب امرأة فقال: أنظرت إليها ؟ قال: لا . قال انظر إليها، فإنه أحرى أن يؤدم بينكما . أي يحصل بينكما الإدام والائتلاف والوفاق . فالعين بريد القلب ورسول العاطفة . لابد أن تحدث رؤية قبل الزواج، وهذا أمر من النبي ﷺ، والأمر في أصله وفي ظاهره للوجوب، وقال النبي ﷺ ما معناه: إذا خطب أحدكم المرأة وأراد أن يتزوجها فلينظر بعض ما يدعوه إلى زواجها، فمن هنا كان للخاطب بل ينبغي له أن يرى مخطوبته وينبغي لأهل الفتاة أن ييسروا له ذلك، حتى يراها وحتى تراه هي أيضًا، فمن حقها أن ترفض ومن حقها أن تأبى.
لابد أن يرى أحدهما الآخر قبل الزواج، حتى تبنى الحياة الزوجية على أسس وطيدة وعلى أركان سليمة متينة، لابد من هذا وذاك، ليس علم الفتاةولا علم أهلها شرطًا في ذلك، إذا كان الخاطب يريد مخطوبته، فيستطيع أن يراها دون أن يعلمها حتى لا يجرح شعورها وحتى لا يؤذي إحساسها، فبعض الناس يستهترون بذلك حتى سمعت من بعضهم أنه رأى أكثر من عشرين فتاة ولم تعجبه واحدة منهن حتى تزوج، معنى ذلك أنه جرح إحساس أكثر من عشرين فتاة من فتيات المسلمين، فالأولى أن يراها وهي خارجة أو في بيت قريب لها دون أن تعلم من هذا ولا ما هذا.
ولقد جاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أنه قال في امرأته بعد أن تزوجها: ” لقد كنت أتخبأ لها تحت شجرة حتى رأيت منها ما دعاني إلى زواجها”كان يتخبأ لها تحت شجرة دون أن تعلم ودون أن ترى.
ويستطيع الأب أن يساعد في ذلك حفاظًا على شعور ابنته . هذا هو الطريق السليم بين المفرطين والمفرطين وشرع الإسلام دائمًا هو الوسط، وأمة الإسلام أمة وسط، (وكذلك جعلناكم أمة وسطًا لتكونوا شهداء على الناس) وأمر الأسرة المسلمة بصفة عامة، أمر المرأة المسلمة ضائع بين المفْرطين والمفرِّطين، بين المتشددين المتزمتين الذين يحرصون على تقاليد عتيقة يظنونها من الإسلام وليست من الإسلام، وبين العصريين المتحررين المتجددين الذي تعبدوا للغرب ولحضارة الغرب وظنوا أنفسهم تقدميين وما هم بالتقدميين وإنما هم عبيد وأسارى لغيرهم . أما الطريق الوسط والطريق السديد فهو طريق الإسلام، وطريق الشريعة الإسلامية وهي بين هؤلاء وهؤلاء. نسأل الله أن يوفق المسلمين لاختيار الطريق القويم.
والله أعلم.
الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي